من يكون هذا الانسان، المتميز بين ألوف المخترعين، الذي تهافتت المؤسسات الأكاديمية لنيل شرف عضويته فيها ولتكريمه بأوسمة الشرف والتقدير، ويصبح أحد كبار المخترعين الذين يحتفل العالم بهم في يوم 9 نوفمبر من كل عام «يوم المخترع العالمي» احتفاءً بهم وتقديراً لاختراعاتهم التي خدمت البشرية، وتعظيماً لعقولهم النيرة المنيرة التي تضيء على البشرية خيراً، وتهب الناس خدمات نوعية تحول العسر الى اليسر، وتحيل الظلمة نوراً، والليل نهاراً، ولا تدعو ولا تدعي لنفسها لا ديناً ولا مذهباً، بل دينهم العمل المبدع (الاختراع) ومذهبهم خدمة البشر؟ إنه شمعة المخترعين كلهم، إنه المخترع العبقري الامريكي توماس إلفا إديسون. فقد انتخب عضواً في الأكاديمية الملكية السويدية عام 1890 وعضواً في الأكاديمية الوطنية للعلوم، وفاز بأوسمة كثيرة من مؤسسات أكاديمية ووطنية، وعلى رأسها ميدالية الكونغرس الذهبية، وأنشأت الجمعية الامريكية للهندسة الكهربائية وساماً باسم توماس إديسون، وخاتمة التكريم له كان تسميته أحد عظماء ولاية فلوريدا من قبل حاكم الولاية ومجلس الوزراء عام 2011، وطبعاً ليست هناك نهاية لموجات التكريم والتقدير لهذا الانسان العظيم، لأن البشرية كلها تعيش حياتها تحت أنوار اختراعاته التي تدخل كل زاوية من زوايا حياة الانسان، وكل زاوية من زوايا الكرة الأرضية، إن كل لمبة تضيء الليل لنا هي نطق بالتكريم لهذا الانسان العظيم... من طبيعة الأمور أن يتساءل الانسان.. ما هي الدرجة العلمية او الرتبة الأكاديمية التي يمتلكها هذا المخترع العظيم، ومن أية جامعة تخرج، أو قد يكون نتاج عدد من المؤسسات الأكاديمية التي لا تقبل سوى العباقرة؟ هل هو خريج جامعة هارفارد الشهيرة، أم جامعة أوكسفورد أو جامعة كيمبريدج؟ إن إنساناً بهذا الكم والنوع من الاختراعات لا يمكن أن يحمل مجرد رتبة دكتوراه، فهو أعلى رتبة من حملة الدكتوراه، إذاً فطبيعة الأشياء تشير وتفيد أنه خريج إحدى أعلى الجامعات أو المؤسسات الأكاديمية في العالم. وهذا صحيح!!! فهو لا يحمل أية رتبة أكاديمية، ولا هو خريج أية جامعة من الجامعات التي تملأ الكون أو المؤسسات الأكاديمية المنتشرة في العالم، وحتى أنه لم يعرف معنى المرحلة الثانوية، ناهيك أنه لم يكمل المرحلة الابتدائية، بل أنه طرد من المدرسة وهو في سن العاشرة من عمره، فقد حكم عليه مدرسه أنه غبي ومشاغب ولا يصلح للدراسة، فقررت إدارة المدرسة محو اسمه من قائمة التلاميذ في المدرسة وتم طرده من المدرسة، وهو لا يعلم أنه محكوم عليه بالغباء وأن العقاب هو الطرد من المدرسة، حكم جاهل جائر بغباء الطفل اقتضى عقاباً مجحفاً ظالماً بحرمانه من التعليم!!!... ومع هذا القرار بالطرد والحرمان من الدراسة تسلم توماس رسالة معنونة إلى ولي أمره، ولم يكن يعرف فحواها، ومع تداعيات هذه الرسالة والتاريخ اللاحق لها، يمكننا وصف تلك الرسالة مجازاً بأنها الشهادة (العظيمة) التي استلمها الطفل الغبي (العبقري) توماس إديسون. حمل توماس الصغير الرسالة إلى أمه، ففتحت الأم الرسالة وقرأت فحواها، واستنتجت من فحوى الرسالة أن أمامها رسالة مقدسة لا بد أن تؤديها وتحقق ما يمليه الحب من أعماق قلبها لابنها الحبيب. فقررت أن تكون هي مَدْرَسَةً لابنها، مدرسة تتدرج من مناهج الابتدائية الى الثانوية ومنهما إلى التعليم العالي الجامعي. فقالت لابنها: «توماس حبيبي، هذه رسالة اعتذار من المدرسة، فهذه المدرسة لا تستطيع أن تعلمك لأنك أذكى من قدرات المدرسة على تعليمك، فأنت عبقري، والعباقرة أمثالك في حاجة إلى مدرسة خاصة، وخاصة جداً، فمن اليوم وصاعداً أنا لك المدرسة إلى آخر مطاف الدراسة، وبعدها تتولى أمر نفسك في العمل واكتساب المزيد من العلم والمعرفة»... إديسون الطفل لم يكن يدري شيئاً عن حكم المدرس بغبائه وقرار الأم بعبقريته، وصدق قول أمه، وأثبت صدق قرار الأم بجريمة قرار المدرسة التي لم تستوعب ذكاءه وقدراته العبقرية. فيا ترى كم من العباقرة، ممن لم يكن لهم أم مثل أم إديسون، قد دفنوا في قبور النسيان نتيجة حكم جائر من مدرس جاهل وعقوبة ظالمة من إدارة تعليمية غير واعية؟... بعد وفاة أمه، اكتشف رسالة طرده من المدرسة، وعرف حينها حقيقة ظلم المدرس والمدرسة بحقه، وكبرت أمه في نظره، فقال شهادته في أمه: «أمي هي التي صنعتني...». السيدة نانسي ماثيوس إليوت، أم المخترع العبقري، تستحق وساماً خاصاً، وتستحق أن يخصص لها يوماً عالمياً في كل سنة في ذكراها، «يوم الأم العظيمة»... لقد أثبتت هذه الأم العظيمة أن الحب يخلق المعجزات. إن حبها لابنها أنطقها بهذه الكلمات الواثقة التي تحدت بها قرار طرد ابنها من المدرسة: «ابني عبقري، وسوف أثبت للعالم مدى عبقريته»... فهل حقاً كان عبقرياً أم أن حب الأم جعلت منه عبقرياً... انها مدرسة الحب... الحب يزيح الظلمة عن النفس ويجعل منها مصباحاً منيراً، ومع انبثاق النور من مصباح النفس، يتسلط النور على العقل، ويضيء العقل، مثل ضياء القمر من نور الشمس، ويتميز العقل عن القمر أنه يتدرج من الضياء إلى النور، فيصبح العقل مصدر نور بذاته... إن ثنائي الأم والطفل قد جمعت بين العبقرية والحب، فكثير من الأطفال العباقرة أسيئ تقديرهم، ودفنت عبقريتهم في غياب حب ينتشل العبقرية من عبث الجهل...
مشاركة :