بندر بن سلطان: السعودية حذّرت الأسد من انفلات الوضع وأرسلت له 2...

  • 2/14/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في الحلقة السابقة، وترتيبها الثاني ضمن خمس حلقات حاورت فيها «اندبندنت عربية» رئيس الاستخبارات السعودية والأمين العام لمجلس الأمن الوطني وسفيرها الأشهر لدى واشنطن الأمير بندر بن سلطان، توقف الحديث عند الدولة العربية التي اقترح الروس على السعوديين أن تستضيف بشار الأسد وكانت الجزائر، والنقاط الأربع التي عرضتها موسكو على الرياض في ما يتعلق برئيس النظام السوري. في الحلقة الحالية، يتحدث الأمير بندر، عن تراخي الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في ما يتعلق بمنع تجاوزات الأسد تجاه شعبه واستخدامه الكيماوي لقصف المدنيين، وقصة زيارة رئيس وزراء بريطانيا السابق ديفيد كاميرون لمزرعة الأمير خارج لندن ويطلب منه أن تتدخل السعودية لإقناع أوباما بالتحرك، لأن هناك معلومات بأنه لن يفعل شيئاً تجاه تجاوزات الأسد. وقبل أن يتحدث عن تراخي أوباما، كشف الأمير بندر تفاصيل لأول مرة حول ما دار بين الأسد ورياض حجاب رئيس الوزراء السوري المستقيل، والمنشق عن النظام السوري، والأجواء العامة للثورة ورد فعل حكومة الأسد. 200 مليون دولار من الملك عبدالله لبشار ويقول الأمير بندر: «بداية الأحداث في سورية كما تعرف في درعا، حيث قام بعض الأطفال في سن 12 - 13 عاما بكتابة بعض العبارات ضد الدولة على بعض الجدران، فقامت الأجهزة الأمنية باعتقالهم وتعذيبهم وقلع أظافرهم وأدى التعذيب لوفاة أحدهم واستدعي أهالي الأطفال.. وقيل لأحد الآباء: إذا مَنت قادر تربي أولادك احنا نجيب من أمهم أولاد ونربيهم». ويوضح الأمير بندر: «أرسل الملك عبدالله لبشار مندوباً برسالة مفادها بان عليه أخذ إجراءات سياسية عاجلة لتهدئة الأمور قبل أن تفرط، فوعده بشار بذلك. ولكن للأسف استمر في سياسته القمعية. أرسل الملك عبدالله مندوباً للمرة الثانية يحذر بشار من استمرار تدهور الوضع، فكان رده أنه يعي ما يحصل وسيقوم باتخاذ إجراءات سياسية إصلاحية عاجلة، ولكن هذا يتطلب إصلاحات اقتصادية ورفع مرتبات الجيش. فأرسل له الملك عبدالله 200 مليون دولار كمساعدة عاجلة لتهدئة الوضع والتعامل مع الأمور سياسياً واقتصادياً، ولكن بشار وبذكائه العجيب والذي يعتقد أنه يستطيع أن يخدع به كل الناس بما في ذلك شعبه، أخذ الأموال من دون فعل شيء، بل زاد في القمع والتنكيل بالشعب. ثم انشق رياض حجاب رئيس الوزراء الأسبق، وسمعنا منه العجائب عما كان يحصل داخل النظام... ومن ذلك أن أول لقاء له مع بشار بعد توليه رئاسة الوزراء حاول شرح الوضع الداخلي لبشار في دير الزور خصوصا أن حجاب من دير الزور، واتصل به العديد من أهالي الدير يبلغونه بما يحصل فيها من قتل وتنكيل، فكان رد فعل بشار أنه لا عليك، أعرف بالوضع وهو تحت السيطرة... ولا تشغل نفسك بهالحكي بس فيه هناك عقد التلفونات بدو تجديد وهذا بدك تعطيه لرامي مخلوف، وفيه أرض للدولة لماهر الأسد بدك تشتروها منه. وهذا ما جعل حجاب يخرج من الاجتماع بقناعة أن الدنيا وما يحدث في وادٍ وبشار الأسد في وادٍ آخر.ثم بدأ بشار بضرب المدن بالصواريخ والبراميل المتفجرة، وهنا اقتنع الملك عبدالله بانه لا يمكن التعاون مع هذا الشخص. بل وأنا أتعجب اليوم وللأسف لا يوجد بيت أو حي أو قرية أو مدينة إلا وقد سحل فيها الناس وقتلوا ودمروا».تراخي أوباما وتدخل الروس الحقيقيكشف الأمير بندر عن معلومات خلاصتها أن التدخل الروسي والإيراني في سورية بوتيرة متسارعة، جاء بعد ضمانة أن واشنطن لن تتحرك. وفي الوقت الذي كانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تتفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووي، كانت الخطوط الحمراء التي رسمها البيت الأبيض أكثر من مرة لبشار مجرد فرقعات إعلامية. يقول بندر: «السبب في تدهور الأوضاع في سورية، وتدخل الروس وغيرهم هو أوباما. كان الروس يتوقعون جدية من أوباما، وأن الأميركيين ومعهم البريطانيون والألمان والفرنسيون، والدول العربية الرئيسية كمصر والسعودية والإمارات والأردن، وتركيا كدولة إقليمية سيوقفون تجاوزات الأسد، ولم يكن الروس يريدون اتخاذ موقف يخالف هؤلاء جميعا، لكن الروس حين شعروا أن لا جدية من أوباما، تحركوا».كاميرون وزيارة مزرعة بندرلكن موقفاً حدث بالصدفة جعل الرياض تتيقن أن أوباما يراوغ، وأن الخطوط الحمراء مجرد استهلاك إعلامي، وأن الأسد سيواصل قصف المدنيين بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية. لدى الأمير بندر مزرعة خارج لندن، وكانت عائلته فيها. يقول: مر ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني السابق بها وطلب أحد أبنائي، خرج له وتفاجأ بوجود كاميرون وذهبا إلى كوخ صغير في بحيرة أمام البيت، وكان من دون أمن وحراسة، وصافحه ابني. طلب كاميرون من ابني السير على الأقدام لمسافة، ثم قال له: هل هناك وسيلة للاتصال بالوالد؟ قال، نعم لماذا؟ قال أريدك أن تخبره أن أوباما ليس جاداً في سورية، ولن يقوم بشيء، وأننا قد حاولنا مع الفرنسيين بجهود كبيرة، وأوباما يرفض الاستماع إلينا. وأكمل كاميرون متحدثاً إلى ابني: لو بالإمكان أن تبذل السعودية مجهوداً قد يكون هناك تحرك. قال له ابني: سعادة رئيس الوزراء، والدي لا يدخلنا في العمل، وأنا لا أعدك بإيصال شيء لأننا لا نتدخل. أخبرني ابني بما حدث وقلت له أفضل ما فعلت أنك قلت إنك لن تخبرني وأنكم لا تتدخلون في عملي. وفوراً أخبرت الملك عبدالله، الذي علّق: هذا غير ممكن! قلت له هذا كلام ابني الآن.أوباما والوعود الوهمية طلب الملك الراحل عبدالله من الديوان الملكي اطلاع الأمير بندر على تفريغ المكالمة مع أوباما، وفيها طلب الرئيس السابق مهلة يومين لاتخاذ الموقف بشأن قصف المدنيين بالكيماوي وتجاوزات بشار تجاه شعبه. وكانت من بين 4 مكالمات مليئة بالوعود. وأصبح أوباما - حسب بندر - مثل بشار من ناحية عدم المصداقية والوفاء بالوعود. بل إن المسؤولين في حكومته أصبحوا يطلبون الوساطة السعودية للتحرك لوقف الجرائم بحق المدنيين السوريين على يد نظام دمشق.يستذكر الأمير بندر موقفاً مع وزير الخارجية في عهد أوباما، جون كيري: قال كيري لي إنه سيستقيل إذا لم ينفذ أوباما وعده في ما يتعلق بالخطوط الحمراء، ولكنه لم يفعل رغم عدم تنفيذ أوباما لوعده. وقد سخر منه الأمير سعود الفيصل خلال مكالمة هاتفية وقال له: تكلمني الآن كمواطن أو وزير خارجية؟ في إشارة إلى أنه من المفترض أن يكون قد استقال بسبب عدم إيفاء أوباما بوعده. ويذكر الأمير بندر لأول مرة، تفاصيل تعطيل أوباما لأي تحرك ضد الأسد: التقيت برئيس الاستخبارات الأميركي السابق ديفيد بتريوس، في أحد الاجتماعات في الأردن، وقال لي إن مجلس الأمن الوطني موافق على وضع حد لتجاوزات بشار الأسد واستخدامه الكيماوي، وكلما جئنا بأمر تحرك ليوقعه أوباما قام بتأجيله وتجاهله. كل ما سبق، حسب الأمير بندر، لم يدفع الروس فحسب على التدخل في سورية، بل الإيرانيين كذلك. وأصيب حلفاء واشنطن بصدمة وذهول، حين اكتشفوا لاحقاً أن مكاسب إيران في سورية كانت بسبب مفاوضات أوباما مع طهران على النووي. ويواصل: «كان أوباما قلقاً من انسحاب الإيرانيين من المفاوضات النووية، والعجيب مثلاً، أن فرنسا وبريطانيا أرسلتا طائرات عسكرية إلى قبرص لضرب أهداف الكيماوي السوري وغيرها في تحرك عسكري شامل مع الولايات المتحدة، وهذا دليل جدية. الأميركيون قالوا إنهم سيساهمون بالمعلومات الاستخبارية والدعم واستهداف أماكن الكيماوي، وتخيل أنه في هذه اللحظة روسيا لم تكن تتدخل بعد». الملك عبدالله تفاجأ برد فعل أوباما، ومراوغته، ولم يستسغ ذلك. ويقول الأمير بندر إنه في آخر مكالمة بين أوباما وبين الملك الراحل، وكان فيها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند وكاميرون، ومدتها تزيد على 40 دقيقة، ومما قاله الملك عبدالله لأوباما في مكالمة هاتفية: لا أصدق نفسي أنني يوما ما سأعيش ورئيس للولايات المتحدة الأميركية يكذب عليّ... وكان أوباما يحاول الدفاع عن موقفه.مراوغات أوباماهولاند أخبر الملك عبدالله عن المكالمة الأخيرة، قائلاً عندما أبلغوني في الأليزيه بأن أوباما يريد التكلم معي، توقعت أنه يريد التدخل فعلاً في سورية، فاستدعيت مسؤولي الأمن الوطني بما في ذلك رؤساء القطاعات العسكرية للاستماع إلى المكالمة، ومن ثم ينفذ كلٌّ ما عليه، توقعت رداً حاسماً من أوباما وموقفاً تجاه استخدام الأسد للكيماوي. وكانت صدمة هولاند أن أوباما قال له: يجب أن أعود للكونغرس للحصول على الموافقة وهذه خطوة قد تأخذ وقتاً. هولاند رد: كم تتوقع أن يستغرق كل هذا؟ قال أوباما، 6 أشهر وبعدها أغلق هولاند الخط وانتهت المكالمة.بداية فقدان الثقة بين الرياض وواشنطن والذي تسببت به ضبابية أوباما تجاه إيران والأسد، جعلت المسؤولين السعوديين يشككون في كل تحرك من الإدارة الأميركية. ويقول الأمير بندر: «كنت في جدة عندما تلقيت اتصالاً من كيري وقال: من الضروري أن تتصل بالملك عبدالله، وتطلب منه مشاهدة قناة سي إن إن بعد قليل، لأن الرئيس أوباما سيدلي ببيان. في هذا الوقت كنت أعرف أن شيئاً لن يحدث، لأنني سمعت الكلام من رئيس الاستخبارات الأميركية ومن كاميرون ومن الجميع بأن أوباما لن يتدخل. قلت لكيري: الملك لديه شاشات الأخبار، ويشاهد القنوات الإخبارية. ولو قال الرئيس أوباما أي شيء يهم السعودية والمنطقة، ستنقله قناة العربية والقنوات الإخبارية الأخرى، وأود أن أذكرك أنني رئيس الاستخبارات وأمين عام مجلس الأمن الوطني، ولست وزير الخارجية، نظيرك هو سعود الفيصل تستطيع الاتصال به. قال: «ظننتك تستطيع الاتصال بالملك أسرع. قلت له: هذا غير صحيح. وبعد 5 دقائق اتصل بي الأمير سعود الفيصل وقال لي: هل اتصل بك جون؟ قلت نعم. سألني عن رأيي وقلت له لا دخل لي بالموضوع طلبت منه الاتصال بك. قال لي سعود: هل تتوقع أن الرئيس جاد وسيعلن شيئاً؟ قلت لا. وسألني سعود الفيصل: هل أبلغ الملك؟ قلت له لو كنت مكانك سأصبر قليلاً، إن كان الخبر جيداً فالملك سيشاهده وإن كان سيئاً فلم تسع وتوصل رسالة سيئة. رد عليّ سعود الفيصل وقال لكن هذه رسالة من رئيس الولايات المتحدة كيف لا أوصلها؟ قلت له من قال لك لا توصلها؟ أنت طلبت رأيي وأخبرتك به». حدس الأمير بندر وتوقعه، والمعلومات التي كانت لديه عن موقف وجدية أوباما، أنقذته ومعه سعود الفيصل من موقف محرج مع الملك عبدالله. ويقول:«وبعد ذلك بقليل خرج الرئيس أوباما على سي إن إن ولم يعلن شيئاً وقال إنه سيعود للكونغرس للموافقة، واتصل بي الأمير سعود الفيصل يشكر الله أنه استشارني. وبعدها مباشرة اتصل الديوان الملكي يطلبني للقاء الملك، وكذلك الأمير سعود الفيصل».4 مكالمات عن الأزمة السورية!4 مكالمات عن الأزمة السورية بين الملك عبدالله وأوباما، يسردها الأمير بندر كالتالي: «المواقف السابقة والمكالمات كانت: المرة الأولى عبر كيري لتأكيد الموقف الثابت من سورية. والمرة الثانية عبر وزير الدفاع تشاك هيغل، والمرة الثالثة عبر بتريوس، ولم يحدث أي شيء. والمكالمة الأخيرة والرابعة هي التي قال فيها الملك عبدالله لأوباما إنني لم أتوقع أن أعيش لأرى اليوم الذي يكذب فيها على رئيس الولايات المتحدة. وكان الملك مذهولاً من خداع أوباما، وكانت مكالمة من أوباما تسبق دائماً هذه المواقف ليؤكد موقف واشنطن الثابت من الأزمة السورية، وتحجيم النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط». ينفي الأمير بندر أنه كان يتجاهل الالتقاء بأوباما، ويقول ان الظروف هي من تسبب بذلك، ويرى أنه ليس نادماً على أنه لم يلتق به.السودان والطائراتبعد حديثه عن أوباما، وقبل أن ينهيه، قال الأمير بندر إن أوباما أعاد المنطقة 20 عاماً للوراء، وإنه ترك رئاسة الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط في أسوأ حالاتها. ثم يسرد عمله مع رؤساء الولايات المتحدة.وعن بداية علاقته بالرئيس الاسابق جيمي كارتر قبل أن يصبح سفيراً، يقول بندر: «اتصل الرئيس كارتر بالكلية العسكرية حين بدأت الدراسة، وتفاجأ قائدها بالرئيس الأميركي يتصل ويطلب أحد الطلاب، وهو أنا. كلّمته هاتفياً وقال: بندر، كلمني من هاتف مؤمّن. قلت له: فخامة الرئيس أنا طالب عسكري في الكلية ولا أملك هاتفاً مؤمناً. قال صلني بالجنرال، وتم تأمين هاتف لي. قال كارتر لي: أنا في ورطة! وقتها كان جعفر النميري هو رئيس السودان، قلت ما هي؟ تم الاتفاق بين كارتر والملك فهد - أميراً في ذلك الوقت - والرئيس السوداني على شراء طائرات اف - 5 للسودان، على أن تدفع السعودية قيمتها. الملك فهد كان أميراً وولياً للعهد، وأخذ موافقة الملك خالد، ولم يكن الأمير فهد وقتها مرتاحاً للصفقة، وقال بما أن الملك وافق أبلغوا الإخوة في السودان، وأبلغوا الأميركيين أن السودانيين سيأخذون طائراتهم، ونحن ندفع لهم ثمنها». ويكمل بندر: «جاء الرئيس السوداني (جعفر) النميري إلى السعودية والتقى بالملك خالد، واشتكى له من أن الأميركيين يعتقدون بأنكم لا تثقون بنا، لو تعطونا المال ونحن ندفع. رد عليه الملك: هل تريد الطائرات أم ثمنها؟ فكان رد النميري بأن المسألة متعلّقة بالكرامة أمام الناس. وفعلاً، أرسلت السعودية 500 مليون دولار للنميري، ووصلت الطائرات إلى السودان من دون سداد قيمتها... وعندما سأل الجانب الأميركي عن ثمن الصفقة ولمَ لم يتم سدادها؟ طالبهم السودانيون بالتوجه إلى السعودية لأخذ المال، وقالوا إن السودان لا يملك المال». وهذه هي القصة، حين تواصلت بالرئيس كارتر من هاتف مؤمن، قال إنه يجب عليه تقديم وثيقة البيع للكونغرس، ولا يمكن فعل ذلك من دون وصول مبلغ الصفقة وأن الجانب السوداني لم يدفع شيئاً رغم وصول الطائرات للأراضي السودانية. أبلغت كارتر أنني سأذهب للسعودية فوراً وأخبر الملك فهد - ولي العهد آنذاك - وفعلاً ذهبت وأخبرت الملك فهد بالقصة، ونظر إلي وقال بالعامية: كنت متوقع. اتصل الملك فهد بوزير المالية وقتها محمد أبا الخيل ووجهه بسداد قيمة الصفقة. بعد هذه القصة أصبح هناك تقدير لي ومكانة عند الرئيس كارتر». ونفس الشيء  حدث مع الفرنسيين، بشأن منظومة دفاع جوي يمنية تكفلنا بها وأعطينا المبلغ للرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح ولم يقم بالسداد، وسددنا نحن ذلك. الصراع الفلسطيني - الإسرائيليزار الأمير فهد الولايات المتحدة كولي للعهد في عهد كارتر، واستقبله الأميركيون استقبال رئيس دولة واستضيف في بلير هاوس قرب البيت الأبيض، وبعد العشاء الرسمي، قال كارتر: سمو الأمير نريد أن نجلس على انفراد. وويقول بندر: «وهما في الشرفة قال كارتر أريد أن أحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وأريدهم أن يتحدثوا مع بعضهم البعض، وأعتقد أننا قادرون على فعل شيء. أنا أريد أن يعترف الفلسطينيون بالقرارين الأمميين 242 و338، ومقابل ذلك، سأعترف بمنظمة التحرير الفلسطيني كممثل وحيد للشعب الفلسطيني ونفتح مكتباً لهم في واشنطن». دخل السرور قلب الملك فهد، وطلب من الرئيس إعادة ما قاله. وأخذ ورقة لتدوين جميع النقاط. ثم سأله: هل أنت متأكد فخامة الرئيس؟ نحن نريد ذلك منذ سنوات ولم يحدث. رد كارتر بـ «أعدك». هذا مقابل اعتراف الفلسطينيين ومنظمة التحرير بالقراريين 242 و338، وفي هذه الحالة يمكن بدء المفاوضات.