تحتضن مدينة سوتشي الروسية، الخميس، القمة الثلاثية الرابعة بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا لمزيد دفع المباحثات بشأن المستجدات والمتغيرات السياسية والعسكرية، التي تخص القضية السورية التي تختلف حول العديد من مشاكلها الأطراف الثلاثة، خاصة بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سحب قوات بلاده من سوريا بتعلّة انتهاء مهمة القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية. وستكون مسألة انسحاب القوات الأميركية من سوريا والوضع القائم في مدينة منبج بريف محافظة حلب، والعمليات التركية المرتقبة شرقي نهر الفرات، على أجندة الزعماء في قمة الخميس. ورغم أن النظام التركي يروّج بأن موسكو لا تعارض مبدئيا العمليات العسكرية المرتقبة في شمال شرق سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية أو في مناطق شرق نهر الفرات، فإن العديد من المراقبين يذهبون إلى عكس ذلك تماما بتأكيدهم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يحصل على أي تعهّد من نظيره الروسي بوتين أو على ضوء أخضر للإقدام على ذلك رغم تقارب المصالح بين الطرفين في سوريا. وسيكون على رأس مباحثات رؤساء الدول الثلاث، العنف المتصاعد في محافظة إدلب (شمال) وانسحاب القوات الأميركية من الأراضي السورية، فضلا عن مساعي تشكيل لجنة صياغة الدستور. ويرى مراقبون أن أردوغان عاد خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو عقب لقائه ببوتين بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها، مشيرين إلى أن موسكو تحسن توظيف ملف شمال شرق سوريا أكثر من أي وقت مضى وبأن الرئيس الروسي يواصل نهج سياسة إطماع أنقرة، غير أن قراراته لن يستفيد منها سوى النظام السوري ومن خلفه إيران. وتطالب موسكو بتسليم المناطق شرق نهر الفرات إلى النظام السوري، وتأمل في تحقيق ذلك خلال فترة قصيرة. غير أن تركيا تخشى التآلف بين النظام السوري وتنظيم “ي ب ك/ بي كا كا”، كما هو الحال في محافظة الحسكة شمال شرق البلاد. المحادثات ستركز على الوضع في إدلب وانسحاب القوات الأميركية من سوريا، فضلا عن مساعي تشكيل لجنة صياغة الدستور وبهدف الحيلولة دون ظهور تنظيم “ي ب ك/ بي كا كا” مجددا إلى جانب النظام السوري، تصر أنقرة على اتخاذ التدابير العسكرية في تلك المناطق. وسيعقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إطار القمة الثلاثية لقاءين منفصلين مع نظيريه التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني حسن روحاني. وسيجدد الرؤساء إصرارهم على مواصلة التعاون القائم بين أنقرة وموسكو وطهران، ضمن إطار مسار أستانة الرامي لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية. وكانت القمة الثلاثية الأولى قد عقدت في 22 نوفمبر 2017، في سوتشي أيضًا، فيما جرت القمة الثلاثية الثانية بالعاصمة التركية أنقرة في 4 أبريل 2018. وعُقدت القمة الأخيرة (الثالثة) بمشاركة زعماء الدول الثلاث في 7 سبتمبر 2018، بالعاصمة الإيرانية طهران. وركّزت القمة على مستجدات الأوضاع في “مناطق خفض التصعيد” بمحافظة إدلب. وعقب القمة، اجتمع أردوغان مع بوتين بمدينة سوتشي في 17 من الشهر ذاته، وتوصلا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإنشاء منطقة منزوعة من السلاح في إدلب بين قوات النظام وفصائل المعارضة المعتدلة. ووفقا لاتفاق سوتشي سحبت المعارضة أسلحتها الثقيلة من المناطق المحددة في الاتفاق، وساد الهدوء النسبي في المحافظة، وبدأ المهجّرون بالعودة إلى ديارهم. وتبدي روسيا رغبتها بخلق نوع من التعاون بين تركيا والنظام السوري، لاسيما أن بوتين ركّز خلال لقائه الأخير مع أردوغان في 23 يناير الماضي بموسكو، على ضرورة تفعيل “اتفاق أضنة” المبرم بين أنقرة ودمشق عام 1998. وأعرب حينها عن اعتقاده بأن تفعيل الاتفاق، سيساهم في إزالة المخاوف الأمنية لتركيا. Thumbnail وينص “اتفاق أضنة”، على تعاون سوريا التام مع تركيا في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، وإنهاء دمشق جميع أشكال دعمها لتنظيم “بي كا كا”، وإغلاق معسكراته في سوريا ولبنان، ومنع تسلل إرهابيي التنظيم إلى الداخل التركي. كما ينص على احتفاظ تركيا بممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس، والمطالبة بـ“تعويض عادل” عن خسائرها في الأرواح والممتلكات، إذا لم توقف سوريا دعمها لـ“بي كا كا” فورا. كما يعطي الاتفاق تركيا حق “ملاحقة الإرهابيين” حتى عمق 5 كيلومترات في الداخل السوري، واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا ما تعرض أمنها القومي للخطر. من الناحية السياسية، سيكون من أبرز القضايا المنتظر مناقشتها أيضًا في قمة سوتشي، مسألة تشكيل لجنة صياغة الدستور السوري. وتتمثل آخر المستجدات التي تم التوصل إليها في هذه المسألة في تقديم النظام والمعارضة لقائمتين تتضمن كل واحدة منها 50 شخصا. غير أن الخلاف الذي لم يتم حله يكمن في القائمة الثالثة المكوّنة من منظمات المجتمع المدني والهيئات الأخرى البالغ عددها 50 شخصا. وحتى اليوم لم تتمكن الجهات المعنية من الاتفاق على الأسماء التي ستدرج في القائمة، لاسيما أن النظام اقترح إدراج عدة أسماء إليها، وأدى ذلك إلى تعقيد تشكيلها. ويصر النظام السوري على إدراج أسماء مدراء حكوميين لبعض المؤسسات العامة، بدلا من ممثلي مؤسسات المجتمع المدني. في حين تطالب تركيا –باعتبارها الدولة الضامنة للمعارضة– أن تكون لجنة صياغة الدستور متكافئة ومكوّنة من شخصيات مرموقة.
مشاركة :