في كل مرة تصطدم فيها المصالح الأميركية - الروسية، وتتعارض المواقف بين الطرفين، تطل الأسلحة النووية برأسها، كورقة ضغط يستخدمها هذا الطرف أو ذاك، لتحقيق مصالح محددة.. فبعد 32 عاماً من التوافق على معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى بين كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقاً، أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في الأول من فبراير الجاري، تعليق واشنطن العمل بالاتفاقية، وإمهال موسكو 6 أشهر لإثبات تمسكها بها أو انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة. وجاء الرد الروسي على هذا الإجراء وبصورة فورية، في محاولة لاستعادة قوة ومكانة الاتحاد السوفييتي السابق، وذلك على لسان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي أعلن تعليق روسيا للعمل بالمعاهدة، وإمهال واشنطن المدة نفسها، في خطوة من شأنها زيادة التوترات بين البلدين، ومن المحتمل أن تهدد بعودة سباق التسلح من جهة، وإحياء الحروب بالوكالة بين المعسكرين من جهة أخرى. والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يتلمس فيها الجانبان الزر النووي، مستنسخين حقبة الحرب الباردة، وسباق التسلح من جديد. فقد تبادلت موسكو وواشنطن لفترة طويلة الاتهامات بخرق المعاهدة، وأعطت الولايات المتحدة مهلة 60 يوماً لموسكو في ديسمبر الماضي لتدمير صواريخ تقول واشنطن إن فيها خرقاً للاتفاق. بالرغم من تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدم انخراط موسكو في سباق تسلح جديد، إلا أنه صرح بأن روسيا تسعى لتطوير صواريخ متوسطة المدى رداًّ على ما وصفها بأنها مشاريع مشابهة في الولايات المتحدة. هذه التطورات الدراماتيكية المتسارعة، دقت ناقوس الخطر الفعلي، ودفعت بالقادة الأوروبيين إلى التعبير عن قلقهم من تداعيات انهيار المعاهدة، وحضوا روسيا على التعامل مع المسائل التي تشكل مصدر قلق بالنسبة لواشنطن قبل تعليق الأخيرة العمل بها رسمياً في أغسطس المقبل، فيما عبّرت بكين أيضاً عن قلقها من تعليق الطرفين مشاركتهما في المعاهدة، داعيةً البلدين إلى «حوار بناء» لتفادي ما وصفته بالنتائج السلبية لذلك. أما حلف شمال الأطلسي المتماشي مع المواقف الأميركية، فقد عبر كعادته عن «دعمه الكامل» للولايات المتحدة في انسحابها من المعاهدة، ووافق على أن صاروخ «9 أم 729» الروسي الباليستي فيه خرق للاتفاقية. تجدر الإشارة إلى أن المعاهدة التي وقعها الرئيس الأميركي رونالد ريجان والزعيم السوفييتي السابق ميخائيل جورباتشوف في عام 1987 أنهت سباقاً للتسلح بالرؤوس النووية شكل على مدى سنوات الحرب الباردة مصدر قلق في أوروبا، وبموجب هذه الاتفاقية، امتنع الطرفان عن نشر صواريخ يتراوح مداها ما بين 500 و5500 كلم. إلا أن اتفاقية «ستارت» التي تحدد عدد الرؤوس النووية لواشنطن وموسكو من المفترض أن تنتهي عام 2021. وفي 13 ديسمبر 2001، أعطى الرئيس الأميركي جورج و. بوش روسيا إشعاراً مسبقاً بستة أشهر بنية الولايات المتحدة الانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للبالستية، حتى تتمكن الولايات المتحدة من تطوير البرنامج، في ذلك الوقت، المعروف باسم الدفاع الصاروخي الوطني الذي كان آنذاك قيد التطوير في مخالفة محتملة لالتزامات المعاهدة، فيما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 10 فبراير 2007، أن معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى لم تعد تخدم