يقول بندر إن الملك فهد غيّر برنامجه، لأهمية حل القضية الفلسطينية بالنسبة له، فبعد أن كانت وجهته بعد واشنطن إلى ماربيا لقضاء إجازته، عاد إلى السعودية وكان الملك خالد وقتها في الطائف، وطلب من سعود الفيصل الاتصال بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ودعوته إلى الطائف. يعود بندر فجأة لسرد رد فعل المسؤولين في حكومة كارتر بعدما غادر الملك فهد بالورقة: «بعد ما غادر الأمير فهد إلى السعودية، كنا أنا ورئيس الاستخبارات ووزير الدفاع، ننتظر رد الرئيس كارتر، وحين أخبرنا، أمسكنا برؤوسنا، كيف كان كارتر يغير سياسة أميركا كاملة... يقول المسؤولون الأميركيون: نحن نرفض الاعتراف بالفلسطينيين حتى اعترافهم بإسرائيل، وأنت الآن تقول لهم فقط اعترفوا بالقرارين ونحن نعترف بممثل رسمي لكم؟ قال كارتر لهم، الفكرة طرأت على بالي الآن ووعدت بها الأمير فهد ولن أخلف وعدي».جاء أبو عمار إلى الطائف، وقرأ عليه الأمير فهد ما حدث بينه وبين كارتر، وقفز من الفرحة وقبّل الأمير، وقال: أنت حررت فلسطين وأنت حررت القدس. شكره الملك فهد وقال، ما رأيك؟ إن كنت ترى أن فيه مصلحة للفلسطينيين أخبرني حتى نخبرهم، وإذا لا أيضاً أخبرني. قال كيف يا سمو الأمير؟ على العكس. ثم طلب الأمير فهد من عرفات كتابة قبوله بهذا الشيء والتوقيع عليه، ثم سأل عرفات لمن أوجهه؟ قال الملك فهد لمن تريد، وألف مبروك. وأنا مستعد أن أعود إلى أميركا بنفسي من أجل الموضوع، وإن لم أتمكن سأرسل الأمير سعود. وقال عرفات: لكن عندي طلب بسيط يا أمير فهد، قال أريد إمهالي يومين. قال الملك فهد يومين؟ أنت وافقت. وردّ عرفات: أريد أن أذهب إلى الكويت لمدة يومين حتى أخبر مجلس قيادة الثورة الفلسطينية ثم أعود. وقال الملك فهد: اتفقنا. يقول الأمير بندر: «وطلب عرفات طائرة، وأعطوه طائرة، وذهب للكويت، يوم يومين ثلاثة. كان السفير الأميركي في السعودية يدعى جون سي. ويست، واتصل بالديوان الملكي وقال: الرئيس كارتر يسأل هل عندكم جواب أم لا؟ فطلبناهم الانتظار. مرت 9 أيام، ليأتي بعدها مندوب فلسطيني من الكويت، بخطاب من أبو عمار، موجه لكارتر وموقّع، ويقول الخطاب إنه بناء على اتفاقك مع فهد بن عبدالعزيز، فنحن موافقون حسب الشروط التالية ووضع 10 شروط، الاتحاد السوفياتي نفسه لا يستطيع فرضها على أميركا، وكان كارتر يقول اعترفوا ودعونا نبدأ». حسب بندر بن سلطان، فإن تلك اللحظات عصيبة على الملك فهد، ينتظر الجواب، فيأتي التعقيد من الجانب الفلسطيني، ولا يود توضيح ذلك للجانب الأميركي. يقول: «قرأ الملك فهد خطاب عرفات الجديد، وطلب من السفير الأميركي أن يأتي إلى الطائف وحين وصل أبلغه الأمير فهد نقل تحياته للرئيس كارتر وقال له إن السعودية درست العرض المقدم، ووجدت أنه لا يفي بحق الفلسطينيين وبالتالي قررنا أننا لا نعطيهم القرار - كل هذا لكي لا يلقى اللوم على الفلسطينيين - يقول زبيغنيو بريجنسكي، مستشار للأمن القومي لدى كارتر، حين جاء الخبر احتفلنا برفض الفلسطينيين لهذا القرار، ومع هذا جاءت اتفاقية كامب ديفيد وأصر الرئيس المصري أنور السادات وأيده كارتر على ملحق الحكم الذاتي في غزة والضفة، والذي قال لي أبو عمار شخصياً إنه أفضل بعشر مرات من اتفاقية أوسلو، قلت له لماذا إذاً لم توافق عليه إذا؟ فأجابني: حافظ الأسد قال لو وافقت طخيتك بطراق! كيف تعمل سلام قبل أن تعمل سورية اتفاق». يقول الأمير بندر فجأة : «قضيت 23 عاماً في واشنطن، وعلى الأقل 60 في المئة من عملي كان بخصوص القضية الفلسطينية، من حصار طرابلس (شمال لبنان) كنت عبر الهاتف مع أبو عمار يتكلم عبر الراديو من قبرص ويحولونه لي وعبر الهاتف الثاني مع الملك فهد وجورج شولتز أحد وزراء الخارجية الأميركية في عهد الرئيس رونالد ريغان، ومن كان يحاصرهم؟ السوريون في طرابلس؟ واللبنانيون في بيروت. وكان هناك قرار بألا يكمل الإسرائيليون الحسم داخل بيروت، وكان الجنرال ألكسندر هيغ وزيراً للخارجية، وقال لي الملك فهد: تبلغ ريغان وهيغ أن الفلسطينيين مستعدون للانسحاب من لبنان، والشرط الإسرائيلي بأن يترك الفلسطينيون كل الأسلحة مرفوض، كل سلاح لا يمكنهم حمله في السفن سيعطونه لحلفائهم، وهذا ما حدث فعلاً، أما السلاح الخفيف الذي معهم فيبقى معهم، ونريد حماية أميركية من الأسطول السادس ترافق السفينتين الفلسطينيتين اللتين ستغادران من بيروت إلى الإسكندرية حتى لا يتعرض لها أحد». استغلت المملكة «قضية الكونترا»، وطلبت من ريغان الاعتراف بمنظمة التحرير وتم ذلك ورقص عرفات عين عرف، وقال: «تحررت فلسطين... تحررت فلسطين».ويضيف بندر مسهباً عن حصار بيروت وطرابلس: «اتصل بي الملك فهد غاضباً كيف يضرب الإسرائيليون المخيمات الفلسطينية وجنوب لبنان، وطلب مني فوراً الذهاب لريغان، وأخبرته أن ريغان ينام مبكراً فقال اذهب والتق بشولتز. ونقلت كلام الملك فهد حرفياً - وكان معي ريتشارد ميرفي كان سفيرهم عندنا - ونقلت رغبة الملك بإبلاغ الرئيس وإدانة ما حدث. شولتز وجهه خالٍ من التعابير، لا تعرف إن كان يضحك أو لا أو إن كان مستغرباً. وقال لا داعي لإخبار الرئيس، ننزل معاً وأنا أدين ضرب إسرائيل للفلسطينيين وأنت تدين ضرب السوريين للفلسطينيين بطرابلس. فقلت له، لا، العرب في ما بينهم أمر مختلف. وقفت مندهشاً باحثاً عن مخرج: القضية نفسها والمبدأ واحد، تعرض الفلسطينيون للهجوم، كيف تدين هذه ولا تدين تلك»؟