شهد الأدميرال كريغ فالر، قائد الأسطول البحري الجنوبي الأميركية، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ في 7 فبراير 2019 بأن إيران عمقت تغطيتها الإعلامية، باللغة الإسبانية، المعادية للولايات المتحدة. وصدّرت دعمها لدول في النصف الغربي للكرة الأرضية. وتأتي هذه الشهادة لتدعم ما صرح به وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بشأن “تأثير الإيرانيين على شعب فنزويلا وأميركا الجنوبية” وامتلاك “حزب الله لخلايا نشطة في المنطقة”. ورغم أن الكثير من المتابعين، مسؤولين ومحللين، يعارضون التوجه الأميركي في فنزويلا، إلا أنهم لم يتفاجأوا من حديث بومبيو بشأن وجود حزب الله في فنزويلا، فلا أحد ينكر أن أميركا اللاتينية تعد معقل حزب الله وفيها يجند الـ“توركوس” (مصطلح يطلق على المهاجرين العرب)، وتربطه علاقات وثيقة بكارتيلات التهريب خاصة في منطقة الحدود الثلاثية سيئة الصيت، حيث تتلاقى الأرجنتين وباراغواي والبرازيل. ويعود ملف حزب الله في أميركا اللاتينية، ليتصدر الواجهة على خلفية الأحداث السياسية الأخيرة في فنزويلا حيث تدعم الولايات المتحدة وكندا ودول من أميركا اللاتينية وأوروبا خوان غوايدو، رئيس البرلمان، زعيم المعارضة، على حساب الرئيس نيكولاس مادورو، وحيث تؤشر توجهات المعركة إلى أن لها بعض خيوط تربطها بما يجري في الشرق الأوسط، والخطة الأميركية لمواجهة إيران وأذرعها. علاقات وثيقة كولن كلارك: دعم ترامب لغوايدو جزء من مقايضة تحتم عليه معارضة تواجد حزب الله كولن كلارك: دعم ترامب لغوايدو جزء من مقايضة تحتم عليه معارضة تواجد حزب الله كانت لإيران علاقات وثيقة مع فنزويلا، خاصة في عهد الرئيس الراحل هوغو تشافيز، مكنت علاقات إيران من توسيع وجودها العسكري والمالي في المنطقة وأساسا من خلال وكيلها حزب الله. وتعززت الروابط الإيرانية الفنزويلية خاصة في عهد الرئيس الإيراني أحمدي نجاد (2005-2003). وتمكنت إيران من ترك بصمة صناعية عسكرية في فنزويلا. ووفقا لمارتن رودل، وهو خبير في السياسة الأميركية اللاتينية، وافقت فنزويلا على تزويد إيران “ببنية تحتية استخباراتية، من أسلحة ووثائق هوية وحسابات مصرفية وخطوط أنابيب لنقل العناصر والمعدات بين إيران وأميركا اللاتينية”. واستخدمت شركة الطيران الحكومية الفنزويلية كوفيسا وشركة الطيران الرسمية في إيران لنقل التكنولوجيا العسكرية والأفراد من إيران إلى فنزويلا. مع ذلك، تشير المراجعات إلى أن شبكة دعم حزب الله القوية في فنزويلا كانت موجودة منذ تسعينات القرن العشرين، وذلك وفقا لتقرير صدر في يوليو 2003 عن مارك ستاينتز، الذي كان مدير مكتب تحليل الإرهاب في مكتب الاستخبارات والأبحاث بوزارة الخارجية الأميركية. تعتبر جزيرة مارغاريتا، الواقعة قبالة ساحل فنزويلا الكاريبي، بمثابة مركز لتجارة المخدرات وملاذ لحزب الله، وهو ما يؤكده الباحثان كولن كلارك وباني واطسون، ضمن قراءتهما لدور حزب الله في فنزويلا، والخطة الأميركية لتقليص نفوذه، ومن ورائه إيران، في المنطقة