احتفت ديوانية الملتقى الثقافي بالقطيف بالشاعر علي الدميني، من خلال أمسية نقدية للناقد الدكتور معجب الزهراني، صاحبه فيها المحتفى به الذي ألقى بعض قصائده، كما وزعت على الحضور نسخ من كتاب طبعه نادي الشرقية الأدبي ضم إلى جانب ما كتبه الزهراني من نقد أوراقا نقدية لمجموعة من النقاد الآخرين، كما رافق الفنان محمد عبدالباقي إلقاء الدميني بما عزفه من ألحان عوده. بدأ الأمسية الشاعر غسان الخنيزي الذي تلا أجزاء من سيرة الشاعر، الذي ابتدأ في كتابة الشعر منذ السبعينيات، وشارك في العديد من المهرجانات العربية، وأشرف على ملحق المربد الأدبي بين عامي 1974-1980، وأشرف على إدارة جمعية الثقافة والفنون في الوقت ذاته، وقام مع مجموعة من الأصدقاء بنشر الأعمال الكاملة للقاص والروائي الراحل عبدالعزيز مشري. وقرأ الدميني جزءا من قصيدة طويلة بعنوان صباح المصابيح، ثم قرأ بروق العامرية، ومنه: آبق في الغواية، هذا الفتى الغامدي الخجول تتبدى له نجمة في الحديقة بيضاء من ذهب وحقول/ وتوسوس فوق ذراعيه مغسولة برداء الفصول لا تقولي عشقتك، ما زلت غضا يخب نهار الطفولة، لكنها ستقول ويكون الذي كان حين امتطينا صباح الخيول أيتها العامرية، يا ماء حواء، رايتنا في الهجوع، ورايتنا في بكاء الزمان يا نهارا تنام الظهيرة تحت قناديله ويسيل المكان يا مهفهفة النار والنور، والعين والحور، والطيلسان بيننا طفلة ويدان وأغان مسومة برقيق الحسان أيتها الشجرية: نسعى لكي يضج القريبون منا/ وكي لا يفر البعيدون عنا وكي نتساوى على الخارطة. أيتها العامرية/ إنا وجدنا الميادين تفضي إلى بعضها والشرايين تبحث عن نبضها/ فمزجنا لها فرسا من دم، وقبابا من الماء تنحل فيه الأباريق / من فضة خالصة. أيتها البابلية، حور من البحر يرقصن حولك حتى اتساع الظمأ/ وحتى انبلاج النوارس من عتمات الغسق وحتى تهلين من بارد المزن ما عتقته دنان الورق للمحلين والمحرمين ومن لاذ بالنار خوف الغرق. وعلق المقدم غسان الخنيزي أن صوت الشاعر الدميني يأخذ المستمع له في آفاق المكان وتاريخه. وقدم للدكتور معجب الزهراني تاليا أطرافا من سيرته، حيث قال: الدكتور معجب يقف على التخوم بين أكثر من حضارة، واهتمامه بالجمال واضح ومستمر في مختلف مجالاته، له الكثير من البحوث المحكّمة في مجالات مختلفة في العديد من الدوريات والمجلات العلمية، وله الكثير من المحاضرات الفكرية العامة، وله اهتمام خاص بالشاعرين علي الدميني وقاسم حداد، اهتم بنقد النقد، شارك في بعض الموسوعات بمواد ثقافية عن المنطقة الوسطى ونجران، وله كتاب بعنوان شاعر النص وشاعر التجربة وله دراسة بعنوان قراءة في فصل المقام لابن رشد، وأخرى بعنوان المملكة في عيون الفرنسيين. وشرع الدكتور الزهراني مبديا سعادته لكون هذه هي استضافته الثانية في ديوانية الملتقى، مبينا أن أكثر ما في هذه اللقاءات جمالا ليس هو الثرثرة الأكاديمية المكرورة على حد قوله، بل هو اللقاء مع الأصدقاء وعلى رأسهم الأستاذ الملهم محمد العلي، وقال: إن النقد يحاول أن يكون معرفة وهو بهذا يطل على ما لا نريد، بينما الشعر يطل على ما نريد ونتمنى. وبين الزهراني في ورقته أن علاقته بالدميني تعود إلى زمن قديم، حيث التقى به في مجلسه في زمن مبكر وفي جلسة موسيقية ما زالت ترن في ذهنه كما ترن أمسيات الطفولة، وأوضح أن الورقة التي سيقدمها هي جزء من ورقة قدمها قبل أشهر في الباحة في احتفالية أقيمت متأخرة كثيرا للدميني، بعد أن كان شبه غائب هناك. وأضاف: كنت لم أكتب عنه كثيرا لأن القرب حجاب، وحين عدت لدواوينه فوجئت أن قراءة الدميني تأخذ للثيمة العميقة في نصوصه وهي تدور حول الحبّ، وهو موضوع حين يتكرر كثيرا في شعر شاعر فهذا لا يدل على أنه موضوع يختاره، بل انه كيمياء وميول ونبع سري يغذي الطاقة الإبداعية ويولدها فاشتغلت على هذه الثيمة. وبين الزهراني أن الحب في الثقافة العربية لا يماثل ما له من مكانة في اللغة العربية، حيث تجد له الكثير من الأسماء التي تصل إلى 300 اسم وصفة، وعلى عكس هذا الاحتفاء نجد أن الثقافة العربية شرسة، فهي تجرم الحب حينما يكون علاقة بين شخصين، وهذا ما يؤدي إلى نشوء ثقافات متطرفة في الوطن العربي؛ لأن محاربة الحب تؤدي إلى نقيضه. وعن الحب لدى الدميني قال الزهراني: إنه ينقسم إلى عدة أقسام، فالأول هو بين الرجل والمرأة، ثم في المقام الثاني علاقته ببعض الشخوص الذين يمثلون قيمة ودلالة رمزية، وفي الدائرة الثالثة يتحول الحبّ إلى رؤية متعاطفة مع العالم والطبيعة وينحل إلى محبة كل الإنسان وبشكل مطلق. وتحدث الزهراني في محاضرته عن أشكال من حب الرجل للمرأة، مبينا أن من النماذج اللافتة لدى الدميني قصيدة ما يشبه النسيان، التي تستحضر الحب الأول الذي يكون في مرحلة المراهقة والانفصال عن الطفولة، حيث يقف الموروث والوالدان والقبيلة حائلا دون تحقق هذا الحب، فيتحول إلى حب مكبوت تبقى آثاره إلى نهاية العمر في صورة المرأة المثال الكاملة الأيقونة، هذا الحب هو ما تمثله وأعاد خلقه الدميني في هذه القصيدة. كما تحدث الزهراني عن أنماط الحبّ الأخرى بعد بلوغ الرشد العاطفي واكتناز التجارب، وصولا إلى الحب تجاه أشخاص بمثابة رموز لقيم معينة، وانتهاء بحب الإنسان الذي تقع المرأة في أعماقه. وختمت الأمسية بقراءة الزهراني نصا من روايته رقص، يصف فيها مشهدا من رقص النساء في عرس، ثم جولة ثانية من شعر الدميني قبل أن يغني الفنان محمد عبدالباقي أحد نصوصه، ثم يتوجه الحضور لتوقيع نسخهم من الكتاب المتضمن قراءات نقدية عن الدميني المطبوع عن أدبي الشرقية مؤخرا.
مشاركة :