طلب ريغان من الملك فهد خدمة طارئة، استغلتها السعودية أيضاً لخدمة القضية الفلسطينية والاعتراف بمنظمة التحرير. كان ريغان يريد تمويل «الكونترا» في مواجهة الشيوعية ووقف تمددها في نيكاراغوا وكوبا، لكن الكونغرس تغير والديموقراطيون أصبحوا يسيطرون، ويحتاج حتى يحصل على الموافقة للتمويل أكثر من 6 أشهر.كان الطلب هو أن ريغان يحاول إقناع الكونغرس، لكن حتى ذلك الوقت يحتاجون دعم السعودية للتمويل حتى تأتي الموافقة، طار الأمير بندر إلى الملك فهد وأخبره بذلك، وكان الأمير قد سأل ماكفارلن كم يحتاجون، فقال له مليونا دولار في الشهر. وصل الأمير بندر إلى المملكة وأخبر الملك فهد، واستغرب الملك من المبلغ وضآلته، وقال إن هذا مبلغ بإمكان أي رجل أعمال أميركي دفعه أو شخص يتبرع لهم به، لكنها فرصة يا بندر... ويقول الأمير إن الملك قال له: كم تبقى في السنة؟ قلت له 6 أشهر... مليونان كل شهر حتى نهاية العام، وطلب من وزير المالية وقتها تحويل المبلغ لحسابي في واشنطن مباشرة وقلت له: لا جلالة الملك، هم سيعطوننا حسابا ونحول المبلغ إليه. يضيف الأمير: عدت إلى واشنطن واتصلت بماكفالرن وقلت له إن الملك وافق وسيتبرع بقيمة السنة وليس شهرين. بعد يومين طلبني ريغان، وقال لي - كان معه بوش الأب وكان وقتها نائب رئيس وشولتز- تذكر الكرسيين اللذين جلسنا عليهما في لوس انجليس حين أتيت تطلبني أن أصوت لكم في صفقة الطائرات وكنت أنا ضد كارتر؟ قلت له نعم أتذكر الكرسيين اللذين جلست عليهما معك في منزلك. قال هما في الدور العلوي للبيت الأبيض، دعنا نراهما. استغرب بوش وشولتز، وحين صعدنا، قال هذان هما الكرسيان. ثم التفت وقال أود أن أقول شكرا، وتعرف ما أقصد. قلت له لا داعي للشكر، أعرف ماذا تقصد ولهذا يوجد الأصدقاء.ويكمل الأمير عن تفاصيل توجيه الملك فهد لفتح موضوع القضية الفلسطينية مع ريغان: «وجهني الملك فهد ببحث موضوع القضية الفلسطينية عاجلاً مع الرئيس، والتقيت به بحضور وزير الخارجية شولتز ووزير الدفاع واين بيرقر ونائب مساعد الرئيس للأمن الوطني ماكفارلن ومساعدي في السفارة رحاب مسعود. أخبرت ريغان برسالة الملك فهد وأنه لا بد للإدارة الأميركية أن تتعامل بجدية مع القضية الفلسطينية، وأن تبدأ حواراً مباشراً مع القيادة الممثلة في السيد عرفات وأن يتم تحريك عملية السلام وفق المرجعيات الدولية 242 و 338 وغيرها، فرد ريغان أنه لا يرى مانعاً في ذلك».يصف الأمير المشهد في المكتب البيضاوي: انتفض شولتز ووقف من كرسيه وقال أرجوك يا فخامة الرئيس إن هذا تغير كامل في سياستنا في الشرق الأوسط، فرد عليه ريغان اجلس يا شولتز. طلبت من ريغان إعطائي تلك الموافقة خطياً للملك فهد فرفع شولتز يده مرة أخرى معترضاً قائلاً إننا تلقينا رسالة شفوية فنرد شفوياً. همس ماكفارلن في أذن رحاب مسعود - إذا كنتم تعرفون الوصول إلى مكتبي اذهبوا إليه - أجابه رحاب بـ نعم نعرف كيف نصل من المكتب البيضاوي إلى هناك، وسأله رحاب لماذا، قال ستعرفون قريباً. تم إنهاء الاجتماع وذهبنا نحن الاثنان إلى مكتب ماكفارلن وشاهدنا من النافذة مغادرة وزيري الخارجية والدفاع. بعدها جاء روبرت ماكفارلن وقال ريغان يريد اللقاء.كان ريغان ممتناً جداً لوقوف الملك فهد والسعودية معه في موضوع الكونترا، ويريد فعل أي شيء. ويضيف: ذهبنا إلى الرئيس وقال: وقف معي الملك فهد حين احتجته، والآن أقف معكم، اكتب يا بندر الخطاب الذي تود مني توقيعه للملك فهد. وكتبت بخط يدي خطابا من الرئيس إلى الملك فهد فيه اعتراف واشنطن بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيدا عن الفلسطينيين وأن تبدأ حواراً مباشرا في تونس - هذا تغير جذري في سياسة واشنطن حيث كانت تعتبر منظمة التحرير منظمة إرهابية لا تتحاور معها - وفي الخطاب، تقبل الإدارة الأميركية بكل مرجعيات الحل ومنها 242 و 338 بل وحتى قرار عودة اللاجئين 191، ثالثا الموافقة على وفد فلسطيني - أردني مشترك من المنظمة والحكومة الأردنية لإعادة المباحثات في مؤتمر جنيف لعملية السلام. وأخذ السيد ماكفارلن الخطاب ووقعه من ريغان.بندر وعرفات يكمل الأمير بندر السرد، ويقول: اتصلت بالملك فهد، فوجهني أن أذهب مباشرة إلى تونس واطلاع عرفات على ما توصلنا إليه مع الرئيس ريغان وعندما «شاف» أبو عمار قام يرقص وقال تحررت فلسطين... تحررت فلسطين، مضيفاً أنه يود أن يذهب للملك فهد مباشرة وأن يشكره. وأخبرته أن الملك فهد يرغب في أن يتوجه مباشرة إلى الأردن كي يتم تشكيل الوفد المشترك والشروع في بدء التحرك وأن يحرص على المصالح المشتركة للأردن والفلسطينيين. ورد أبو عمار أنه سيأخذ الفرصة، لكن لا يوجد لديه طائرة. ذهبت إلى تونس بطائرة خاصة صغيرة سعودية، قلت له طائرتي تحت أمرك خذها إلى الأردن وأنا أتصرف. فرد أنه يحتاج أخذ موافقة ودعم الفصائل الأخرى بعضها في سورية وبعضها في عدن. أخذ أبو عمار الطائرة وذهب إلى عدن واستمر في تنقله بالطائرة لأكثر من شهر، عدن وبغداد ودمشق وغيره ولم نره بعدها».