لم يخطر على بالي يوماً أن أرى هذه المجموعة المتميزة للفنان الهولندي رامبرانت الذي كنت ولا زلت أعتبره معلمي الأول خلال دراستي للفنون في معهد التربية الفنية ومدى تعلقي به، فأصبحت غالبية أعمالي في الثمانينات تعتمد على بقعة الضوء محاولاً في تلك التجربة مقاربة إبداع هذا الفنان العالمي (ولو اعتقاداً بالمقاربة).. هذه الذكريات استحضرها معرض الفنان رامبرات المستضاف في متحف لوفر أبو ظبي وتشرفت بحضوره ممثلاً لصحيفة «الجزيرة» من بين إعلاميين عرب وعالميين ومعرض جمع نخبة من أعماله الرائعة التي يحق لمتحف لوفر أبو ظبي الفخر بإقامة هذا المعرض لفنان فرض أسلوبه وأدهش العالم ودفعهم إلى البحث والتحليل النقدي أو حتى الكيميائي. لحظات أعادتني إلى ما كنت أقرأه عن هذا العبقري من دراسات جمعت الكثير من أسراره وقدراته منها ما يتعلق بأدواته الفنية، وفي مقدمتها ألوانه التي لا زالت كما هي قبل ثلاثمائة عام ونيف والتي أشير في كثير من البحوث العلمية إلى استخدامه لمادة الرصاص المسحوق عند إعداده وصنعه للألوان الذي كان سراً وميزه عن بقية من كان في جيله، حيث أظهر تحليل البيانات أن رامبرانت قام بتعديل مواد الطلاء الخاصة به عن قصد. مع ما وصل إليه الباحثين في لوحاته وما تتعرض له لوحاته من تبدل في التقنية أو الإلغاء وإعادة التشكيل مثل اللوحة التي قال المحللون إن الفنان أعاد الرسم عليها تصور رجلاً في الزي العسكري التي رسمت بين العامين 1630 و1631م وأن اللوحة المرسوم عليها كانت للفنان ذاته في فترة شبابه. رامبرانت وفيرمير وفنانو العصر الذهبي الهولندي أعود للمعرض الحالي في متحف لوفر أبوظبي من تنظيم متحف اللوفر أبوظبي، ومجموعة لايدن، ومتحف اللوفر باريس، ووكالة متاحف نسا، والذي يمثل أكبر معرض للعصر الذهبي الهولندي في القرن السابع عشر يقام في منطقة الخليج العربي حتى يومنا هذا، وكما جاء في بيان المعرض الذي يستمر حتى مايو القادم. ويعتبر هذا المعرض أكبر معرض لأحد كبار فناني العصر الذهبي الهولندي من القرن السابع عشر يُنظم في الخليج العربي، والذي أعد له عرضاً يليق به وبتاريخه وبتلامذته، ومن كان معه في ذلك العصر، حيث يضم المعرض 95 لوحة، منها أكثر من 20 عملاً لرامبرانت وورشة عمله، تسلط الضوء على مسيرة رامبرانت الفنّية في مدينتيّ لايدن وأمستردام في هولندا وعلى علاقته بخصومه وأصدقائه، بمن فيهم يوهانس فيرمير، ويان ليفنز، وفرديناند بول، وكاريل فيريتيوس، وجيرار دو، وفرانس فان مييرس، وفرانس هالسن. لوحات ملفتة للنظر في معرض العصر الذهبي من الأعمال الملفتة للنظر والتي حازت على إعجاب الحضور، صانعة الدانتيل (متحف اللوفر باريس) وامرأة شابة جالسة إلي آلة موسيقية قديمة (مجموعة لايدن) المرسومتين على نفس القماش، إلى جانب بعضهما البعض للمرة الأولى منذ 300 عام للفنان يوهانس فيرمير. كما ضم المعرض القطع الفنية التي استحوذ عليها اللوفر أبوظبي للفنان رامبرانت بعنوان: «رأس شاب، متشابك اليدين: رسم تمهيدي لصورة المسيح»، إلى جانب صورة نصفية لرجل عجوز ملتح» (مجموعة لايدن) التي تُعرض للمرة الأولى في صندوق عرضي صُمم خصيصاً لها بطلب من مالكها السابق، آندرو ويليام ميلون، رجل الأعمال ومحب فعل الخير الشهير في أوائل القرن العشرين. أما بالنسبة إلى العصر الذهبي الهولندي فهو الاسم الذي يُطلق