باميلا كسرواني اجتمع فريق «جداريات» من باب الصدفة وبات اليوم يُضفي ناحية جمالية على مباني الكويت وجدرانها المُساء استخدامها، تماشيًا مع النهضة الحضارية التي تشهدها البلاد وترسيخ معنى فنون. ينكبّ فريق «جداريات» التطوعي حالياً على اتمام المشروع الـ 14 لهم والمخصص، هذه المرة، بتشجيع المبادرين وأصحاب المشاريع الصغيرة، لأن هذا الأمر أصبح حديث الساعة لوجود جهات عديدة داعمة؛ فكل مشروع يحمل بصمة وموضوعاً مختلفاً ويُنجز بأماكن متنوعة. والسبب؟ الجواب مع سليمان رضوان، هذا الشاب الكويتي الذي أسس الفريق والذي تفرّغ، منذ سنتين، للأعمال الحرة والسفر والتوسع بأعمال الفريق والفنون. ويقول «نستهدف الجدران المُساء استغلالها والمتهالكة الموجودة غالباً في الأماكن العامة لتحويلها إلى قطعة فنية تُسرّ المارة». وقد يتحول موقع الجدارية إلى أحد أسباب القصة من ورائها، أو قد تكون قصة اجتماعية أو تجسيد شخصية معينة بأسلوب غير مباشر يختارها الفريق بعد جلسة عصف ذهني. ويشرح رضوان «أغلب الجداريات لها أهداف وقصص لترسيخها بأسلوب مطوّر وغير مباشر». فريق «جداريات» انطلق بأعماله في يناير 2016 ويخبرنا رضوان أنه مؤلف من متطوعين ينقسمون إلى مجموعتين: عامة الناس الذين يشاركون في بعض المشاريع التي لا تدخل فيها أعمال فنية دقيقة وفنانين محترفين. إلا أن الجدير بالذكر هو قصة ولادة هذا الفريق. وهنا يطلعنا رضوان «لم يتم التخطيط لتأسيس الفريق بل كل شيء تمّ بمحض الصدفة بعد زيارتي إلى أحد المباني الحكومية لاجتماع عمل. فور وصولي إلى الموقع، لفتت نظري عبارات غير لائقة على المبنى التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. فقمت بالتقاط صور ونشرها على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الصور وصلت إلى وزيرة الشؤون هند الصبيح التي بدورها تواصلت معي للتعرف على موقع المبنى والتحقق من الأمر». ويتابع «لم أكتفِ بطرح المشكلة من دون تقديم الحلول. اقترحت على الوزيرة مسألة تبني الموهوبين برسم الشوارع ليقوموا بتزيين المبنى، فيما اقترحت عليّ تأسيس فريق تطوعي مسجل بالوزارة لتنفيذ مثل هذه الأعمال. وهذا ما جرى، وخلال أسبوع اكتمل الفريق وباشر العمل في منطقة القصور، في أول موقع عمل للفريق». أول عمل حمل عنوان «جدارية القيم»، حيث يشرح لنا رضوان «حصرنا مجموعة من القيم في صندوق صغير، وأجرينا قرعة مع مجموعة من الفنانين المشاركين. فكان على من يلتقط أي ورقة أن يعبر عن هذه القيمة في جدارية من الجدران الموجودة حول مبنى إدارة الرقابة التعاونية التابع لوزارة الشؤون». وتوالت الجداريات بعدها. «الجدارية الثقافية»، مثلاً، ولدت بسبب وجود جدار متهالك في سوق المباركية وجسّدت أبطال الفن القديم بأشهر أعمالهم الفنية. أما «جدارية النفط»، فتم تنفيذها عندما وصل سعر النفط لمرحلة حرجة نهاية 2015 لتنقل رسالة حُسن استغلال هذا المورد الذي هو أساس نهضة الكويت. وتمثل جدارية «حرف الضاد» التي تقع في قلب العاصمة، على أحد أهم المعالم الثقافية؛ وهو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فيما تجسّد «درب الزلق» أحد مشاهد المسلسل الكويتي الذي لاقى صدى كبيرا لدى العالم العربي. جدارية الهامور، وغريندايزر، وجدارية مستشفى البنك الوطني.. أعمال متنوعة يصعب علينا بسطور أن نتوقف عند كل منها، وكانت من توقيع العديد من الفنانين مثل جاسم النصرالله وأحمد العميري وزهراء المهدي وابرار الزنكوي وريكاردس وهشام الجناعي وجراح البلوشي وجاد الخوري والتوأمين أشكمان.. على الرغم من كل هذا التنوع، تبقى الرسالة واحدة ويختصرها رضوان بـ«إتاحة الفرصة للشباب بغية ممارسة هواياتهم بنطاق أوسع من الناحية الفنية، وإبراز تلك المواهب ليلهموا غيرهم باستغلال الجدران برسائل معبرة ولوحات فنية ذات معنى وقيمة مضافة». رسالة أهدافها كثيرة، يعددها لنا رضوان قائلاً «تزين الجدران المُساء استغلالها، وتقليص التلوث البصري في بيئة الكويت العمرانية، وخلق صلة وصل بين الفنانين والمتطوعين الشباب، وتشجيع الإبداع والفن، وإضافة قيمة إلى الأماكن العامة، وزيادة الوعي العام عن التلوث البصري، وترسيخ معنى فنون الحائط لمن يسيء استخدامها، وإشراك المجتمع ومساعدتهم على رعاية الأماكن العامة من التلوث البصري». هذه الجداريات لاقت ترحيباً من الناس، حتى ان بعض أفراد المجتمع شاركوا في تنفيذها فور الإعلان عنها على الحساب الرسمي للفريق في وسائل التواصل الاجتماعي. ويشير رضوان «هذا الإقبال يؤكد تقبل المجتمع لثقافة الرسم على الجدار (بهدف التزيين) بل ورغبته في أن يكون جزءاً منها مستقبلاً». ويبقى أن فريق «جداريات» وضع الكويت على خارطة الدول التي تبنّت الفن «كإضافة للمجتمع يعكس مدى تطوره ويضيف قيمة للأماكن العامة، ويقضي على التلوث البصري ويتماشى مع التطور العمراني والحضاري للمدينة الحديثة، الذي تشهده الكويت الآن والأهم إشراك المجتمع وغرس ثقافة التطوع بالتغيير للأفضل»، على حد قول رضوان.
مشاركة :