اللاتينية. وكتب كلارك، في تحليل نشرته مؤسسة راند البحثية، أن الحكومة في ظل نظام الرئيس السابق هوغو تشافيز اتخذت نهجا أكثر نشاطا لتوفير هذا الملاذ لمؤيدي حزب الله الذي يملك تاريخا طويلا وعلاقات متينة في فنزويلا، واصفا جزيرة مارغريتا، التي تقع قبالة سواحل فنزويلا، بـ“البؤرة الإجرامية” وأقام أعضاء حزب الله ملاذا آمنا فيها. في ذات السياق، قالت واطسون، في تحليلها الذي نشر على موقع “راديو فردا” الذي يتخذ من براغ مقرا له وهو مشروع مشترك بين إذاعة صوت أميركا وإذاعة الحرية لإيران، إن جزيرة مارغريتا تستخدم من قبل المسلحين المرتبطين بإيران كقاعدة للعمليات. واستعادت واطسون ما ذكره مارك ستاينتز في تقريره، مشيرة إلى أن “الاهتمام قد تركز على وجود الشيعة اللبنانيين في المجتمع العربي في جزيرة مارغريتا”، إذ تأوي فنزويلا مجتمعات كبيرة من الشتات السوري واللبناني الذي يعتبر مصدرا قيّما لتقديم الدعم المادي والمعنوي لإيران وحزب الله. ويقول كلارك إن اعتماد حزب الله على المتعاطفين معه من المهاجرين اللبنانيين والعرب في فنزويلا وأميركا اللاتينية، أدى إلى التقليل من احتمال تعرض الجماعة للكشف. كما أنه وسط استشراء الفساد، لم يكن موظفو أمن الحدود ومنفذو القانون، مستعدين لرفض الرشاوى السخية المقدمة من أعضاء حزب الله الذي تمتد مخالبه إلى المناصب العليا لحكومة فنزويلا الحالية. وفنزويلا واحدة من دول أميركا اللاتينية التي تنتمي إلى التحالف البوليفاري لشعوب أميركا. والتمس هذا التحالف مساعدة إيران وحزب الله لتدريب جيشه في حرب غير متكافئة. وأصبحت فنزويلا مهتمة بالحرب في سنة 2006. وتشير واطسون إلى أن مشاركة فنزويلا سمحت لحزب الله بالتخطيط وجمع التبرعات والتدريب وتنسيق وتنفيذ العمليات التي يتمثل معظمها في جمع الأموال والمعلومات الاستخباراتية. المهاجرون اللبنانيون والعرب في فنزويلا وأميركا اللاتينية يعتبرون مصدرا قيما لتقديم الدعم المادي والمعنوي لإيران وحزب الله المهاجرون اللبنانيون والعرب في فنزويلا وأميركا اللاتينية يعتبرون مصدرا قيما لتقديم الدعم المادي والمعنوي لإيران وحزب الله وفقا للأدميرال كورت تيد، القائد السابق للقوات الجنوبية للولايات المتحدة، والذي أدلى بشهادته أمام الكونغرس في فبراير عام 2018، فإن “حزب الله اللبناني يحافظ على وجود لوجستي وعملي قائم في هذه المنطقة يمكن الاستفادة منه بسرعة دون سابق إنذار”. وأضاف تيد قائلا “لقد وفّرت فنزويلا منذ فترة طويلة بيئة متساهلة للمجموعات الإرهابية والمخدرات ومؤيدي حزب الله، وهي بلد عبور لتهريب المخدرات غير المشروعة والأجانب ذوي الاهتمامات الخاصة من دول ذات روابط إرهابية محتملة أو معروفة”. ويذكّر كلارك بما نشر منذ سنوات عن عصابة لتهريب الكوكايين نشطت طوال العقد الأول من القرن الماضي تحت قيادة مواطن لبناني مرتبط بحزب الله ويدعى شكري حرب. كان شكري مهرب مخدرات ومعروفا في مجال غسيل الأموال، وكان يلقب باسم “طالبان”. استخدم هذا العنصر بنما وفنزويلا كمحورين حيويين في عملية