أكدت مصادر إعلاميةٌ غربيةٌ أن قطر لن تستطيع أن تواصل طويلاً لعبتها المزدوجة، التي تحاول من خلالها أن تخفي الطابع القمعي والتخريبي لنظامها الحاكم تحت ستارٍ من الاعتدال الزائف، وذلك في سياق تحضيراتها لاستضافة النسخة المقبلة من بطولة كأس العالم لكرة القدم، التي سرقت حق تنظيمها قبل أكثر من 8 سنوات. وفي تقريرٍ من الدوحة، اعتبرت صحيفة «آيريش تايمز» الإيرلندية أن الدويلة المعزولة «تتأرجح وتتذبذب» بين التشدد وانعدام حرية التعبير من جهة والتظاهر بالاعتدال والديمقراطية من جهةٍ أخرى، رغم محاولاتها المستميتة لإيهام المجتمع الدولي بأنها الدولة الـ«أكثر ليبرالية وحداثة» في منطقة الخليج، وهو الأمر الذي تُكذّبه الوقائع على الأرض. وألمح التقرير - الذي أعده الكاتب الإيرلندي مايكل فولي - إلى أن النظام القطري يقدم كل ما يستطيع من تنازلاتٍ لتحقيق هذا الهدف، من قبيل التعهد بالسماح لعشاق كرة القدم من مشجعي المنتخبات الكروية باحتساء الخمور خلال فترة إقامة المونديال أواخر 2022، رغم أن ذلك سيشكل صدمةً للمجتمع القطري المحافظ، لما سيصاحبه بالقطع من مظاهر سُكْرٍ وعربدةٍ ينخرط فيها المشجعون الثملون في الشوارع. كما أشار فولي إلى استخدام «نظام الحمدين» لقناة «الجزيرة» في محاولةٍ يائسةٍ للتظاهر بدعم قيم الديمقراطية وحرية التعبير في منطقة الشرق الأوسط. لكن هذه الصورة تتقوض بطبيعة الحال، حين يعلم المرء أن قطر تحتل - كما يشير الكاتب - المركز الـ125 على مؤشر «حرية الصحافة في العالم» الذي تعده منظمة «مراسلون بلا حدود» سنوياً، وذلك بعد دولٍ مثل أوغندا ومالي والجابون ونيبال وبوتان وسيشل. وفي هذا السياق، شددت «آيريش تايمز» في تقريرها على أن سلطات نظام تميم بن حمد تفرض «قيوداً مشددةً» ورقابةً «صارمةً» على وسائل الإعلام العاملة في أراضي الدويلة المعزولة، مُشيرةً إلى أن «الجزيرة» التي تزعم امتلاكها لقدراتٍ هائلةٍ في مجال التحقيقات التلفزيونية، «نادراً ما تستخدم هذه المواهب (المزعومة) داخل الدولة» الذي ينطلق منها بثها، وهي قطر. وتطرقت الصحيفة الإيرلندية ضمناً في التقرير إلى محاولات حكام الدوحة تحسين صورتهم المتدهورة في مجال حرية الإعلام، عبر إنفاق أموالٍ طائلةٍ لإغراء المؤسسات التعليمية الغربية الكبرى - المتخصصة في الدراسات المتعلقة بهذا المجال - بإقامة فروعٍ لها في قطر، مثل كلية ميديل للصحافة التابعة لجامعة «نورث ويسترن»، التي يوجد مقرٌ لها فيما يُعرف بـ «المدينة التعليمية» في العاصمة، جنباً إلى جنب مع خمس جامعاتٍ أميركيةٍ أخرى. وأكد التقرير أن كل هذه الجامعات تُموّل بنسبة 100% من جانب السلطات القطرية. ويتماشى ذلك مع ما كشفت عنه بياناتٌ لوزارة التعليم الأميركية أواخر العام الماضي، من أن «نظام الحمدين» دفع نحو مليار دولارٍ لجامعاتٍ مرموقةٍ في الولايات المتحدة منذ عام 2011، في إطار حملته المحمومة للتأثير على الدوائر السياسية والأكاديمية في الدولة الأكبر في العالم. واستعرض تقرير الصحيفة واسعة الانتشار جانباً من ملامح الحكم السلطوي الذي يهيمن على مقدرات الأمور في قطر، منذ القرن التاسع عشر «أحياناً تحت حكم العثمانيين، وفي أحيانٍ أخرى في ظل الحكم البريطاني، ثم خلال الفترة التالية للاستقلال الذي أُعْلِنَ عام 1971». وسلّط التقرير الضوء على الأسلوب الدعائي الساذج الذي يلجأ له النظام القطري للزعم بأن شعبية حاكمه في تزايد رغم