في 25 أيلول 2017 ذهب شعب إقليم كردستان إلى الاستفتاء حول مصير علاقته مع الجزء الآخر من العراق، بعد محاولات عديدة خلال أكثر من قرن لرأب الصدع وبناء علاقة متينة تحكمها قناعة هذا الشعب بضرورة بقائه في دولة اتحادية ديمقراطية مع العراق العربي. إلا إن ما حدث بعد الاستفتاء أشار إلى أن صيغة التعاطي مع قضية كردستان وشعبها ما تزال كما كانت منذ تأسيس المملكة العراقية، حبيسة نهج واحد وإن اختلفت الوسائل والأدوات وفي مقدمة ذلك نهج الإقصاء والتهميش، بل واستخدام أكثر الوسائل بشاعة في الإبادة سواء بالأسلحة الكيماوية كما حدث في حلبجة وبقية المدن والقرى الكردستانية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي أو كما حصل في فرض الحصار على شعب كردستان، بحرمانه من حصته في الموازنة السنوية وقطع مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين منذ 2014، بغية تجويع الشعب وإشاعة الفوضى ومحاولة إسقاط فيدرالية كردستان من خلال استخدام القوات المسلحة وملحقاتها في اجتياح المناطق المستقطعة من الإقليم بسياسة التغيير الديموغرافي التي استخدمها البعث منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وبعيداً عن التأويلات والتفسيرات وما سوقته وتسوقه أجهزة دعاية السلطة في اتهاماتها للإقليم وشعبه وقيادته، تبقى الحقيقة ثابتة في قانونها بعيداً عن الجزئيات؛ ولأن لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، كما قال إسحق نيوتن عالم الفيزياء المثير في قانونه الثالث. ولكون حركة الحياة واحدة في أساسها والنظم السياسية كائنات حية، وسلوكها وأفعالها الجمعية تعتبر فعل واقع ومؤثر كفعل أي جسم أو كتلة في تأثيرها، فإن التهميش والإقصاء وهضم الحقوق والاضطهاد كأفعال وسلوكيات كان لها ردود أفعال بذات القوة كما قال لنا عالم الفيزياء دونما أن يدرك إن في السياسة كتل وأفعال وانعكاسات تنطبق عليها نظريته وقوانينه. لقد أدت عمليات الاضطهاد والتهميش والإقصاء لشعب إقليم كردستان وحقوقه، إلى ردود عنيفة تمثلت بالانتفاضات والثورات منذ مطلع القرن الماضي بانتفاضة الشيخ عبدالسلام بارزاني (1909-1914) وحتى قرار الاستفتاء في 25 أيلول 2017، حيث جربت كل الأنظمة التي حكمت هذه البلاد مختلف الأفعال السيئة في التحايل والتسويف والكذب والمراوغة وصناعة الخيانة وأفواجها أو أحزابها الكارتونية، وأنواع الحروب البرية والجوية والكيماوية ولم تحقق إلا المزيد من الخراب والدمار والدماء للعراق. واليوم وبعد أكثر من خمسة عشر عاماً على إسقاط دكتاتورية البعث وصدام حسين، وبعد سنة من اجتياح كركوك وسنجار وخانقين، فإن عمليات التغيير الديموغرافي جارية بشكل بشع مضافاً إليه التغيير المذهبي في كركوك والموصل، والتطهير العرقي والمذهبي في طوزخورماتو، وفي سنجار عادت عملية صناعة "الأفواج الخفيفة" سيئة الصيت بمسميات مختلفة ومبدأ واحد، ناهيك عن محاولات إعادة تدوير صناعة قوميات وأحزاب كارتونية، وكذا الحال في سهل نينوى وخانقين ومخمور وزمار. هذا يعني إن الفعل الذي أنتج الثورات وبعدها الاستفتاء ما يزال قائماً، مما يطلب من الحكومة الجديدة ورئيسها الذي يتمتع بمقبولية من لدن زعماء كردستان، أن تعي خطورة ما يحدث وأن تدرك جيداً العلاقة بين الفعل ورد الفعل، وتعرف حقيقة شعب لا يرتضي إلا أن يعيش حراً أبياً إما في دولة اتحادية تعددية ديمقراطية بشراكة حقيقية أو في دولة حرة مستقلة آجلا أم عاجلاً.
مشاركة :