تهريب المخدرات من كولومبيا إلى الولايات المتحدة وغرب أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. وتم غسل عائدات عصابة تهريب الكوكايين إلى عملات كولومبية أو فنزويلية، حيث تراوحت نسبة أرباح حزب الله بين 8 و14 في المئة. يعتبر النظام الإيراني الولايات المتحدة العقبة الرئيسية أمام تحقيق استراتيجيته الكبرى لتصدير ثورته إلى الشرق الأوسط، وفق تقرير باني واطسون. ومن أجل مواجهة التفوق الأميركي في الحرب التقليدية، طورت طهران عددا من التكتيكات غير التقليدية. وتمثل أميركا اللاتينية نقطة ضعف أميركية، حيث يمكن أن تشن إيران ووكيلها حزب الله أنشطة منها ضد أهداف أميركية في أميركا اللاتينية والولايات المتحدة نفسها. باني واطسون: جزيرة مارغريتا تستخدم من قبل المسلحين المرتبطين بإيران كقاعدة للعمليات باني واطسون: جزيرة مارغريتا تستخدم من قبل المسلحين المرتبطين بإيران كقاعدة للعمليات وعلى مدى سنوات، خلق حزب الله تهديدا متناميا للولايات المتحدة عبر فنزويلا، لكن لم يسلط الضوء على هذه التهديدات، بل إن الإدارة الأميركية في عهد باراك أوباما غضت الطرف عن هذا التهديد من أجل تمرير الاتفاق النووي. لكن إدارة ترامب اختارت النهج المعاكس، وهي تنتهج اليوم سياسة أكثر حزما تجاه إيران. وتقول واطسون “خلال فترة رئاسة أوباما لم يذكر المسؤولون أنشطة إيران وحزب الله في أميركا اللاتينية كثيرا، وذلك بسبب الاهتمام بتأمين الاتفاق النووي الإيراني والحفاظ عليه. في النهاية يعترف المسؤولون الأميركيون بتهديد كانت إدارة أوباما قد تجاهلته في السابق”. وكان نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، دعا في مناسبات عديدة كبار القادة الإقليميين إلى “شن حملة منسقة ضد نشاطات حزب الله غير الشرعية في أميركا اللاتينية”، ومنذ العام الماضي أصبحت ملاحقة حزب الله في أميركا اللاتينية من ضمن أولويات وزارة العدل الأميركية. وتشمل سياسة الضغط القصوى لإدارة ترامب تجاه إيران مواجهة أنشطتها في فنزويلا. وفي سياق تحقيق ذلك تسعى واشنطن لتكرار النجاح الذي حققته في كولومبيا، وهو نتاج جهد لسنوات متعددة بلغت كلفته المليارات من الدولارات هدف إلى المشاركة في التعاون الأمني وبناء قوات إنفاذ القانون والقوات العسكرية الكولومبية. لكن، ثبت أن تكرار نجاح هذه الخطة، التي ساعدت القوات المسلحة الكولومبية على اكتساب أفضلية أمام القوات الثورية، بعيد المنال في سياقات أخرى، بما في ذلك المكسيك. حيث فشلت مبادرة ميريدا، وهي اتفاق تعاون أمني بين الولايات المتحدة والمكسيك، في مكافحة الاتجار غير القانوني بالمخدرات والشبكات الإجرامية المنظمة في البلد. خلال أول سنتين من توليه منصبه، أظهر الرئيس دونالد ترامب رغبته في تخليص الولايات المتحدة من التدخلات الخارجية المكلفة. يعتبر هذا أحد الأسباب التي تجعل خطة فنزويلا، التي تهدف إلى مساعدة هذا البلد في إعادة بناء مؤسسات حكومية مهمة، غير مجدية. لتحقيق النجاح، تتطلب مثل هذه الاستراتيجية التزاما متعدد السنوات