خراب منظم: الأحداث تفرض نفسها، وتخلق الحروف في الأفواه، وهذا ديدنها، لهذا بغرض الوصف ودون القصد يرد الشاعر الفلسطيني سميح القاسم على بابلو نيرودا فيقول هذا العربي: «الآن تبكي من وداعتنا الحروب ولا حروب.. والآن يضحك من شجاعتنا السلام ولا سلام.. والآن يصمت عن بذاءاتنا الكلام». بينما قال التشيلي وفق ما يتفق مع ظروف زمانه: «لا أحد يريد أن يقول شيئاً... الكل يخاف التورط.. كبرت المسافات وصار التنافر بين المصطلحات من الحدة، بحيث كف الجميع عن الكلام». مبررات وثنية: ليقطع أحد المهتمين أو المتفرغين من وقته ويتجول في أورقة الإعلام العربي الرسمي والخاص، في برامجه السياسية والاجتماعية والاقتصادية ليعرف إلى أي مدى بلغ التنافس على سفاسف الأمور، وتكرار البرامج واستنساخها، وليقيس ضعف الأداء، وقلة الكفاءات أو غيابها وتدني المستوى، وأستطيع بكل سهولة أن أجنبه هدر وقته حول كل تلك الفضائيات بتوجيهه للبحث عن إعلامي يصف أحد المتصلات بقليلة الحياء، أو البحث عن أغلى إعلامي عربي، لمعرفة إلى أي مدى ظلمنا أنفسنا، ونهرنا وعينا وأحبطنا كوادرنا، وخلقنا قاعدة من جمهور يركن إلى السلبية، وهذا له تداعيات مستقبلية خطيرة على الثقافة والوطن العربي. الفضائيات العربية تعتمد على تمويل حكومي أو شبه حكومي، ما يجعل الحكومات العربية المسؤول الأول عن غياب النقد والتركيز على الخطابات العاطفية اللاعقلانية الساذجة في مجملها، وهذا ملاحظ في خضم حديثه عن الوطنية أو الأمة أو الدين والعرف، فتغيب المحاكمة العقلية والتفكير النقدي وبالتالي يغيب البناء في اﻹنسان أغلى الثروات العربية!. اﻹعلام داخل هذا الإطار يجمع كل المساوئ ويلتقط صورة لن ترى في أغلبها إلّا الشخصنة للأمور، والبحث عن المصالح وبث الشعارات الزائفة، والكذب والغرور والتملق، كل هذا في غياب للمنجز الحقيقي الذي يخدم الوطن أو الأمة التي يدعون، فتتحطم الوطنية إما باحتقارها أو الغلو فيها، وتغتال القيم والحقوق بدثار الدين أو العرف، وهذا الخطر قرع له المسيري الأجراس فقال: «عندما يدرك الناس أن الدولة تدار لحساب نخبة وليس لحساب الأمة يصبح الفرد غير قادر على التضحية من أجل الوطن وينصرف بالبحث عن مصلحته ا لخاصة». واقع لا يمثل الواقع: اﻹعلام رسالة مجتمعية تعنى بالترفيه، والتثقيف وصناعة الرأي العام تجاه القضايا الداخلية والخارجية، لكن ما يحدث هو استقطاب سياسي وأيديولوجي بطرق فجة لا رقي فيها ولا اهتمام بذكاء المتلقي العربي، نحتاج إلى البرامج السياسية والاجتماعية الساخنة - نعم - لكن بعيداً عن الطبيعة التهجمية المفروضة عليها التي لا تجذب للمشاهدة إلا أهل التعصب والنظرة الواحدة، وهي تخلق في المتلقي تطرفاً من نوع ما تجاه الوطن والمجتمع والعالم. العصبية للأسف تمارس سياسياً واجتماعياً من قبل نخب ترى أن العصبية خطة إستراتيجية يجب أن يتبناها الصغير والكبير، وهؤلاء يجب أن يتوقفوا عن هذا العبث. السقف العالي: نحتاج إلى بناء نظام إعلامي قوي يعنى بالقيم الإنسانية حتى يهتم بالقيم الإعلامية، يتسم بالشفافية والحس الوطني يكرس النقد، يعرف كيف يتحدث عن القيم وكيف يمارسها ويوازن بينها، ليتم إعادة دراسة ونقد ماتم عمله وتمحيص النتائج التي ترتبت عليه اجتماعياً وسياسياً وإنسانياً، وبالتالي معالجة ما يمكن معالجته وتفادي تكرار الأخطاء. وأهم هذه الأخطاء المرتكبة تهميش الرأي الآخر والتحزّب ضده لمنعه من الظهور وتقويض انتشاره، ولو أننا تجاوزنا هذا الفكر لخلقنا آفاقاً جديدة في الوطن العربي. الرياض عاصمة الإعلام العربي لنستغل هذا في تحسين صورتنا أمام الجيل الحالي والأجيال القادمة، ولنضع الرأي الآخر في الواجهة في الصحف والفضائيات، ﻻ ينبغي أن يلجأ الرأي الآخر لصحف وبرامج يُلقي فيها رأيه، لأن بلاده لن تستضيفه ولن تستضيف رأيه. يجب أن نهتم ببرامج كهذه التي تخدم حرية التفكير والنقد وتسهم في التوعية بالتعددية، وتنهض بالوعي وتعترف بالمسؤولية ونصدرها للعالم العربي لأنها ستسهم بدورها في التنمية والابتكار والتنوير.
مشاركة :