مصالح روسيا. وفي 14 فبراير، نقلت وكالة تلغراف معلومات روسيا وإنترفاكس عن الجنرال يوري بالويسكي، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية، قوله إن روسيا يمكنها الانسحاب من المعاهدة، وأن القرار سيعتمد على أفعال الولايات المتحدة في ما يتعلق بنظامها المقترح للدفاع الصاروخي. خطورة تعليق المعاهدة وفي هذا الإطار يقول أرتيوم كابشوك المحلل السياسي الروسي أن الموقف الأميركي والروسي في الأيام الأخيرة سبقه إرهاصات عديدة، لعل أهمها ما صدر في صيف عام 2013 عن مدير إدارة الرئيس الروسي سابقاً سيرجي إيفانوف الذي قال إن معاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى «لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية»، واصفاً إياها بأنها «تركة الحرب الباردة». وقال كابشوك «ومع ذلك، فإن قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول تعليق التزامها بهذه المعاهدة يثير قلقاً كبيراً في روسيا، نظراً لأن تعطيل الاتفاق سيزيد من التآكل الذي كان قد أصاب المنظومة الدولية لعدم انتشار الأسلحة النووية التي كانت روسيا وأميركا أعمدتها الأساسية، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الدفاعات المضادة للصواريخ في عام 2001، ورغم هذه الاختلالات لا يزال يتمتع نظام الحد من الأسلحة النووية بنوع من التماسك والتوازن، وذلك بفضل استمرار معاهدة (ستارت 3) للحد من الأسلحة النووية الهجومية الاستراتيجية التي جددتها روسيا وأميركا عام 2010». وأضاف: «تكمن خطورة التعليق أو الانسحاب المحتمل من معاهدة الصواريخ متوسطة (1000 - 5500 كم) وقصيرة المدى (500 – 1000 كم)، في أن ذلك سيعيدنا إلى زمنٍ كان ما يفصل بين العالم وتحقق سيناريو قيام الساعة «النووية» هي 15 دقيقة.. وهو الوقت الذي كان سيستغرقه الصاروخ النووي للوصول إلى هدفه. أما الصواريخ المعاصرة، فبفضل التكنولوجيات الحديثة تقلص زمن إصابة الهدف بها إلى بضع دقائق!». وعن اتهام واشنطن موسكو بمخالفة بنود معاهدة الصواريخ، يقول كابشوك إن «دليل» واشنطن الوحيد هو الزعم بأن الروس قد اختبروا صاروخاً مجنحاً متوسط المدى أرض- أرض، وأن مواصفاته الفنية، وعلى رأسها مدى التحليق، تدخل محظوراتِ المعاهدة، مشيراً في هذا الصدد إلى أن الروس لا يُخْفون إجراء اختبارات صواريخ، ولكنهم يرفضون رفضاً قاطعاً أن الصاروخ الذي اختُبر يزيد مداه على 500 كم، وهو مدى ممنوع وفق المعاهدة. وعلى ما جرت عليه العادة الأميركية، لم تقدم أي صور للأقمار الصناعية، بما في ذلك صور الأقمار المخصصة لمراقبة وتحليل عمليات إطلاق الصواريخ من أي مكان على سطح المعمورة، ولا معلومات تبين وقت إطلاق الصاروخ ومكانه، كما لم تُعرض بيانات تجهزها محطات الرصد والمراقبة الأرضية الأميركية... لا شيء! وعما إذا كانت واشنطن قد انتهكت المعاهدة، أوضح كابشوك أنه في ديسمبر عام 2017 وفي الذكرى الثلاثين للتوقيع على المعاهدة، قرر الكونجرس الأميركي تخصيص 58 مليون دولار لتصميم صاروخ مجنح أرض- أرض، وهو بالضبط صاروخ متوسط المدى، أي قادر على بلوغ الهدف على مسافة تصل إلى 5500 كم، موضحاً أن المعاهدة لا تحظر القيام بالأبحاث والاختبارات للأسلحة الصاروخية، وهي تنص أساساً على تدمير الأسلحة الموجودة، ولكن القيام بأبحاث واختبارات تكلف ملايين الدولارات دون تحويلها إلى منتج دفاعي جاهز فيما بعد، سيكون أمراً عبثياً. فضلاً عن ذلك، فإن العسكريين الروس يرون أن المنصات التي نشرتها واشنطن