للمدربين الأميركيين (من القوات والمتعاقدين، أو خليط من الاثنين) للعمل مع السلطات الفنزويلية لمواجهة التهديد الذي يشكله حزب الله، الذي يجمع بين الأنشطة الإرهابية والجنائية، على حد تعبير كولن كلارك. صفقة مع غوايدو Thumbnail اعترفت واشنطن بخوان غوايدو، رئيسا انتقاليا لفنزويلا، وتبعتها عشرات الدول الأخرى، بما في ذلك الدول ذات الثقل الأوروبي (فرنسا وألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة). وتخطط واشنطن إلى الاعتماد على غوايدو، بعد ترسيخ وجوده على رأس الحكومة في فنزويلا، في اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي أنشطة مرتبطة بإيران في جميع أنحاء المنطقة. ويقول كلارك إن دعم ترامب لحكومة غوايدو هو جزء من مقايضة تحتم على الحكومة التي سيقودها زعيم المعارضة الفنزويلي أن تكون أكثر نشاطا في معارضة تواجد حزب الله على الأراضي الفنزويلية، ليس صوريا فقط، بل عبر السعي بقوة أكبر إلى تقليص شبكته هناك، وبالتالي تقليص تأثير إيران، التي تعتبر فنزويلا نقطة دخولها إلى أميركا اللاتينية، وهي موطئ قدم لن يتنازل عنه الإيرانيون بسهولة. وإذا نجحت الخطوة الأميركية في الإطاحة بنظام نيكولاس مادورو، فمن المحتمل أن يكون لذلك تأثير سلبي على حزب الله في فنزويلا. لكن يوجد فرق كبير بين الإرادة والقدرة، على حد تعبير كلارك. ففي حين قد تظهر حكومة بقيادة غوايدو إرادة سياسية قوية في مواجهة حزب الله وإيران في البداية (على الأقل لتهدئة إدارة ترامب) تواجه فنزويلا كدولة تحديا هائلا في محاولة إعادة بناء مجتمعها الممزق، لن يكون حزب الله على قائمة أولويات غوايدو وإدارته مثلما تريد الولايات المتحدة. إلى جانب التحديات الداخلية، هناك تحديات خارجية أعمق وأكبر، تجعل فنزويلا جزءا من صراع أكبر، يذكر بما يجري في الشرق الأوسط، وتحديدا في سوريا، حيث تدعم روسيا إيران، باعتبار أنها حليفتها في الدفاع عن بشار الأسد، كما هو الأمر بالنسبة لحليفها نيكولاس مادورو. وتؤيد روسيا، وبلدان أخرى بينها تركيا والمكسيك وبوليفيا الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، الذي أدى في 10 يناير الماضي، اليمين الدستورية رئيسا لفترة جديدة من 6 سنوات. وكما هو الحال بالنسبة لإيران، تعتبر فنزويلا منطقة استراتيجية بالغة الأهمية لروسيا أيضا. ومن خلال دعم مادورو وإبقائه في السلطة تحتفظ موسكو بمصالحها الراسخة. وحذرت الولايات المتحدة مؤخرا من التدخل في فنزويلا عسكريا. علاوة على ذلك، يرى كلارك أنه بعد التعاون الوثيق في سوريا، أصبح حزب الله الآن كتلة معروفة لدى الكرملين، وأصبح منظمة يمكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يتحكم فيها ويضمن أنها لا تهدد مخططات روسيا لتوسيع نفوذها في نصف الكرة الغربي. لكن اللافت في التطورات السورية أن روسيا بصدد دفع إيران، وميليشياتها ومنها حزب الله، خارج سوريا نظرا لأنها تشكل عائقا أمام تمرير رؤيتها للحل في سوريا، فهل ستفعل بالمثل في فنزويلا لو اقتضت المصلحة ذلك؟
مشاركة :