على فترة وجيزة من القرن السابع عشر حين كانت الجمهورية الهولندية الجديدة، التي كانت آنذاك قد نالت استقلالها حديثًا عن النظام الملكي الإسباني، وكانت تُعتبر الدولة الأكثر ازدهاراً في أوروبا، لاسيما بسبب ما شهدته تطور في التجارة والعلوم، والفنون. فالتجارة العالمية التي قادتها شركة الهند الشرقية الهولندية، إلى جانب التطورات العسكرية والتقدم الذي طرأ على عالمي الفنون والعلوم، كلها عوامل أعطت الأراضي المنخفضة، أي المنطقة الساحلية لشمال غرب أوروبا التي تضم بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، ميزة هامة في جميع أنحاء أوروبا والعالم أجمع.. في ذلك العصر. مسيرة وسيرة تاريخية لرامبرانت وفيرمر جاء في بيان المعرض الصحفي أن رامبرانت فان راين، ويوهانس فيرمير في طليعة حركة فنية جديدة تصور الإنسان وحياته اليومية بطريقة أكثر واقعية. وقام منظمي المعرض بعرض متسلسل لمسيرة رامبرانت الفنيّة وذلك انطلاقاً من سلسلة لوحاته المشهورة التي تصور الحواس، والتي تظهر براعة الفنان الشاب ومهارته في رسم الملامح والتعابير وتجسيد الألوان في الأيام التي عاشها في اللايدن، وصولاً إلى أعمال لاحقة ابتكرها في أمستردام، بما في ذلك لوحته الذاتية المشهورة والمرسومة بدقة عالية، «صورة شخصية ذاتية بعينين مظللتين»، و»مينرفا في حجرة الدراسة» وهي لوحته الشهيرة لمينرفا (اللوحتان من مجموعة لايدن). وتُعرض اللوحتان إلى جانب لوحات أخرى لبعض كبار الفنانين من دائرة رامبرانت الفنّية، وهي تبيّن تأثير فناني هذه المجموعة على أعمال بعضهم البعض. انطباعات واعتزاز بالمعرض حظي المعرض خلال الإعداد بتصاريح من المسؤولين في حكومة أبوظبي وفي لوفر أبوظبي ولفور فرنسا منها ما قاله معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي: إن متحف اللوفر أبوظبي يحظى منذ افتتاحه بنجاح باهر في جذب الاهتمام إلى ثقافة المتاحف التي تشهد نمواً كبيراً، وهو أمر يعزز من صداقتنا المتينة مع فرنسا وكذلك شراكتنا مع المؤسسات الثقافية والمتاحف العالمية التي تدعم اللوفر أبوظبي. هذا العام تحتفي دولة الإمارات بقيم التسامح باعتبارها أساساً للانفتاح والتبادل الحضاري، وفي هذا الإطار، يأتي معرض رامبرانت وفيرمير والعصر الذهبي الهولندي، ليسلط الضوء على أهمية التبادل الثقافي الذي يتخطى الحدود الجغرافية، وليبيّن مكانة الإبداع البشري في قلب التاريخ النابض، لا سيما مع تقديم أكبر مجموعة للفنان الشهير في منطقة الخليج لأول مرة. كما تحدث مدير متحف اللوفر أبوظبي السيد/ أما مانويل راباتيه، قائلاً: «يعد معرض رامبرانت وفيرمير والعصر الذهبي الهولندي، روائع فنيّة من مجموعتي لايدن ومتحف اللوفر».. هو المعرض الذي يفتتح به متحف اللوفر أبوظبي هذا العام معارضه العالمية.. كما يُسعدنا أن نقدّم لزوار هذا المعرض الفرصة الأولى لتأمّل لوحة رامبرانت التي استحوذ عليها المتحف مؤخراً بعنوان: «رأس شاب، متشابك اليدين»: رسم تمهيدي لصورة المسيح. من جانبه قال جان لوك مرتينيز، رئيس متحف اللوفر باريس ومديره، أن: «تنوّع زوار اللوفر أبوظبي الذين يأتون من الإمارات وأوروبا والهند والعديد من الدول الأخرى، والدهشة التي نراها على وجوههم في خلال تجولهم في المتحف تؤكد أن اللوفر أبوظبي يحرص على تقديم تاريخ الفن العالمي.
مشاركة :