إن الكشف عن دواعي الأسئلة، يتمثل في إيجاد استقرار السجال القائم بين ردهات الدهر، وتفسير معاني الأشياء حول الزمان والمكان، وتوطين غربة هذه الاسئلة، وتذليل الصعاب، وفتح بوابة الحوار، وإرساء قواعد ثابتة على تلال الحيرة، فقد قامت الفلسفة على السؤال، وتجاوزت الانخراط العبثي، بل أخذته إلى استخلاص الفائدة، واستنطاق المهارات، فالسؤال يعمل على تصعيد الرغبة للمعارف وتوثيقها وتطوير آلياتها وجمع مرادها في التحقق والبرهنة، إن أهمية الرغبة وجدوى السؤال تتساويان في المستوى، فإذا فُقدت الرغبة انهارت قوى السؤال، وقفلت النوافذ التي تسمح بتنظيم حركة الضوء إلى الداخل، وبما أن الحياة برمتها قائمة على التساؤل، فإنها تسعى لتحقيق اهدافها، وتخطط لمشروعها الفاعل، وتحلم بتنفيذه، وتعمل على توسيع تلك الدوائر المحيطة بكل مرحله زمنية، وإن كانت تلك المواقف يشوبها التردد في بعض الاحيان، إلا أن جوهر الإنسان متعلق في الاجابة، محايثا للتاريخ والاحداث، يتلقى مجمل الاسئلة بكل انواعها سواء كان السؤال استفساريا فلسفيا أو سؤالا علميا أو تقييميا أو سلطويا، بمعنى أن لكل سؤال أهليهة خاصة به تبعا لمعناه العام، فالإنسان غالبا ما يتشبث بالسؤال طمعا في وعي وإرادة وإدراك الإجابة، لكنه واضحا مع نفسه بخصوص "لماذا؟" حياته فإنه يتخلى طواعية عن "كيف؟" المتعلقة بها، فيأتي الدليل الذي يفسر ضعف الايمان ب"لماذا" بغاية الحياة ومعناها)، على حد قول "نيتشة". علما أن الكشف عن فحوى المقدرة والإرادة والوعي، تمكن اسئلة العقل من الاجابة، تحث قدراته على الممكن، بينما نقرأ هنا ما رواه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، إضاعة المال، وكثرة السؤال) رواه البخاري.. فذهب المفسرون إلى أن المقصود بكثرة السؤال هي، ( كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، والدخول في خصوصيات حياته التي يكره أن يطلع الناس عليها، فيقع في الضيق والحرج بسبب ذلك)... وقوله تعالى: (واسألوا الله من فضله) الآية.. وقال ابن عباس: (واسألوا الله من فضله)، أي: من رزقه، ثم قال سفيان بن عيينة: (لم يأمر سبحانه وتعالى بالمسألة إلا ليعطي). (إن الله كان بكل شيء عليما) وقوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع... ،الآية) لقد تعددت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تصدر السؤال فيها وتجلى، فكانت الرغبات ملحة وحثيثة تنتظر الإجابة، إلى أن (قال أبو هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال-: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: دعوت فلم يستجب لي)، رواه البخاري ومسلم. فمن استنتج هنا غياب العلاقة بين السؤال والإجابة، فقد شرع في المغالطة وابتعد عن الاستدلال الصائب، ولنفرض أن التطور العلمي أجاب على كل الأسئلة، واشبع العالم نقدا، واستطاع أن يستخدم كل الوسائل، لكي يعطي معنى لكل التأويلات، ويعبر عن دلالته ويبلغها للناس، وغض الطرف عن فحوى الاجابة والمعالجة، عمل على إصلاح خلل مسألة المعنى والجدوى. ولكن ترك الصورة القاتمة في حوزة المجتمعات المغلقة التي علقتها على لحظات الإشراق، فكانت إلى عهد قريب، تنتقد السؤال بحضرة الناس إلى أن تم تحطيمه، خضع للحط من قيمته، ونشأ جيل لا يجيد التساؤل أو الحوار ولا تحضره أيضا مفهوم ثقافة الإجابة، فنحن نعلم ان هذه التصورات لها أسباب انحرفت عن الأهداف، لابد من معالجتها والسير بها نحو أفق ممكن. (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
مشاركة :