تعرضت الأفلام المرشحة لجوائز الأوسكار هذا العام لانتقادات لعدم تحري الدقة فيما ورد فيها من حقائق. الناقد الفني توم بروك يلقي نظرة على هذا الجدل. لأسابيع عدة، كانت هناك رغبة جامحة في الوقوف على أي تشويه أو فبركة أو إساءة في محتوى الحقائق التي تقدم في الأفلام التي تروي أحداثاً واقعية والمرشحة لنيل جوائز الأوسكار. لقد بات ذلك تقليداً سنوياً في هذه المسابقة. لكن في السنوات الأخيرة، أصبح التدقيق في مدى صحة الحقائق الواردة في الأفلام أكثر تركيزاً. يقول سكوت فينبيرغ، المتخصص في الكتابة حول جوائز الأوسكار في مجلة هوليوود ريبورتر: أعتقد أن سبب ذلك هو الانتشار الكبير للمدونات ومواقع الإنترنت، والكتاب المتخصصين الذين يكتبون عن مسابقة الأوسكار طوال العام، والذين يريدون حتماً زوايا جديدة يتناولون منها هذا الحدث، وقصصاً جديدة حولها. أعتقد أن ذلك يغذي الرغبة في الاطلاع على كافة الكتابات التي تبحث في دقة الأحداث التاريخية التي تتناولها هذه الأفلام. ولربما كانت هناك أسباب أخرى للزيادة الكبيرة في نقد مدى دقة الحقائق التي ترد في الأفلام المرشحة لجوائز الأوسكار. ويقول فينبرغ: شهد هذا العام عدداً غير مسبوق من الأفلام المرشحة للأوسكار والتي تقوم على قصص حقيقية. هناك ثلاثة أفلام حظيت هذا العام بنصيب الأسد من الانتقاد والتحليل، وكلها متهمة بعدم تحري الدقة. هذه الأفلام هي: سلمى، ولعبة التقليد، والقناص الأمريكي. بالنسبة لفيلم سلمى، جاء الانتقاد الرئيسي من مارك ابيغروف، مدير مكتبة ليندون جونسون الرئاسية، الذي زعم أن الفيلم أظهر الرئيس جونسون معارضاً للحقوق المدنية. ثم جاء جوزيف كاليفانو الذي كان كبير مساعدي الرئيس جونسون للشؤون الداخلية خلال الستينيات ليقول إن المسيرة التي ظهرت في فيلم سلمى على أنها مبادرة من مارتن لوثر كينغ كانت في الواقع فكرة الرئيس جونسون. وفي تغريدة لها على موقع تويتر، وصفت مخرجة الفيلم أفا دوفارنيه هذا الكلام بأنه سقطة كلامية مسيئة. ورغم طعنها في هذا الكلام، إلا أن انتقاد فيلم سلمى حظي بتغطية واسعة النطاق لدرجة عززت الانطباع بأن الفيلم ربما يفتقر إلى الدقة. وليس من المعروف ما إذا كان تأييد فيلم سلمى قد تلاشى بين أعضاء أكاديمية الأوسكار بسبب ما ثار حوله من جدل، ولكن الأكاديمية رشحت فيلمين فقط لجائزة الأوسكار. غموض المشكلة في كل ذلك أنه لن توجد رواية تنقل الحقيقة المطلقة. فالمقاييس حتماً تختلف والمعلومات تحذف. يقول ديفيد اويلوو، الممثل البريطاني الذي لعب دور مارتن لوثر كينغ: إذا كان لديك ساعتان لتروي قصة ما، فعليك أن تطرح أفكارك بطريقة تختلف عما ستظهر فيها هذه الأفكار في فيلم وثائقي. كاتب السيناريو، أنتوني مكارتين، الذي رشح لدوره في نظرية كل شيء يعترف أن المسألة تتعلق بإقامة توازن بين كتابة نص جذاب وفي نفس الوقت المحافظة على الصدق في الرواية. ويضيف: نحن في خدمة الحقيقة. أحياناً يرغمك ذلك على سلوك أقصر الطرق وتجنب الشاعرية، وأنت ملزم بذلك. وبإمكانك التوسع في استخدام حرية الانتقاء للأحداث والحقائق، وعليك أن تجمع بين هذه الأمور كلها. خلال موسم الجوائز، غالباً يكون الحذف أو تخفيف جوانب من صفات شخص حقيقي في السيناريو مثاراً للجدل. حصل ذلك هذا العام مع فيلم لعبة التقليد، الذي وردت بشأنه شكاوى كثيرة، معظمها من نشطاء المثليين، وذلك بسبب الطريقة التي أظهر الفيلم بها ألان تورنغ، العالم الشهير الذي فك شيفرة إنغما النازية خلال الحرب العالمية الثانية. يقول الناقد السينمائي أرموند وايت، الذي يكتب في مجلتي ناشيونال ريفيو و آوت: لم يرد في الفيلم ما يكفي لإظهار ألان تورنغ كرجل مثلي الجنس. بيد أن جراهام مور كاتب سيناريو فيلم لعبة التقليد يعتقد أنه أحسن عرض لقصة رجل مثلي، وقال: أعتقد أن ألان تورنغ مثلي في كل جزء وكل لقطة من لقطات فيلم لعبة التقليد. أنت فقط لا تشاهده يمارس الجنس. من الناحية التاريخية، مرت أفلام مسابقة الأوسكار في منحنيات مشابهة. أحد الأمثلة على ذلك كان فيلم عقل جميل عام 2001 والذي فاز بجائزة الأوسكار، وكان