في رومانيا وبولندا والخاصة بإطلاق الصواريخ المضادة للصواريخ من نوع 41 إم كي، تصلح لاستضافة الصواريخ المجنحة طويلة المدى من طراز «توموهوك»، وهو ما يخالف ما جاء في المعاهدة. وأضاف أن القوات الأميركية لا تزال تستخدم محركاً خاصاً بصاروخ «بيرشينج -2» الباليستي، فيما يسمى بالصاروخ الشاخص المخصص للتدريب على إصابة الأهداف الجوية، وذلك في الوقت الذي ينبغي أن تكون فئة صواريخ «بيرشينج-2» قد دُمرت بكامل مكوناتها المختلفة وفق المعاهدة. وأعرب المحلل الروسي عن اعتقاده بأن هناك العديد من الأسباب العسكرية والجيوسياسية التي قد تكون وراء قرار إرادة واشنطن القيام بتعليق المعاهدة، أهمها أن واشنطن ترغب في الاستعداد لمواجهة الصين صاروخياً في المستقبل، موضحاً أن السفن الحربية الأميركية لا تستطيع اليوم الاقتراب من السواحل الصينية إلا على مسافة ألفي كيلومتر لأنها ستدخل فيما يسمى بمنطقة الحظر التي تسهر عليها الصواريخ الباليستية الصينية متوسطة المدى من طراز «دونفين- 21 د» و«دونفين- 26» التي صممت خصيصاً لإصابة الأهداف البحرية الكبيرة، إضافة إلى ذلك هناك الصراع السياسي الداخلي وانتخابات الرئاسة الأميركية في 2020، موضحاً أن الرئيس ترامب من خلال الانسحاب من المعاهدة مع روسيا يفتح باباً آخر في موازنة البنتاجون، خاصة أن الانسحاب من المعاهدة قد يعني ضخ المزيد من الأموال لشركات الصناعات الدفاعية الكبرى في الولايات المتحدة، فضلاً عن أنه سيخلق فرص عمل إضافية، ليسجل ترامب نقطة أخرى لمصلحته في مواجهته مع خصومه السياسيين بالداخل. كما يمكن أن تجري إعادة توزيع صفقات الإنتاج الحربي بين الحكومة الأميركية والشركات، ويعتقد البعض أن هذا يضمن لترامب الوصول لتفاهمات مع جماعات النفوذ والمصالح في سياق الاستعدادات للانتخابات الرئاسية القادمة. وأضاف أن الهدف أيضاً هو وضع موسكو أمام التحدي على الساحة الأوروبية (وعلى حساب الأوروبيين) أملاً في تحقيق التوافق النووي، حيث لن تأخذ الصواريخ الجديدة إلا 3 دقائق للوصول إلى أي هدف استراتيجي في الأراضي الروسية، فضلاً عن جر موسكو إلى سباق تسلح مكلف جديد. وعن النتائج المترتبة على المواقف الأخيرة لموسكو وواشنطن، يقول كابشوك «إذا أخذنا الشق العسكري البحت، فإن نشر الصواريخ الأميركية الجديدة في أوروبا، يرمي بشكل أساسي إلى تحقيق الانتصار في الحرب النووية الافتراضية بفضل الزمن الأسرع لبلوغ الصواريخ أهدافها، خاصة أن العقيدة النووية الأميركية الجديدة تنص على المبادرة بتوجيه الضربة النووية ضد العدو، أما روسيا فتنص عقيدتها النووية على توجيه الضربة النووية الجوابية، وبالتالي فإن سيناريو نشر الولايات المتحدة صواريخها، خاصة متوسطة المدى في أوروبا مجدداً سيجبر روسيا على أن تُغيِّر عقيدتها لتكون توجيه الضربة الاستباقية، وهنا الخطر». وأضاف أن من الأخطار الأخرى يكمن في أن تخلي الولايات المتحدة عن معاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى قد تدفع دولاً أخرى إلى المضي في صناعة هذا النوع من الصواريخ، إضافة إلى أن الصين كانت قد امتلكت هذه القدرات الصاروخية. وحذر من أن انسحاب أحد الطرفين من معاهدة الصواريخ سيؤدي إلى الإسراع في تطوير الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، وهذا بدوره سيعطل مفعول معاهدة ستارت-3 للحد من الأسلحة الهجومية النووية الاستراتيجية، وهنا ستفتح أبواب جهنم... وتنتهي مدى صلاحية هذه المعاهدة عام 2021 والأمل في أن يمددها