العزلة الخانقة التي يعاني منها، والمتمثل في نشر صور تميم في كل مكانٍ في البلاد إلى حد أنها «باتت تحجب الأفق والسماء في الدوحة، وتُوضع على الزجاج الخلفي لكل السيارات، بل وعلى أي سلعةٍ استهلاكيةٍ يمكن تصورها». لكن محاولات نظام تميم لإضفاء طابعٍ حداثيٍ زائفٍ على المجتمع تصطدم - كما يوضح التقرير - بالتيارات المتشددة والمحافظة بشدة فيه، وهو ما تجسد في موجة الغضب العارم التي اندلعت قبل شهور في العاصمة القطرية، جراء قرارٍ بنصب 14 تمثالاً ضخماً، نُحِتت بتكليف من شقيقة حاكم قطر الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، أمام مستشفى ومركز أبحاث السدرة في ضواحي المدينة. وقالت الصحيفة الإيرلندية إن نحت هذه التماثيل كلّف الميزانية القطرية 20 مليون دولار على الأقل، نظراً لأنه أُسْنِدَ للمثّال البريطاني الشهير دَميان هيرست، المعروف بأعماله غريبة الأطوار، مُشيرةً إلى أن الإقدام على هذه الخطوة وُصِفَ من جانب وسائل الإعلام الغربية بأنه محاولةٌ من جانب «نظام الحمدين» لـ«شق طريقه عنوةً وبالمال وعلى نحوٍ عدوانيٍ نحو التطور والحداثة». ولم تغفل «آيريش تايمز» الإشارة إلى ممارسات «العبودية الحديثة» السائدة في قطر بحق عددٍ هائلٍ من العمال الأجانب القادمين من دولٍ آسيويةٍ فقيرةٍ للمشاركة في تشييد المرافق اللازمة لتنظيم مونديال 2022، لافتةً الانتباه إلى السجل القطري الأسود في هذا المضمار منذ عقودٍ طويلةٍ، في ضوء أن العبودية بمفهومها التقليدي لم «تلغ في هذا البلد سوى في عام 1952»، بضغوطٍ مارستها الحكومة البريطانية، باعتبار أن شركات النفط الإنجليزية كانت تستخدم الرقيق في مشروعات التنقيب عن البترول في الأراضي القطرية واستخراجه، في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. وأوضحت الصحيفة في تقريرها أن المملكة المتحدة لم تكتف بممارسة ضغوطٍ وإجراء مفاوضاتٍ لإلغاء هذا الاستغلال القطري الوحشي للبشر، بل ساعدت كذلك على دفع تعويضات لمالكي العبيد. وفي إشارةٍ إلى محاولات النظام القطري المستمرة لإخفاء هذا الماضي المشين، قال التقرير إن المتحف الخاص بالعبودية الذي افتُتِحَ مؤخراً في الدوحة لا يتضمن أي إفاداتٍ تُذكر عن ظاهرة العبودية هذه «رغم إلغائها في وقتٍ قريبٍ نسبياً.. وكأن الضحايا اختفوا.. دون أن يتركوا سوى بضع صورٍ باهتةٍ لأرقاء من غواصي اللؤلؤ والصيادين». المفارقة أن تعليقاً على إحدى الصور الموجودة في المتحف، يفضح بشكلٍ غير مباشرٍ حقيقة وضع حقوق العمال الوافدين في قطر، إذ يشير إلى أن «الكثير من عمال البناء في بقاعٍ من العالم تصطبغ على نحوٍ متزايدٍ بطابعٍ صناعيٍ.. أصبحوا عبيداً ولكن بموجب عقود عمل». وتقول الصحيفة في هذا الصدد إنه «على الرغم من أن قطر لم تُذكر بالاسم (في العبارة السابقة) فإن أي زائرٍ للمتحف سيعلم دون أدنى شك أن ما تتحدث عنه هذه العبارة، يشمل مئات الآلاف من العمال المهاجرين في الدوحة، ممن يُشيّدون في الوقت الحاضر ثمانية ملاعب ستقام عليها مباريات كأس العالم». وأشارت «آيريش تايمز» إلى أنه على الرغم مما يقوله النظام القطري من أنه أدخل إصلاحاتٍ على قوانين العمل للحيلولة دون احتياج العمال لتصاريح من الجهات المُشغلة لهم لمغادرة البلاد، فإن ذلك لا يمتد إلى «آلافٍ من العمالة المنزلية، ممن يعانون من القيود المفروضة على تحركاتهم، ومن الانتهاكات البدنية والمعنوية كذلك».
مشاركة :