يحكي قصة عالم الرياضيات الفائز بجائزة نوبل جون ناش. فقد وجه الاتهام للفيلم بأنه لم يتعرض لحقيقة كون العالم ناش من المثليين جنسياً. ولم يكن من الجيد أيضاً تردد اتهامات لذلك العالم بأنه معاد للسامية. لكن ناش أنكر وقتها في حديث لنيويورك تايمز أنه مثلي أو معاد للسامية. لكن تلك الاتهامات أثارت زوبعة كبيرة، ووضعت من يقومون بالترويج لأفلام أكاديمية الأوسكار في موقف صعب. رغم هذا الجدل، تمكن فيلم عقل جميل من الفوز بأربع جوائز للأوسكار، أحدها جائزة أفضل صورة. الفيلم الآخر الذي أثيرت حوله ضجة هذا العام هو فيلم قناص أميركي، الذي يحكي قصة جندي البحرية الأمريكي كريس كايل، والذي أخرجه كلينت ايستوود. وجاءت الانتقادات منسجمة إلى حد كبير من الاتجاهات السياسية المختلفة، إذ يقول الليبراليون أن الفيلم يمجد القتل، ويحط من قيمة العرب، ويحذف بعض الجوانب الأقل إثارة في حياة كايل. كما يعتقد منتقدو الفيلم أن أكاديمية الأوسكار ما كان ينبغي أن تروج لفيلم يحكي قصة جندي وصف قتل العراقيين بأنه متعة. الفيلم الذي حقق نجاحاً كبيراً أثنى عليه كثير من المحافظين، ورأوا فيه إنتاجا محكما يصور بطريقة جذابة جندياً أميريكياً يعاني من المشاكل لكنه مخلص لوطنه. حقيقة أم أسطورة؟ يشير مكارتين إلى أنه من المستحيل أن تنجو من النقد لو تضمن فيلمك فبركة للأحداث والحقائق، لأن جمهور هذه الأيام مطلع ومتابع بشكل جيد. ويضيف: في عصر (موقع) غوغل لايمكنك التلاعب بالحقائق. الناس يشاهدون فيلماً من الأفلام، ويعجبهم، إلى أن يبحثوا عن حكايته على الإنترنت، فيكتشفوا أنه تضمن حقائق وأحداثاً مزورة. وبهذا تنهار العلاقة التي بنيتها مع المشاهدين. لذلك أعتقد أن تشويه الحقائق ينبغي أن يتجنب حتى لو كان مغرياً من حيث الحبكة الدرامية. ينبغي فقط أن تقول لا للتشويه. يعتقد بعض النقاد أن هذا المستوى من المتابعة الدقيقة لمحتوى الأفلام من شأنه أن يرتقي بمستواها. يقول فاونداس: من المبالغة أن تطلب أن يعرض الفيلم على الشاشة الحقيقة كما هي بنسبة 100 في المئة عندما أفكر مثلا في أن الأشخاص العاديين يجدون صعوبة في أن يتذكروا بالضبط ما مر في حياتهم من أحداث، حتى على مستوى تناول الغداء مع شخص ما الأسبوع الماضي. من المهم أثناء موسم الترشيح لجوائز الأوسكار أن يجري التعامل بسرعة مع أي اتهامات بالاصطناع والفبركة، وإلا ظلت ملتصقة بالفيلم. قبل عامين ناقش أعضاء في لجنة المخابرات التابعة للكونغرس ما ورد في فيلم Zero Dark Thirty، قائلين إنه غير دقيق بالمرة ومضلل فيما ذهب إليه من أن التعذيب هو ما قاد إلى معرفة مكان أسامة بن لادن. لم يصدر رد ذو أثر عن الشركة المنتجة على هذه الاتهامات، ولم تتحسن أبداً صورة الفيلم الذي لم يحصل من أوسكار إلا على جائزة واحدة. يقول فاونداس: أشعر أن كثيرا من هذه النقاشات مشوقة لأنها تشجع الناس على تفحص محتوى الفيلم بدقة وعمق. أعتقد أنه أمر جيد أن نتحدث عن المضامين السياسية للفيلم، والأفكار والمعتقدات التي تنافش فيه، وعن الغرض الذي قصد من حذف أو عدم حذف شيء منه. رغم كل الجدل الذي ثار نتيجة النقد والتدقيق في محتوى الأفلام التي تروي أحداثاً واقعية، من غير المتوقع أن يؤثر هذا على نتيجة المسابقة التي تعقدها أكاديمية الأوسكار، وذلك لأن الفيلمين الذين يحلان في المقدمة لجائزة أفضل صورة لهذا العام هما Boyhood و Birdman، وكلاهما مبني على أساطير وليس على أحداث واقعية، ولذلك فهما محصنان ضد التهم بعدم الصدق. يرغب منتجو الأفلام دائماً في أن يتناولوا قصصا حقيقية، ومن أجل تسويق أعمالهم سيزعمون أحياناً أنهم يملكون زمام الحقيقة. لكنهم يريدون أيضاً أن يجيز لهم الجمهور أن يضعوا الحقائق في قالب روائي درامي مع الاحتفاظ بقدر من الحقيقة. بيد أن مفهوم قول الحقيقة هو ما يعني أن قطاعاً كبيراً من متابعي الأفلام الواعين سوف يلجأون إلى محركات البحث على الإنترنت للوقوف على دقة الحقائق التي تتناولها هذه الأفلام. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي عى موقع BBC Culture.
مشاركة :