عندما تكون الجينات عنصرية

  • 2/16/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كتبت خلال اليومين الماضيين عن التمييز بشتى أشكاله، ورأيي في كافة أشكال الاستعلاء (العرقي/الطبقي/الاجتماعي/القبلي/العنصري/الجندري وأعني بالأخيرة على وجه التحديد التمييز ضد المرأة لكونها أنثى)، رأيي أنه لا يمارس الاستعلاء إلا شخص مريض وناقص العقل، فلا لون بشرتك ولا مسمى وظيفتك ولا اسمك العائلي ولا جنسك ولا ثروتك تجعلك «أفضل» من غيرك، ولأنني كتبت كثيرا مستنكرا التمييز والاستعلاء، فإن صديقا لي يقرأ مقالاتي بصورة شبه منتظمة سألني متهكما: ولماذا اعترضت على زواج فلان ببنت صديقك فلان، عندما استشارك الصديق في الأمر؟ ألم يكن اعتراضك مبنيا على كون طالب الزواج محدود الإمكانات المادية؟ قلت: نعم.. قال: ألا تكون بهذا منافقا.. ترفض الاستعلاء الاجتماعي والطبقي وتعترض على زواج شخص من بنت صديقك لأنه غلبان؟ قلت له إنني لم أكن منافقا وإنني بنيت اعتراضي على ذلك الشاب بالفعل على كونه محدود الإمكانات، ولأنني كنت أعرف من أكثر من مصدر أثق به ان طالب الزواج ذاك كان مضطرا إلى إنفاق دخله المحدود «بالكامل» على عائلته الممتدة، وأن تلك العائلة برغم ذلك تعيش على الكفاف مما يعني أنه لم يكن يكسب ما يكفي عائلته الأصلية ويريد في نفس الوقت أن يؤسس لعائلة خاصة به، وأوضحت لصديقي الذي وصفني بالنفاق أنني أخذت مسألة الزواج تلك بجدّية وقمت بعمل «تقصي» و«تحري» وتحقيقات كما ينبغي أن يفعل أي شخص يأخذ أمور الزواج بجدية، وأنني من ثم اكتشفت أن طالب الزواج من بنت صديقي اختارها لأنه يعرف ان راتبها الشهري كبير وكان يخطط لأن يجعلها مسؤولة عن الإنفاق عليه وعلى «بيت الزوجية».. بعبارة أخرى كان «أجمل» ما تتحلى به تلك الفتاة في نظر ذاك الراغب في الزواج بها «راتبها الشهري»: بنت حلوة وراتبها كبير وتستطيع دفع إيجار المسكن والفواتير ونفقات الأكل والشرب واللبس و«الفسحة»؛ وبالتالي فإن اعتراضي على الشاب كان من زاوية أنه طفيلي وليس لأنه محدود الدخل. وأقول بصدق إنه ليس واردا أن أعترض على زواج شخص حتى من بنتي لأن موارده المالية ضعيفة.. فقد تزوجت وجيبي يعاني من الجفاف والتصحر.. ولكن بحمد الله «مشى الحال»، واجتهدت حتى أضمن لعيالي حياة أفضل من تلك التي عشتها كطفل وصبي (لي بنت كانت سليطة اللسان في طفولتها، وكانت كلما رفضت لها طلبا لأنني لا أملك المال اللازم تسأل أمها: ليه ما تزوجت شخص غني؟ وبدلا من أن تطيب خاطري وتفحم البنت بردّ صارم وقاسٍ، كانت زوجتي ترد عليها: القسمة والنصيب يا بنتي!!). في جامعة فري ستيت في جوهانسبيرغ بجنوب إفريقيا تسرب شريط فيديو أعده أربعة من الطلاب البيض الآفريكانر (ذوي الأصول الهولندية وهي السلالة التي مارست أبشع أنواع التنكيل بالسود في جنوب إفريقيا على مدى قرون).. الشريط يظهر الطلاب وهم يتبولون على القهوة والشوربة ويمرغون قطع اللحم في سلة القاذورات ثم يقدمونها للعمال السود المسؤولين عن نظافة مرافق السكن الجامعي.. هؤلاء قوم تعشش العنصرية في جيناتهم.. لم يقولوا إن السود بعد أن آل إليهم الحكم غفروا لنا إذلالنا إياهم، وسمحوا لنا بالبقاء في ديارهم معززين مكرمين.. لا.. مازالوا يعتقدون ان الله خلق السود ليكونوا سوائم يسومهم البيض سوء العذاب.. ولكن لم يعد للعنصريين جبروت في جنوب إفريقيا، والطلاب الأربعة القذرون اختفوا عن الأنظار ثم اتصلوا بالشرطة كي تعتقلهم قبل أن يقعوا في أيدي زملائهم السود في الجامعة.

مشاركة :