ما أكثر ما نستلمه في الواتس أب من غريب التخمينات، ومن الحوشي من الكلام، ومن الشائعات، بالأمس وصلتني رسالة يريد مرسلها أن يبين تكاليف وأعباء صغار المقاولين، وكيف أنه من الصعوبة بمكان أن يحقق أي ربح نتيجة لتكاليف السعودة، وأخذت أقرأ الرسالة لأتبين أن المرسل وضع افتراضات لشركة مقاولات دخلت حديثاً للسوق، ولتكاليف التشغيل والربحية. لنتابع: فيصل يمتلك مؤسسة مقاولات عدد عمالتها 35 وفيها 5سعوديين حتى يبقى في النطاق الأخضر المرتفع ويحقق شروط مكتب العمل. ما يدفعه فيصل كالتالي: 1- السعودة: 5 سعوديين رواتبهم 3000 ريال شهريا =15000 ريال، أي 180 ألفا سنويا، زائداً 36 ألفا للتأمينات الاجتماعية، أي تكلفة السعودة 216 ألف ريال سنوياً. 2- 30 موظفا أجنبيا، يدفع عن كل موظف: 650 ريالا تجديد إقامة، 2500 بطاقة عمل، 400 ريال تأمينا صحيا، المجموع 3550 ريالا، ما مجموعه 106,500 ريال عن العمالة الوافدة ناقصاً تكلفة خمس بطاقات عمل مقابل توظيف خمسة سعوديين (12,500ريال)، ليصبح الصافي 94 ألف ريال. 3- التأمينات على الوافدين: 1200 ريال شهرياً عن الثلاثين موظفاً بواقع 14,400 ريال سنوياً. 4- ما يدفعه من تكاليف (رسوم حكومية زائداً رواتب السعودة) يبلغ 324,400 ريال. 216 ألف ريال + 94 ألف ريال + 14400= 324,400 ريال. 5- نفترض مجمل رواتب العمالة الوافدة 720 ألف ريال سنوياً 6- إجمالي الرواتب والمصاريف للسعودة والاستقدام يساوي مليونا وأربعة وخمسين ألف ريال سنوياً. 7- وبافتراض أن الطاقم الموجود من 30 عاملا يمكنه العمل في 3 عمائر سكنية في نفس الوقت بمساحة 1000م للعمارة السكنية، والعمارة تستغرق ستة أشهر، بإجمالي ست عمارات سنويا، وبافتراض تكلفة البناء والتشطيب للعمارة الواحدة 700 ألف ريال، بنسبة ربح 20 بالمائة، يصبح إجمالي الإيراد 840 ألف ريال سنوياً، بمعنى أن المقاول فيصل سيخسر سنوياً 214 ألف ريال. والتمعن في الحالة الافتراضية أعلاه أمر ضروري، ولاسيما أن مؤلف الحالة اعتبر ما يدفع للعمالة السعودية أنه رسوم سعودة وهمية، وأن إنتاجية العامل المواطن صفر! وهذا أمر لا يجب أن يستمر، فقطاع التشييد والبناء هو الموظف الأول في البلاد، ولا بد أن ننظر إليه بأنه أحد واحات التوطين، وهذا لن يتحقق عبر الإحباط، بل بتصنيف الوظائف إلى فئات، ووضع السعوديين في مهن معينة، وتعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم. وعلى المقاول أن يدفع أجراً مجزياً، وفي النهاية عليه أن يتقاضى أتعابه من الزبون. ثم لا بد للمقاول أن يكون حاذقاً في إدارة مؤسسته حتى يستطيع أن ينافس المقاولين الآخرين، وإلا لن يستطيع تحقيق ربح وبالتالي لن يتمكن من الاستمرار في السوق ليس بسبب مصاريف السعودة بل لعدم قدرته على المنافسة. قبل أيام كنت أتحدث مع صديق عن سعودة عقود التشغيل، وأن أمامنا تجربة استمرت نحو عقدين من الزمن في الموانئ السعودية، لكننا لم نطورها، ولم نبن عليها. وإلا لكنا قد تمكنا -كبلد- من توظيف كل السعوديين والسعوديات بوظائف فنية ومهنية مجزية. لكنها بقيت تجربة منزوية، في حين أننا بحاجة أن نسعى سعياً لتوسيع الاستفادة منها، لكن يبدو أننا لا نرغب في البناء على تجارب من سبقونا، فكل يعتقد أن له بصمة خاصة يجب أن تبدأ من الصفر، ويصر على إعادة اختراع العجلة! وفي الحقيقة، فما ألمني من الحالة الفرضية أعلاه، أن فيصل اعتبر السعودة رسماً، ولم يعرْ أي بالٍ لإمكانية تأهيل السعوديين الخمسة.
مشاركة :