المفتي في خطبة الجمعة: بالعدل يشيع الأمن والأمان وتحقن الدماء

  • 2/21/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

(مكة) - الرياض أوصى سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، المسلمين بتقوى الله تعالى حق التقوى . وقال سماحته في خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض: إن الله فرض على العباد فرائض واوجب عليهم واجبات ونهاهم عن منهيات كلفهم بها، فطالبهم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي وأعظم تجمع خصال الخير والأمر بها وخصال الشر والنهي عنها هي قول الله جل وعلا ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ))، فهذه الآية هي أوامر ثلاثة ونواهي ثلاثة، أوامر أمر الله بأدائها وهي العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونواهي نهى عنها وهي الفحشاء والمنكر والبغي، فأعظم ذلك العدل فان العدل أعظم هذه الأمور لأن بالعدل يشيع الأمن والأمان والاستقرار وتحقن الدماء وتحفظ حقوق العباد، والعدل والإنصاف وعدم إتباع الهوى، فبالعدل يشيع الأمن والاستقرار والطمانية وتحفظ به الدماء والأعراض وتصان حقوق العباد من التعدي عليها . وأضاف: أما الإحسان فهو إتقان العمل وإصلاحه والقيام به حق القيام فيما بينك وبين الله أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك فتحسن العمل لله، وتخلصه لله ومن الإحسان أن تقابل السوء بالإحسان في الأقوال والأعمال قال الله جل وعلا ((ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)). وتابع يقول: وأمر بإيتاء ذي القربى وهم أرحامك من أمك وأبيك في المال أو في أنواع المعروف والإصلاح بين الأقارب والتوفيق بينهم والصبر على ما يصدر منهم ومعاملتهم بالإحسان وإن أساؤوا وبالعفو وإن ظلموا لأن هذا من كمال صلة الرحم، قال صلى الله عليه وسلم (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطِعَت رحمه وصلها)، ثم نهى عن ثلاث أمور هي سبب فساد المجتمع وتنخر في بنيانه الأول منها قوله جل وعلا ((وينهى عن الفحشاء)) والفحشاء كل ما اشتملت عليه النفوس الشريعة الإسلامية سليمة من الشرك بالله والقتل والسرقة والزنى والرياء واحتقار الناس وإذلالهم . واستطرد سماحته بقوله: أما المنكر في قوله جل وعلا ((وينهاكم عن الفحشاء والمنكر)) فالمنكر كل معصية بينك وبين الله لارتكاب أي نهي نهاك الله عنه أو ترك واجب أوجب الله عليك، هذا لاشك انه من المنكرات، وأما البغي فهو الظلم والعدوان والتعدي على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم . وقال سماحته: أيها المسلم إن العدل له فضائل كبيرة فمنها أنه أعظم الأمور في هذه الآية لأن في العدل بناء المجتمع وارتباط الأفراد بين الراعي والرعية وبالعدل تستقر الدولة تنتظم حالها وتنبذ الاضطرابات والقلاقل كلما قام العدل في الأمة هي بسلام واستقرار . وأضاف : للعدل فضائل عظيمة فمن فضائل العدل أن الله يحبك قال جل وعلا ((واقسطوا إن الله يحب المقسطين))، ومن فضائله علو منزلة الصالح في الآخرة يقول صلى الله عليه وسلم (المقسطون على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)، ومن فضائل العدل أنه سبب دخولك الجنة، ومن الفضائل أيضاً أنه يعينك على كتاب الله، والعدل سبب في استقرار الأحوال المادية، فالدنيا تستقيم بالعدل ولو كان بها معصية، فإن الله جل وعلا جعل العدل سبباً لاستقرار الأمم وانتظام حياتها فإن العدل إعطاء كل ذي حق حقه فتطمئن النفوس ويتحمل كل مسيء إساءته ومعصيته، لكن بالظلم لا دولة ولا انتظام لان الظلم يمحق البركات ((ولا تحسبن الله غافل عما يعمل الظالمون )) . وتابع سماحته: أيها المسلم العدل في جميع مكامن الحياة كاملة، في جميع حياتك، مع ربك، مع نفسك، مع اهلك، فأعظم عدل عليك العدل في توحيد الله فإن المسلم حقاً من يعلم أن الله وحده هو المستحق للعبادة دون سواه لأن العدل وضع الشيء في موضعه، فمن عبد الله واتقاه وخصه بالدعاء والرجاء ذبح له وصلى له واستعان به وعلم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه فإن هذا هو العدل حقيقة، أما من أشرك مع الله غيره وعبد غير الله وذبح لغير الله ودعا غير الله واستغاث بغير الله فهذا هو الظالم ((إن الشرك لظلم عظيم))، ومن العدل عدلك فيما بينك وبين نفسك وبينك وبين أهلك قال الله جل وعلا ((يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا)) . وأضاف سماحته: فالعدل في الأولاد، تربيتهم، توجيهم، تعليمهم، إياك تضغط عليهم ضغطاً يبعدهم عنك، إياك والشدة،عليك بالعدل بين أولادك في التربية والتوجيه، كن معهم موجهاً لهم ومربياً لهم ومهذباً لأخلاقهم وسلوكهم في توازن واعتدال فإن كثير من الناس قد يصدر منه فساد في أخلاقه وبذاءة لسانه وعدم الدعاء عليهم، ورباهم وعاش معهم في همومهم وأمورهم كلها فان هذا من أسباب صلاحهم واستقامتهم .. والعدل في حقوق العباد بان تؤدي حقوقهم التي أوجب الله عليك قيمة المبيع أجرة المسكن ونحو ذلك، تؤدي حقوقهم وإن كنت عاملاً وأخذت الأجرة فتؤدي الحقوق الواجبة عليك بالعدل، فكما أنك تطالب تلميذك بأن يؤدي حقوقه فكذلك طالب نفسك بأن تقيم العدل وان تسعى للحق، ومن العدل عدل الراعي لرعيته بمحبة الخير لهم واختيار الأكفأ في كل ميادين الحياة وأن يختر لولايته من يعمل الخير والصلاح لهذه الأمة فإنها مسؤولية ما من راعي استأمنه الله يسأله الله حفظ ذلك أم ضيعه . وأردف يقول : ومن العدل أيها الأخوة مع الأعداء وإن كانوا كفاراً، العدل معهم قال الله جل وعلا : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى))، وقال (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين ))، ومن العدل أيضاً اهتمام كل موظف بمسؤوليته ويؤدي وظيفته على الوجه المطلوب، لا غش ولا خيانة ولا تساهل، فيؤدي الحق في وقته، أداءً وإتقاناً ويتعامل مع موظفيه بالعدل والإحسان، ومن العدل أيضا في الخصومة بأن يمكن كل خصم بأن يأتي بالحجة التي عنده قال جل وعلا : ((يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعْ الْهَوَى))، ومن العدل ياعباد الله إقامة الحدود فان حدود الله تقام على الصغير والكبير والقوى والضعيف يقول صلى الله عليه وسلم (إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف، تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد، وإني، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). ومن العدل في تصحيح الأخطاء فكلنا خطاء وخير الخطائين التوابين، عندما تقرأ مقالاً أو تنتقد مشروع فيه أخطاء كبيرة أن تبين الأخطاء بالعدل، ومن العدل بينك وبين زوجاتك بأن لا تفضل واحدة على أخرى فتعدل بينهم في القسم والنفقة والكسوة فإن هذا هو الواجب (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وشقه مائل) . وقال سماحته: ومن العدل أيضاً عدلك بين أبنائك بان تظهر لهم المحبة والمودة والإكرام ولا يشعروا منك بتفضيل بعضهم على بعض، يقول صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) .. إن العدل كلما طبق في الأرض عاش الناس في ظله في أمان واستقرار وطمأنينة، وإنما يحصل الظلم والجور بالتخلي عن العدل، فإن الله يقول : ((وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق)) فبالعدل خلقت السماء والأرض، ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط)) . وقال المفتي: أخي المسلم كن عدلاً في الأمور كلها، في أقوالك وأفعالك، العدل في الأقوال بأن تتقي الله ولا تفشي عيوب أخيك المسلم ولا تقل عنه أشياء ما قالها فان هذا من الظلم والجور، قال تعالى (وإذا قلتم فاعدلوا) وكما تعدل في الأقوال يجب أن تعدل في الأفعال .. كن عادلاً في أمورك وإياك والطيش والعجلة والتسرع الذي ربما يفقدك الصواب، تأن في الأمور كلها فإن في التأني خيراً كثيراً، كن عادلاً لمن حولك من زوجاتك وأولادك وخدمك، وكن عادلاً بين زملائك وكن عادلاً أخي المسلم فيما تكتبه من مقال فاكتب كتابة حسنة صالحة تظهر الأخطاء فيها واحذر الطعن في الناس وكن واقعاً في الأمور كلها فمن العدل أن نعطي الناس حقوقهم فنتقي الله في ذلك. وأضاف سماحته: أيها المسلم كن عدلاً فيما تقوله من أقوال وأفعال وكن عدلاً مع أهل بيتك وكن عدلاً في الحسبة فأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر على علم وعلى بصيرة دون حماقة وظلم وعدوان، وكن عدلاً في أحوالك كلها فبالعدل تقوم الأحوال فاتق الله في نفسك والزم العدل في أحوالك كلها تكن من المحسنين، أعدل في تجارتك وإياك أن تفرق بين الناس، أعدل البيع في بيعك ولتكن صادقاً عادلاً لا تفضل أحداً لأجل قوة شخصيته ونفوذه، كن عدلاً في بيعك وشرائك واتقي الله في نفسك وفي كل أحوالك .

مشاركة :