تحل علينا ذكرى الرابع عشر من فبراير من كل عام وقد مضت ثمانية عشر عامًا منذ تدشين ميثاق العمل الوطني الذي حظي بموافقة وتأييد شعبي بنسبة بلغت 98.4% بتوافق جميع أطياف المجتمع البحريني. هذه الشرعة كانت بمثابة نقلة نوعية ومنعطف سياسي واقتصادي واجتماعي شهدته البحرين بعد تولي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى مقاليد الحكم في البلد فأحدث هذا التحول تغييرا في مسار الحكم بنهج إصلاحي استطاع أن يمضي بعجلة البناء والتنمية والمشاركة السياسية وحرية الرأي والكلمة إلى آفاق جديدة تغيرت معها ملامح الحياة في البحرين بجميع مجالاتها. في هذا المقام لعلي أتطرق إلى أحد المنجزات التي شهدناها في عهد ميثاق العمل الوطني على الرغم من كثرتها ولعل أهمها إعادة الحياة السياسية من خلال تفعيل دور المجلس النيابي وإطلاق حرية الرأي وفق ضوابط تحفظ الأمن وبما لا يخل بالسلم الأهلي، كذلك من أبرز المنجزات التي تم تحقيقها والتي أصبحت ظاهرة منتشرة بشكل يؤكد ارتفاع السقف في مناقشة القضايا السياسية وحرية إبداء الرأي هي المجالس البحرينية والتي تعتبر أحد أهم الموروثات الشعبية للمجتمع البحريني منذ قديم الزمان فكانت بمثابة ملتقى يجتمع فيه الناس يتبادلون أطراف الحديث والتواصل وتقوية أواصر المحبة والألفة فيما بينهم وهذه إحدى السمات الحميدة في مجتمعنا البحريني الذي ينحدر من مجتمع عربي يؤصل هذه العادات الحميدة ويحث عليها. قبل تدشين ميثاق العمل الوطني كان الحديث في الشأن السياسي في هذه المجالس فيه توجس وخوف من مخالفة القوانين وقد يصل إلى محاسبة كل من أدلى بدلوه في هذا الحديث أو مناقشة قضية سياسية أو طرح قضايا تؤول إلى التحريض. أما بعد توقيع شرعة ميثاق العمل الوطني انفتح المجال على مصراعيه للطرح والنقاش وتبادل الآراء ووجهات النظر وأصبح كل شخص له الحق في الإدلاء بدلوه في أي حديث كان بما لا يخل بالأمن أو يحث على كراهية النظام أو ازدراء الأديان والمذاهب. أما مناقشة القضايا الأخرى فالمجال مفتوح وفيه فسحة كبيرة جدًا وهذا بدوره زاد من أعداد المجالس البحرينية التي أضحت منتديات تطرح فيها جميع القضايا السياسية والمجتمعية والاقتصادية والثقافية بسقف مفتوح من دون مراقبة أو تضييق، وخلال ثمانية عشر عامًا رأينا مجالس لم تقفل أبوابها قط إلا في أضيق الحالات، مجالس يُطرح تحت سقفها قضايا وطنية احتوت كل أطياف المجتمع وأعراقه ومذاهبه، يجمعهم حب الوطن والسعي لمناقشة قضاياه وإيجاد الحلول المناسبة لها، فالمجالس منابر تسهم في دعم مسيرة الإصلاح المباركة التي انتهجها صاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه وأعاد خلالها الشراكة المجتمعية والعمل المؤسسي تشريعيا ورقابيا. ومن منجز إلى آخر وفي ظل قيادة واعية تمضي البحرين في مسيرة الخير والعطاء لتواكب العالم المتقدم رغم التحديات التي تشهدها المنطقة والتي ألقت بظلالها على البحرين كجزء لا يتجزأ من هذا العالم الذي يتأثر بالأزمات الاقتصادية والسياسية والكوارث التي باتت تعصف به، ولكن ومع ذلك تبقى سياسة البحرين حصيفة متزنة تمضي قدمًا في الارتقاء بكل المجالات وتحافظ على المكتسبات التي تم تحقيقها وتحافظ على قيمها العربية والإسلامية وتحظى بسمعة طيبة في جميع المحافل الدولية بل أصبحت تنافس وتحقق مراكز متقدمة في شتى المجالات وهذا بفضل ما تتمتع به البحرين من ركائز قوية في نظام الحكم الرشيد والذي أُسس لإقامة دولة مؤسساتية دستورية آمنة مستقرة، وفي هذه الذكرى الوطنية لا بد من استلهام العبر والدروس واستحضار دور الوحدة الوطنية والإجماع الشعبي التي مثلها التصويت على ميثاق العمل الوطني في تعظيم كل منجز تحقق على تراب هذه الأرض الطيبة.
مشاركة :