عجيب غريب أمر هذا العالم الذي نعيش فيه فعلا إنه عالم متناقض يعج بالأحداث الغريبة التي تجعلك في حيرة من أمرك وتفقدك البوصلة لتقف حائرا أمام التطورات التي تحدث في العديد من المناطق ومن ذلك أحداث فنزويلا التي تعيش منذ فترة صراعا محتدما على السلطة خصوصا في الأيام القليلة الماضية بعد أن أعلن رئيس البرلمان خوان غوايدو نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد. أحداث هذا البلد الذي يقع في قارة أمريكا اللاتينية التي تعتبر من البلدان الغنية يتمتع فيها السكان بمستوى معقول من المعيشة وذلك بفضل الثروة النفطية الكبيرة التي تتمتع بها حيث بلغ مستوى الإنتاج في مرحلة ما 4 ملايين برميل يوميا وهي كمية كبيرة فضلا عن خيراتها الطبيعية وثرواتها الزراعية وضعت أكثر من علامة استفهام على سبب تردي الأوضاع المعيشية فيه. كان النظام فيها مستقرا والحياة طبيعية ومستوى المعيشة متطورا إلى أن وصل الرئيس اليساري السابق تشافيز إلى السلطة فتغير كل شيء بما فيها الأوضاع المعيشية حيث تراجع مستوى المعيشة في البلاد إلى مستويات متدنية جدا، أما على المستوى الخارجي فقد دخلت البلاد في صراع مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع دول الجوار وخصوصا مع كولومبيا المجاورة بسبب مساعدة فنزويلا لحركة الفارك اليسارية وفتح حدودها لتهريب المخدرات. الأوضاع السيئة المعيشية تحديدا دفعت ثلاثة ملايين فنزويلي من أصل ثلاثين مليونا هم عدد السكان إلى الهجرة إلى الخارج وهو ما يعادل 10% من عدد السكان وهي نسبة كبيرة بحثا عن عمل لتوفير حياة كريمة لهم ولأسرهم بعد أن تراجعت مستويات المعيشة وتراجعت الخدمات التي تقدم للمواطنين واختفت المواد الغذائية من المتاجر وأصبحت البلاد خالية من كل شيء إلا النفط الذي يباع بأسعار زهيدة جدا وهو أرخص سعر في العالم لدرجة أن البعض سافر إلى دول أفقر من بلدهم مثل كولومبيا لعلهم يحصلون على وظيفة تساعدهم على الحياة. ولإخراج البلاد من الحالة التي وصلت إليها لجأ رئيس البرلمان خوان غوايدو باعتباره رئيسا للسلطة التشريعية البرلمان في البلاد إلى عزل الرئيس نيكولاس مادورو وتنصيب نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد إلى حين إجراء انتخابات جديدة حرة ونزيهة لانتخاب رئيس جديد للبلاد وهي الخطوة التي رفضها مادورو، ما أدى إلى دخول البلاد في صراع على السلطة بين رئيس البلاد الذي يدعمه الجيش ورئيس البرلمان الذي يتمتع بدعم الخارج وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية التي اعترفت به رئيسا مؤقتا للبلاد وتبعها العديد من الدول مع إصرار الرئيس على البقاء في السلطة بصفته رئيسا شرعيا منتخبا من الشعب. صحيح أن الخطوة التي اتخذها رئيس البرلمان موضع جدل ولكن يجب أن تتبع هذه الخطوة خطوات أخرى تمهد لانتخابات جديدة لانتخاب رئيس جديد للبلاد وعليه فإننا نعتقد أن الطريق الوحيد للخروج بالبلاد من هذه الأزمة هو الحوار السياسي الداخلي من دون تدخل الخارج لأن الخارج لا يبحث إلا عن مصالحه وأن تدخل الخارج يعني تدويل القضية وعند تدويلها يصبح الحل السياسي بعيد المنال هذا ما عرفناه من التجارب السابقة ولذلك فإن فنزويلا على مفترق طرق إما الحوار السياسي الداخلي للوصول إلى صيغة مشتركة ترضي جميع الأطراف آخذة في الاعتبار مصلحة الوطن العليا، وإما اللجوء إلى الخارج في انتظار الحل الموعود وبقاء الوضع على ما هو عليه بين رئيس منتخب يرفض التنازل عن السلطة ورئيس برلمان نصب نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد لا يتمتع بأي سلطات فيكون الخاسر الأكبر هي فنزويلا وشعبها الذي يعاني أوضاعا اقتصادية واجتماعية وحتى سياسية صعبة للغاية تنذر بحرب أهلية لا أحد يتنبأ بنتائجها.
مشاركة :