موسكو – تسعى روسيا لزيادة سيطرتها على محتويات شبكة الانترنيت عبر إعلانها، الثلاثاء، انطلاق مشروع لبناء "شبكة إنترنت ذات سيادة" زعمت أنها قادرة على العمل بشكل مستقل في حالة انقطاع البلاد عن الخوادم العالمية الرئيسية. وأيّد النواب مقترح قانون بهذا السياق قدم إلى البرلمان في ديسمبر الماضي، في تحرك يشير منتقدوه إلى أنه يشكل خطوة باتجاه تشديد الرقابة وربما عزل الشبكة على غرار الوضع في الصين. وصوت 334 من أعضاء مجلس النواب (الدوما) لصالح مشروع القانون في القراءة الأولى، بينما عارضه 47. وذكر العديد من النواب المنتمين للأحزاب التي تشكل أقلية في المجلس أن كلفة المشروع مرتفعة كثيرا. ويصر واضعو مشروع القانون أن على روسيا أن تضمن أمن شبكاتها بعدما كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب استراتيجية بلاده الجديدة المتعلقة بمجال الأمن المعلوماتي العام الماضي. ويأتي مشروع القانون في أعقاب ما وصفه مسؤولون أميركيون بأنها موجة من الهجمات عبر الانترنت شنتها كل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية والصين، محذرين من أنه سيتم الرد من الآن فصاعدا على أي تدخلات معادية هجوميا ودفاعيا. وتؤكد الجهات التي تقف وراء مشروع القانون أن الهدف هو ايجاد "آلية دفاعية لضمان استقرار مهام شبكات الانترنت في روسيا على المدى الطويل" في حال اتخذت الولايات المتحدة أي تحرك إلكتروني لتهديدها. ويقترح القانون إنشاء مركز "لضمان توجيه حركة الانترنت وضبطها" ويُلزم مزودي خدمات الانترنت فرض "إجراءات تقنية للصمود أمام التهديدات المحدقة". ويقتضي كذلك إجراء "تمارين" دورية لاختبار قدرة الإنترنت في روسيا على العمل بشكل منعزل. ولا يستبعد مراقبون أن يكون الهدف من هذه الخطوة هو ممارسة المزيد من التضييق على حرية الإنترنت في روسيا، من خلال إنشاء نظام لتصفية البيانات يشبه "الجدار الناري العظيم" الذي تعتمده الصين. وخلال جلسة البرلمان، لم يتمكن واضعو القانون من تقدير تكلفة ذلك على المدى البعيد أو تحديد التهديدات التي سيتمكن من صدها أو حتى كيفية عمله. لكنهم أكدوا أنه من الممكن إضافة آراء الخبراء في مشروع القانون لجلسة مناقشته الثانية. ورفض أحد واضعي مشروع القانون جميع الانتقادات مشيرا إلى حجم التهديد المحتمل من واشنطن. وقال أندريه لوغوفوي، وهو أحد المشتبه بهم الرئيسيين في عملية قتل معارض الكرملين ألكسندر ليتفينينكو في بريطانيا عام 2006، "هذه ليست حضانة!" مشيرا إلى أن الولايات المتحدة أغلقت "جميع المواقع الإلكترونية في سوريا" في الماضي. ويشير معارضو مشروع القانون إلى أنه يعكس جهود السلطات المتواصلة للحد من الحريّات عبر الانترنت رغم الكلفة العالية لذلك. وقال أندريه سولداتوف الذي شارك في تأليف كتاب عن تاريخ مراقبة الإنترنت في روسيا إن "هذا أمر خطير للغاية. إنه تحرك نحو عزل روسيا بشكل كامل (…) عن الإنترنت".وفي أحدث تقرير للمجموعة الدولية "أغورا" حول حرية الإنترنت تم رصد زيادة في عدد حالات التضييق على الإنترنت المسجلة في روسيا عام 2018 حيث تجاوزت خمسة أضعاف العدد المسجل في عام 2017. وأشار التقرير إلى أكثر من 662 ألف حالة تضييق على حرية الإنترنت في 2018، مقابل حوالي 115 ألف حالة في العام الذي سبقه. وأوضح التقرير أن الأغلبية الساحقة من حالات التضييق كانت تتعلق بحجب المواقع والخدمات والمعلومات لدوافع مختلفة. وفي السنوات الأخيرة، قامت السلطات الروسية بتضييق الخناق على الإنترنت وعرقلة المحتوى والمواقع المرتبطة بالمعارضة، وكذلك الخدمات التي رفضت التعاون معها مثل منصة الفيديو ديلي موشن، ومواقع مثل لينكدن وتلغرام. من جهته، يقول ارتيوم كوزوليوك مدير "روكومسفوبودا" المنظمة غير الحكومية للدفاع عن حرية الإنترنت إن "هذا القانون ينطوي على مخاطر جسيمة للمجتمع المدني" في روسيا، مشيرا إلى أنه "يتطلب أموالا ضخمة". ويواجه المشروع معارضة ديوان المحاسبة نظرا لكلفته التي تقدر بأكثر من 20 مليار روبل (270 مليون يورو)، فضلا عن المخاوف بسبب الصلاحيات الواسعة التي سيتم منحها إلى وكالة "روسكوندزور". وسيكون لدى هذه الوكالة امكانية للتدخل مباشرة في إدارة الشبكة في حالة أي تهديد ومنع المحتوى المحظور مباشرة في روسيا، وهي مهمة تقع حاليًا على المشغلين أنفسهم بدرجات متفاوتة من النجاح. ومن المتوقع "تقليل" الإرسال إلى الخارج لبيانات يتم تبادلها على الإنترنت بين المستخدمين الروس من خلال مرورها بشكل أساسي عن طريق خوادم في سجل خاص تحددها الوكالة. وتحاول روسيا منذ عدة سنوات تعزيز سيطرتها على الإنترنت، إحدى المساحات الأخيرة من الحرية النسبية في البلاد. ومطلوب من شركات الانترنت الروسية والأجنبية تخزين بيانات مستخدميها في روسيا. يذكر أن حلف شمال الأطلسي طالب في أكتوبر من العام الماضي، روسيا بالكف عن سلوكها "المتهور" في قضية الهجمات الإلكترونية، بعد أن أعلنت هولندا أنها أحبطت هجوما الكترونيا روسياً كان يستهدف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
مشاركة :