الطرفان الروسي والأميركي. كما حذر كابشوك من أن العلاقات الروسية- الأميركية المضطربة أصلاً قد تشهد مزيداً من التوتر جراء تعليق المعاهدة، ولكن الإعلان الروسي عن إمكانية نشر الصواريخ فوق الصوتية على الحدود الغربية لروسيا يمثل خطوة قد تعيد بعض التوازن لمعادلة الرعب الرادع التي بات الأميركيون قاب قوسين أو أدنى من الإخلال بها. أميركا وانتهاك الاتفاقية وفي الإطار نفسه، يرى القائم بالأعمال الروسي في الدولة يوري فيداكاس أن الولايات المتحدة تنتهك المعاهدة منذ عام 1999، ببدئها اختبار المركبات الجوية غير المأهولة التي لها خصائص الصواريخ البرية نفسها التي تحظرها المعاهدة، مشيراً إلى استخدام الولايات المتحدة الصواريخ الباليستية لاختبار نظام الدفاع الصاروخي، وفي عام 2014 بدأت الولايات المتحدة بنشر مواقع نظام الدفاع الصاروخي في أوروبا في أنظمة الإطلاق العمودية 41 إم كي، وهذه الصواريخ مناسبة تماماً كما هي بالنسبة لصواريخ توماهوك متوسطة المدى. واعتبر المسؤول الروسي أن السلوك الأميركي انتهاك صارخ للمعاهدة، حيث تم بالفعل نشر قاذفات من هذا النوع في رومانيا، والتحضيرات جارية لنشرها في بولندا، وكذلك اليابان. علاوة على ذلك، حددت الولايات المتحدة في استعراض الوضع النووي لعام 2018 مهمة تطوير أسلحة نووية منخفضة المدى، ومن المحتمل أن تكون الصواريخ متوسطة المدى بمثابة وسيلة لتوصيل هذه الأسلحة. كما تم الإعلان عنه مؤخراً فقط أن هذا البند من المعاهدة النووية السوفييتية- الأميركية بدأ يتجسد مع صواريخ من هذا النوع تدخل الإنتاج. ويوضح فيداكاس أنه فيما أعلنت واشنطن في أكتوبر 2018 رسمياً عن نيتها الانسحاب من معاهدة إزالة الصواريخ متوسطة المدى وقصيرة المدى، فعلت روسيا كل ما في وسعها لإنقاذ المعاهدة لإيمانها بأهميتها في المحافظة على الاستقرار الاستراتيجي بأوروبا بشكل خاص، وعلى الصعيد العالمي عموماً. وقال فيداكاس إن الوضع مزعج للغاية، ويبدو من أحدث الإجراءات الأميركية أن واشنطن تقوض عمداً المعاهدات والاتفاقات الرئيسة المتعلقة بالأمن العالمي. مضيفاً: «من المؤكد أن الاستراتيجية الأميركية لا تجعل العالم أكثر أماناً. لا يمكن التنبؤ بالعواقب ذات الصلة لتقويض هيكل الأمن الدولي العالمي». وحسب المسؤول الروسي ذاته، فإن قرار الولايات المتحدة بتدمير المعاهدة لن يساهم في تحسين العلاقات الثنائية بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأميركية. إلغاء المعاهدة سيزيد من التوتر من جانبه يرى د. نبيل ميخائيل أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، أن إلغاء المعاهدة سيؤدي إلى ارتفاع مستوى التوتر ما بين الولايات المتحدة وروسيا، معتبراً أن سبب إلغاء المعاهدة هو اتهام واشنطن لدول عدة بتطوير أنظمة صواريخ ذات مدى أكبر من مدى الصواريخ المتوسط الذي اتفق عليه عند توقيع المعاهدة. وقال: بإمكان واشنطن وموسكو استهلال جولة من المفاوضات قد تؤدي إلى اتفاق حول نشر أجيال جديدة من الصواريخ على دقة عالية من التصويب وذات مدى قصير، لكن هذا سيستغرق وقتاً. ويعتبر ميخائيل أن المشكلة الحقيقية للولايات المتحدة تكمن في عدم قدرتها على منع الصين وإيران من صناعة ونشر صواريخ متوسطة المدى وعالية القدرة في التصويب، موضحاً أن صواريخ إيران باتت تمثل كابوساً جديداً لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يدعو ترامب لاستغلال كل الإمكانات لمواجهتها. ويتساءل هل ستشعر روسيا بخطر من قبل الصين وإيران بسبب قدرتهما على نشر صواريخ متقدمة؟ واشنطن تسعى لإرهاق الاقتصاد الروسي ويستهل المحلل والخبير العسكري زياد الشيخلي تعقيبه: «لكي نحلل سياسية الدول العظمى وكيف تتحرك، يجب دراسة المجالات الحيوية للدول، وكما يقال (تصريف مياه تحت سطح الأرض)! وهذا تعبير مجازي عن خفايا السياسة وأسرار الدول». ويرى الشيخلي أنه مما لاشك فيه اليوم، أن الساحة السياسية الدولية تشهد توتراً كبيراً نتيجة للصراع الدائر في العالم، وتحديداً منطقة الشرق الأوسط، وكان لهذا انعكاساته السلبية على الاتفاقات والمعاهدات الدولية كافة التي أبرمت في السابق! وأن العالم سيشهد حقبة جديدة يمكن أن نطلق عليها (مرحلة استثنائية)، لاسيما أن الأميركيين قد أعلنوا أيضاً قبل شهور عدة عن نيتهم الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وفي هذه الحالة لا يمكننا فصل الأحداث عن بعضها وما ستؤول إليه الأمور من مآلات وتداعيات سلبية على النظام السياسي الدولي والعلاقات الدولية! ونتيجة لهذه السياسات التي في جوهرها التخبط وعدم وضع الأمور في نصابها، من المتوقع بروز ملف توتر جديد في العلاقات الأميركية- الروسية. وتابع الشيخلي «إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن ألمانيا وحلف الناتو، قد أعلنوا تضامنهم مع الانسحاب الأميركي من هذه الاتفاقية، متهمين روسيا بخرق بنود الاتفاقية، فإن البحث في الانعكاسات والتداعيات يتوقف كله على الشرق الأوسط والوجود الروسي في سوريا، إذ من المتوقع أن يترتب على هذا الانسحاب ملفات جديدة تخص النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط». وأشار إلى أهمية الموقف الاقتصادي والأمني والنفوذ العسكري في مناطق النزاع المختلفة في منطقة الشرق الأوسط والتي تعتبر الدجاجة التي تبيض ذهباً لمن يسيطر عليها بشكل كامل وبنفوذ أقوى. التنين الصيني يقلق واشنطن ويرى اللواء فايز الدويري المحلل والخبير العسكري، أن الاهتمام الأميركي هو ما يجري في بحر الصين وقناة تايوان والتسليح الصيني، حيث إن 75% من صواريخ الصين قصيرة ومتوسطة المدى، وأن الصين قد تصبح خلال 30 عاماً الاقتصاد الأول في العالم، وبالتالي هي مَن يشكل الخطر الحقيقي على واشنطن. وأضاف الدويري أن الولايات المتحدة تسعى لاتفاقية متعددة الأطراف، تشمل صواريخ الهند، باكستان، كوريا الشمالية، وإيران. لكن الشيخلي رأى أن واشنطن تسعى لإرهاق روسيا بسباق تسلح يرهق الاقتصاد الروسي مثل ما حدث في حرب النجوم. وسط قلق أوروبي فرنسا تلوح بقدرتها النووية وتنفذ محاكاة نادرة في أول رد فعل أوروبي على تعليق المعاهدة المبرمة بين الولايات المتحدة وروسيا، نفذت فرنسا محاكاة نادرة لمهمة ردع نووي على مدى 11 ساعة، اختبرت المهمة التي تضمنت إعادة التزود بالوقود كل مراحل عملية هجومية بطائرة رافال. ويعكس الإجراء الفرنسي حجم القلق الذي تواجهه القارة الأوروبية جراء المواقف الأميركية والروسية إزاء المعاهدة النووية، وكانت فرنسا أوقفت اختبار أسلحتها النووية عام 1996 بعدما أثار أحد الاختبارات في جنوب المحيط الهادي غضباً عالمياً، وصارت منذ ذلك العام أحد الأطراف الموقعة على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. وتنفق فرنسا نحو 3.5 مليار يورو (أربعة مليارات دولار) سنوياً للمحافظة على مخزونها من الأسلحة النووية الذي يتضمن 300 غواصة وأسلحة نووية جوية، وتعتزم تحديث قدراتها بإنفاق خمسة مليارات يورو سنوياً بحلول عام 2020.
مشاركة :