وكعادة الأمير مجدداً في الاستطراد، يسرد قصة حدثت أثناء توقيع بداية معاهدة السلام. في بداية عهد بيل كلينتون وبعد أن انتقل إلى موقف سبتمبر والأمم المتحدة، يعود إلى أواسط التسعينات، ويقول: «حدث التوقيع في البيت الأبيض، بين رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين ووزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريس وأبو عمار، وكل السفراء كانوا مدعوين لحضور حفل بداية معاهدة السلام، وكان قد وضع مسرح في البيت الأبيض. وخرجوا إليه بالترتيب، بيريس، رابين، كلينتون ثم أبو عمار، أو أبو عمار، بيريس، رابين وكلينتون. والمدعوون يجلسون على شكل حرف U باللغة الأجنبية. وعندما تمت كل الأمور واقترب الاحتفال بتوقيع بداية عملية السلام، عدت إلى جدة. كان الأمير بندر يتوقع أنه يستطيع الغياب عن التوقيع، لكن كلينتون كان يحتاج وجوده.قبلات وقلقويكمل بندر بان كلينتون كان الرئيس الأميركي الوحيد من الذين عمل معهم، لا ينام مبكرا، وكان يجتمع بمجموعة صغيرة كلما كان هناك متسع من الوقت. ويقول: «أنا من هذه المجموعة إما يلعبون الورق أو يشاهدون فيلماً أو يدخنون السيجار. وما إن وصلت المنزل متأخراً في واشنطن حتى قالوا: البيت الأبيض يطلبك. فأعدت الاتصال بهم، واتصلت بالرئيس بيل كلنتون، وقال: بندر أتينا بك، عندي طلبان». انتاب الأمير قلق من طلبات كلينتون، وأن يكون هناك خلاف قد شب بين المتفقين قبل انطلاق مباحثات السلام... «قال لي كلينتون ان الطلبين شخصيان: الأول بأن لا يقبّلني أبو عمار اذا جاء، فإذا رآني الناس أقبل بطريقة أبو عمار سأخسر الانتخابات. قلت له لا أستطيع إخباره لأنه لا علاقات مباشرة معه. قال أرجوك. والطلب الثاني هو أنني اخترت آية من الإنجيل وآية من التوراة عن السلام، وأحتاج آية من القرآن، هل عندك آية من القرآن عن السلام حتى أضيفها إلى الخطاب وتكون جميع الديانات السماوية مذكورة؟ قلت للرئيس كلينتون: أنا لست رجل دين، أنا تابع للدين وأقوم بواجباتي الدينية لكن لدي مسؤولون أسألهم. قال أرجوك اطبعها لي باللغة الإنكليزية، اتصلت برئيس قسم الشؤون الإسلامية في السفارة بماجد الغشيان واقترح الآية «وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) قلت له اطبعها وترجموها».ويقول: «اتصلت بالفلسطينيين وقلت أريد أن ألتقي بأبو عمار، ورحبوا. وحين وصلت، أخذت حقي من قبلات أبو عمار. ودخلنا وإذا بالمجلس يعج بالناس. قلت له أولاً نهنئكم في ما توصلتم إليه، ودعواتنا لكم بالتوفيق، وأريدك في كلمة على انفراد، وقلت له: قال الملك إنك تعرف شعورنا تجاه موقفك من صدام، ولكن من أجل عين تكرم مدينة، من أجل فلسطين نحن مستعدون لعمل أي شيء، لقد كنت في المملكة وأعادوني لأكون معكم، والملك له طلب، يجب أن تعرف أن هذه لحظة تاريخية وسيتم تسجيلها على التلفزيونات والجميع سيشاهدها، والعرب والمسلمون، ويقول لك الملك «خلك ثقيل سلم يدك ممدودة على رابين وبيريز، قال عرفات أكيد، قلت له وعلى كلينتون كذلك، قال لا لا كلينتون لازم أبوسه وأشكره». قلت له: إن قبلته لن تأتي المملكة، قلت له سنشرح لهم، وأقنعته فعلاً، ووعدني بألا يفعل ذلك».لكن على الطرف الآخر كان كلينتون ينتظر ليعرف هل وافق عرفات على السلام من دون تقبيل؟ يقول: «وصلت البيت وإذا بالبيت الأبيض اتصل 3 مرات، كلمني كلينتون وقال هل وافق على عدم التقبيل؟ قلت نعم، وأقترح عليك بأن تبادر بحضنه إذا اقترب منك حتى تفوت عليه فرصة التقبيل. لكن عندي طلبات يا فخامة الرئيس تتعلق بالبروتوكول. قال لي اتصل باولبرايت وأخبرها ما تريد، قلت لا أريدك أن توافق ثم أتصل بها أنا. فسألني عن طلباتي، قلت له أولاً إذا صعدتم المسرح أنتم الأربعة يكون من أقصى اليمين بيريز تدريجياً ثم أبو عمار. كنت أفكر إذا نزلوا يكون أبو عمار الأول، ثم أسلم عليه أولاً وبعدها كلينتون ثم هؤلاء».مصافحة رابينوكان كلينتون ينتظر الطلب الآخر، لكن له مغزى حسب سفير السعودية السابق في واشنطن، وهو ألا يأخذ السفير وحده ملامة مصافحة الإسرائيليين وحده دون السفراء العرب. يشرح الأمير كيف حل هذا الإشكال، ويقول:«قلت لكلينتون إن الأمر الآخر بروتوكولي، قال تفضل. قلت أريد السفراء العرب بجانبي لا بحسب الأقدمية، وسأختار بعض السفراء ليجلسوا إلى جانبي، منهم السفير السوري، كي نكون كلنا «في الهوا سوا»، وفعلاً حدث ذلك». ويكمل:«وحين انتهت فعاليات السلام. وحين جاءت المصافحة، صافحت أبو عمار، ثم كلينتون. فجأة رابين أمامي، لم يمد يده، ويطالعني وأنا أطالعه. جاء كلينتون وشعر أن أمراً ما يحدث، فوضع يده على كتف رابين ثم حاول وضع يده على كتفي، فتراجعت كي لا يستطيع التقريب بيننا، عرفني كلينتون، وقال رابين هذا الأمير بندر قال أعرف يا فخامة الرئيس، سمعنا عنه كثيرا في اف - 15 والأواكس، حين مد يده مددت يدي وصافحت».الليلة التي قبلها، كانت معركة دعوات وحضور بين الأمير بندر وبعض السفراء العرب. يقول إن سفير سورية وقتها - وزير خارجيتها الآن - وليد المعلم كان يخطط ألا يأتي، ويحكي للأمير القصة:«الليلة التي قبلها أكدت على المعلم الحضور، ولكنه قال إنه سيخرج من واشنطن، فقلت له كيف وأنتم جلستم معهم في كامب ديفيد، وأصررت عليه بالحضور وقلت له سأتصل بفاروق الشرع - كان وقتها وزير خارجية - أو عبدالحليم خدام نائب الرئيس. قال ولو اتصلوا بي لن أحضر، فهمت قصدي؟ قلت فهمت قصدك. واتصلت بحافظ الأسد وأخبرته. قال حافظ أخبر وليد أنت. قلت له يا فخامة الرئيس، أنت تخبره. قال لا مانع، بعدها اتصل وليد المعلم وقال لي: أمروني بالحضور معك. وحين جاء وقت المصافحة ووصل دور وليد المعلم، وصافح رابين، أخذ المعلم جدول الحفل وغطى وجهه حتى لا يظهر في التلفزيون وهذه اللقطة موجودة». موافقة باول ويقفز الأمير مجدداً من العام 1994 إلى أواخر 1999 ويقول: «أعود لموضوع ياسر عبدربه وطلب الفلسطينيين أن يستقبلهم وزير خارجية بوش الجديد، اتصلت بكولن باول، وأعرفه من عام 1978 كان مقدما وكنت رائدا، وكان مرافقاً لوزير الدفاع الأميركي وأعرفه عبر ريغان وبوش الأب، وبوش الابن. قلت له كولن أنت أحدثت مشكلة، قال لي بندر أنا أصبت بالصداع. اللوبي الإسرائيلي ضغط وضغطوا على الرئيس وطلبني لألتقي بهم، والآن تريد أن تضغط علي؟ قلت له فضلاً افعل ذلك. قال كولن باول «اوكي»، في الوقت الفلاني الساعة الفلانية. وضع في بالك ما حدث، فسرها أو أرادوا تفسيرها أن الإدارة الأميركية الجديدة ورئيسها من (آل بوش) لم تلتق بنا إلا حين طلبهم السعوديون ذلك، وفي العقل المؤامراتي لدى بعض المسؤولين الفلسطينيين تفسير آخر، وهو كيف أوقّع مع شخص سيغادر بعد شهر والأفضل أن نوقع مع بوش، ولو تعود للتصريحات يقولون إنهم هم من رفضوا عرض كلينتون لأنه مجحف وخلاف ذلك».يكمل الأمير سرد القصة: «حين جئنا إلى الأمم المتحدة غضب عليّ الملك عبدالله، وقال: كيف تقول لي بأن الاتفاق جيد وفجأة يقول لي الفلسطينيون ان شيئاً لم يحدث؟ قل لسعود الفيصل أن يأتي، وجلسنا أنا وسعود الفيصل وأولبرايت والمستشار دينيس روس. وقبل أن تسهب أولبرايت في الترحيب قاطعها الملك عبدالله وقال: هل تريدون السلام فعلاً ودعم لعملية السلام أم لا؟ ذهلت اولبرايت وكذلك دينيس. قالت له يبدو أن هناك سوء فهم، قال: هل صحيح أنكم لم تعرضوا عليهم اتفاقا أو توقيعا؟ قالت أولبرايت غير صحيح جلالة الملك، فرد الملك: أبو عمار أخبرني، قالت مادلين: إنه يكذب. التفت الملك إلينا وقال معقولة؟ قال سعود الفيصل ليست هذه المرة الأولى التي يكذب فيها». خرائط المباحثاتبعد الشد في الحديث والحدة بين الملك عبدالله ومادلين أولبرايت، ومحاولة الأخيرة إثبات أن ذلك ليس صحيحاً اقترحت هي دعوة الملك عبدالله إلى فندق وولدورف استوريا الشهير في نيويورك، وقالت: أعرض عليك الخرائط والاتفاق الجديد. ويقول بندر على لسان أولبرايت: «وأشترط ألا يحضر إلا بندر لأنه قد اطلع عليها عندنا، ولن يحضر معي إلا دينيس روس، وحتى المترجم الرسمي لن يحضر. وافق الملك بعد تفكير، وكانت كل الصالات في الفندق محجوزة، وكنا في أكبر صالة في الفندق وفيها طاولة للعب البلياردو وطاولة طعام. قالت أولبرايت للملك، هل تريد أن نبدأ بتناول الطعام، فرفض الملك وقال إن لا شهية له قبل معرفة التفاصيل. وعرضت أولبرايت الخرائط التي كان فيها أن يعود للفلسطينيين 98 في المئة من الضفة الغربية، ويكون عند حدود الضفة مع الأردن 6 أو 7 مراكز مراقبة، يتواجد فيها ضباط إسرائيليون - فلسطينيون - أميركيون وأردنيون، وتحت علم الأمم المتحدة لمدة 10 سنوات ثم ينتهي مفعولها وتفاصيل أخرى، وقالت أولبرايت للملك «القدس. الاسرائليون يضيفون جنوب الضفة ما يعادل 2 في المئة بحيث تكون الضفة 100 في المئة». يقول بندر ان الملك عبدالله قاطع أولبرايت وقال لها: «بس لحظة، القدس حتى لو وافق ابو عمار حنا ما نوافق». طلبت أولبرايت إكمال الشرح، وأوضحت أنا التفاصيل، وفجأة التفت إلي الملك وقال: «متأكد من ترجمتك؟ وبابتسامة علق مستشار الحكومة الأميركية والمترجم الرسمي للبيت الأبيض الأخ جمال هلال بصحة الترجمة».جس نبض بوش الابن كان لدى السعوديين قلق ألا يحسم الفلسطينيون المفاوضات في عهد كلينتون، لأن الوقت بدأ يداهم الجميع. يقول الأمير عن تلك اللحظات: «عندما كنا في فنزويلا، طرأت الفكرة على الملك، بأن أتصل ببوش الابن وأجس نبضه، وكان هذا في نوفمبر 2000، كي لا يلغي الاتفاق، ويقول أنه تم عن طريق كلينتون ولا دخل له به. قلت له فخامة الرئيس، فقال ليس بعد، أنا منتخب ولم أباشر المهام، قلت له هل البيت الأبيض يضعك في صورة ما يحدث؟ مجلس الأمن الوطني يعطي صورة من الملخص الذي يقدم للرئيس يومياً، ومستشارة الأمن القومي تذهب للرئيس المنتخب وتعرضه عليه بحيث يتم إيضاح نقاط التعارض في المواقف إن وجدت؟ - قال نعم يعطونني ملخصاً، فسألته هل أعطوك ملخصاً عن موضوع الاتفاقية التي يعملون عليها بين فلسطين وإسرائيل؟ قال اسمع جيداً، أولاً لا يوجد شيء أتفق فيه مع كلينتون إطلاقاً. ثانياً، كان من المفترض أن يعاد انتخاب والدي لا كلينتون. ثالثا لدينا رئيس واحد في كل وقت، والآن هو رئيسي، ولا يوجد لدي سياسات أقوم بها وأحددها، لكن لدي نصيحة، قل للذين أوصوك بالاتصال بي بأنك أخذت التزاماً بشيئين لو أصبحت رئيساً، الأول أنا لست بيل كلينتون وأكره المكالمات الهاتفية، وكامب ديفيد ليس منتجعاً للاجتماعات، بل للراحة. وكان إيحاء منه إلى كلينتون، المعروف عنه أنه يطيل الكلام عبر الهاتف. قلت له والنقطة الثانية؟ قال إذا وقّع الفلسطينيون هذا الاتفاق ووقعه رئيس أميركا سأباركه. وإذا أصبحت رئيساً ولم تكن الاتفاقية قد وقّعت بعد، سأبدأ من الصفر».الفرصة الضائعةبعد الرحلة الرسمية إلى فنزويلا وعودة ولي العهد آنذك عبدالله بن عبدالعزيز إلى السعودية، واقتراب كلينتون من مغادرة البيت الأبيض، اتصل الأمير عبدالله على بندر وسأله: «هل أنت في الجبل؟»