خرجت من المصعد في الدور الخاطئ أثناء ذهابي للتهنئة بعرس أحد الضحايا، وإذا بي عند مدخل القاعة أفاجأ بها ممتلئة ببشر من جميع الأجناس والجنسيات يقفزون ويطلقون صرخات حماسية، ركزت قليلاً لأجد يافطة كتب عليها دورة "كيف تصبح مليونيرا؟"، سألت المسؤول الرابض عند الباب: إذا كان كل هؤلاء سيصبحون مليونيرات، فمن سيظل فقيراً بعد ذلك؟! لم يرد بلسانه، لكنه رمقني بنظرة شفقة تجيب بأنني أنا من سيبقى فقيراً، أذهلتني فراسته التي ربما تعلّمها أيضاً في إحدى دورات تعليم الفراسة. انتشار مثل هذه الدورات والكتب في الأعوام الأخيرة أظن أنه قد فتح باب منفعة كبيرا لأصحابها أكثر من منتسبيها وقرائها. وبعيداً عن علاقة مثل هذه الدورات والكتب بالعلم الحقيقي، إلا أنه يبدو أنها تلاقي رواجاً بين الناس، ولا أظنها ستلقى مثل هذا الرواج لولا شعورهم بالتحسّن المعنوي في البداية، والله أعلم بالنهاية، فمثل هذه الدورات تفترض أمرين؛ أولهما أنك شخص غير عادي وتستحق الأفضل، وهم سيدلونك على طريقه، والثاني أن الحياة عادلة وجميلة، لكنك تحتاج إلى بعض الرتوش والمهارات والخدع اللفظية والعقلية التي ستمكنك من النجاح الباهر. ولأن الشيطان شاطر، فلا أحد يصدق بأنه شخص عادي، رغم أن الناس العاديون هم بناة الحضارات وملح الأرض، وما الناجحون والعظماء الذين تسمعون عنهم إلا أناس عاديون في جوانب أخرى كثيرة من حياتهم، كما أن لاختلاف البيئة والمجتمع الذي برز فيه مثل هؤلاء الأشخاص دوراً فيما وصلوا إليه، فهم غالباً قد أسسوا بواسطة تعليم جيد مكّنهم من أدواتهم المعرفية في مجتمع أكثر عدالة وانضباطاً وأقل اهتماما بآراء الآخرين وتقليدهم، بينما من نفترض أنهم ناجحون حولنا قد حققوا نجاحاتهم غالباً بالوراثة، أو نتيجة عدم التزامهم بالقواعد القانونية والأخلاقية، وبالتالي نعتبر أن مجرد قدرتهم على جمع المال وشراء السلع الفاخرة هو معيار لنجاحهم الذي نريد تحقيق مثله، فتدخل حضرتك لإحدى هذه الدورات، ويصدمك بعدها الواقع، سواء في تعامل الجهات الحكومية التي لا ينفع معها لا مارد ولا ضفدع وردي، أو مع المجتمع الذي تحكمه عُقد وحسابات وراثية وتاريخية وبنكية لن يفيدك معها إطلاقك قواك الخفية. وفّر أموالك، فلا ضير أن تظل إنسانا عاديا وشريفا ومتوسط الحال، فالحياة هنا أكثر تعقيدا من دورة لتفهمها، واهتم بتعليمك ومواهبك الحقيقية أكثر، فأنا شخصيا أعرف اثنين من الأصدقاء حاولا إخراج المارد الذي بداخلهما، اليوم واحد منهما في السجن، والآخر يتلقى علاجه في مستشفى الطب النفسي، فلا تدعُ المارد لزيارتك وأنت غير مستعد للتعامل معه، حتى لا "يمردغك" في أوحال الحياة.
مشاركة :