... كناية عن مزرعته في أسبن... اذهب إلى واشنطن، أبو عمار يقول إن هناك إشكاليات. عدت إلى واشنطن وطلبت من السفير المصري، نبيل فهمي أن يزورني في البيت، وذهبنا معاً إلى أبو عمار في فندق ريتز كارلتون، وقال لنا، خلصنا واتفقنا. قلنا له مبروك، فقال: هناك نقطة بسيطة غير مهمة بالنسبة للأمن، وسيأتي جورج تينيت هنا ويصبح النص العربي والإنكليزي متطابقين». يقول الأمير، إنه حين عرفات يقول هذا الكلام شعر أن الأمور تسير عكس ما يقول ويضيف: «أول ما قال عرفات هكذا نظرت إلى نبيل فهمي، وقلت له ألف مبروك أبو عمار إذا سأتصل بالملك وأخبره. قال عرفات: لدي طلب قبل ذلك. أود لو يتصل الملك بالرئيس المصري حسني مبارك والعاهل المغربي الملك الحسن، والعاهل الأردني الملك حسين ويقنعهم بأن يجتمعوا معا وأذهب إليهم إما في الرباط أو القاهرة أو الرياض، وبهذا يعطونني غطاءً عربياً. قلت له ياسر بعد التوقيع؟ قال نعم». يكمل: «بعد عشر دقائق يأتي جورج تينيت ونعدل ما يحتاج تعديل. ثم أخبرته أن الملك طلبني وأنني جئت من آسبن، استأذنت وقلت لهم ألف مبروك الاتفاق، إذا سأعود لآسبن لإكمال الإجازة مع العائلة. رفض أبو عمار وأصر عليّ أن أبقى. وقال لا أرجوك، قلت له نبيل فهمي يمثل مصر ومصر تمثلنا كلنا وهي قطب العالم العربي وأم الدنيا». وفي هذه الأثناء استأذن أحد رجال الأمن المرافقين مع الأمير بندر، ومعه ورقة، وإذ به استدعاء طارئ من البيت الأبيض. يسرد الأمير: «قلت عن إذنكم سأجري اتصالاً، قال عرفات استخدم تلفون الغرفة، قلت له لا شكراً هناك موضوع عائلي خاص والأمير سلطان طلبني. وقال أنا أيضاً أريد أن أكلم الأمير سلطان، واعتذرت منه وخرجت، كلمني مستشار كلينتون للأمن الوطني ساندي بيرغرز، قال، هل أنت معه؟ قلت له لا في الممر لكن تفضل؟ قال (وي أر رننغ اوت اوف تايم)، وترجمتها (الوقت يداهمنا)، إذا لم يأت خلال الساعة المقبلة، سيذهب كلينتون في إجازة حتى رأس السنة. قلت له بيرغر، أبو عمار يقول إنكم اتفقتم؟ قال إنه يكذب. وإذا بكلينتون يكلمني، وكان غاضباً، وقال بندر لا أستطيع فعل أي شيء أكثر. رميت بثقلي كاملاً لأجل الفلسطينيين، ايهود باراك خرج من الاتفاقية، وهددته بأنه لو فعل ذلك سنتخذ إجراءات، واتصلت ببوش وأيدني. قلت له فخامة الرئيس الفلسطيني يقول لي إنه وافق معك وأن تينيت سيأتي بعد قليل يوقع ثم يعود، قال لي كلينتون، تينيت ذهب لعرفات وعاد! ذهلت من المراوغة وعدم الشفافية وتساءلت كيف يكذب عرفات علي؟ لماذا لم يتفقوا»؟يقول بندر ان «أبو عمار فكر أنه إن كان الاتفاق ممتازاً، سينتظر 3 أسابيع، ويأتي بوش الابن، وعلاقته بالسعوديين جيدة، ويأخذ الفلسطينيون ما يريدون وأكثر من الاتفاق الحالي، ومن ضمنها القدس الغربية والشرقية». يكمل الأمير اللحظات الأخيرة لوأد عرفات للاتفاق: «دخلت على عرفات مرة أخرى، وقلت له: أبو عمار ألف مبروك على كل حال، والله يوفقكم ويوفق فلسطين، وإنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى. رد عليّ أبو عمار، إننا لا نستغني عن دعم السعودية، وقلت له كل الدعم لكم وأردت توديعه، ثم حدث ما يشبه مشادة الوداع، حتى ان الحرس المرافق لي ظنوا أن هناك عراكاً، وقلت لهم لا تقلقوا هذه الطريقة العربية في التوديع، وطلبت من مرافقي ضغط زر المصعد وقلت له في أمان الله، وألف مبروك ألم تقل لي إنكم وقعتم؟ فهمي موجود ويقوم بالواجب ويمثلنا جميعا. في السيارة كدت أن أبكي كمداً، التزام ومع التعديلات التي طلبوها، وتم الضغط من قبل الأميركيين على الإسرائيليين ألا ينسحبوا، وبوش قال سنبارك الاتفاق ونصر على تنفيذه، والجانب الفلسطيني يلعب ما يشبه اللعبة الشعبية»غميمة». اتصلت بالملك من السيارة، وأخبرته بما حدث. وقال اذهب إلى عائلتك وأكمل إجازتك. وانتهت الفرصة من دون توقيع».محتوى اتفاق السلام كان الاتفاق، حسب بندر، يحوي إقامة دولة فلسطينية مستقلة معترف بها. على حدود 67، وتعوض الدولة بحدود 3 في المئة التي بداخل الخط الأخضر، وكل الترتيبات الأمنية والمائية التي طالب بها الفلسطينيون. عودة أي لاجئ للدولة المستقلة، وعودة اللاجئين إلى داخل إسرائيل تحت مسمى «إعادة لم شمل العوائل» في حدود 50 ألف لاجئ كل عام لمدة 20 عاماً. وإقامة صندوق لدعم عودة اللاجئين تعهد كلينتون بمبلغ 20 مليار دولار لدعمه فوراً، مشيراً إلى أنه سيسعى تأمين مبلغ مماثل من الدول الأوروبية واليابان والدول الأخرى. وتكون القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة، وحددت الأحياء التي تعتبر من القدس الشرقية. المفاجأة اللاحقة التي اكتشفتها السعودية، هي أن ياسر عرفات كان على تواصل مباشر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون عبر ابنه عومير، وأن شارون وعدهم بعرض أفضل من حكومة ايهود باراك. ويقول الأمير: «انتهت الفرصة التاريخية، وذهب باراك وجاء شارون، وحدث ما حدث للفلسطينيين والمسجد الأقصى في عهد شارون من إجرام بحق الشعب الفلسطيني الشقيق وتدنيس للمسجد الأقصى والمقدسات، ولذا فأنا أقول إن عرفات ارتكب جريمة بحق الفلسطينيين والقضية الفلسطينية».

مشاركة :