الشارقة: علاء الدين محمود شهد قصر الثقافة في الشارقة أمس الأول، عرض مسرحية «نوح العين»، ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، لفرقة «ليالي أوال المسرحية» من البحرين، من تأليف جمال الصقر وإخراج أنور أحمد، وتمثيل: أحمد المبارك، حسن عبد الرحيم، عبد الله السويد، منى فيروز، يعقوب القوز، ياسين قازاني، حمد عتيق، ومحمد سعد. تحكي قصة المسرحية عن «السقا» و«العين»، والعلاقة التي ربطت «السقا» ببئر الماء في حي قديم «الفريج»، حيث كان يقوم بعمله بصورة يومية وبهمة عالية ليوفر لأهالي المنطقة حاجتهم من المياه العذبة، وكان يلعب دوراً اقتصادياً محورياً، فإذا غاب توقفت معه حياة الفرجان، لذا فإنه لم يتوقف عن عمله هذا حتى في أحلك الظروف التي عانآها سكان المكان، عندما اشتدت بهم وطأة الحياة، وصار في أحايين كثيرة يوزع الماء على الناس دون مقابل، فكان يحب عمله، الذي ارتبط به بشكل عجيب، وذلك نابع من شخصيته العطوفة والمحبة، حيث عرف بين الناس بأنه رجل شهم وفيّ يحب الخير ويتمتع بأخلاق عالية. كان أهل الحي يسمحون ل»السقا» بدخول بيوتهم حتى صار ينتمي لكل بيت في الفريج.إلا أن بيتاً واحداً في المنطقة خصه بمحبته، وهو المنزل الذي كانت تقطنه «نيمة»، وهي ابنة التاجر العم عبد الرحمن، حيث إن السقا وقع في حب نيمة، لتبادله الفتاة الرومانسية البسيطة شديدة الحياء، ذات المشاعر، لما وجدت فيه من الشهامة وحب الخير، وكل الصفات الطيبة التي تنتمي إلى ثقافة المكان، غير أن ذلك الحب يتعرض للكثير من المصاعب، خاصة أن هنالك من يتربص بالمحبين، وهو «مسعود»، فقد كان هو الآخر يحب «نيمة»، ويريد الزواج بها، وكان يفتعل المشاكل مع السقا، ويحط من قدره وعمله الذي يقوم به أمام الناس، فاشتبك معه في إحدى المرات وأصابه في يده، وكاد الأمر أن يتطور لولا تدخل أهالي الفريج، خاصة «سبت»، الشاب الطيب المسكين، وهو شقيق مسعود، لكنه يختلف عنه في طباعه، لتطلب نيمة من السقا أن يدخل إلى البيت لتداوي جروحه، وخضع السقا لطلبها بعد إلحاح شديد منها، ليذهب مسعود ويخبر والد نيمة، بأن السقا يوجد مع ابنته في البيت وحدهما، فتثور ثائرة الأب ويقوم بطرد السقا. وللقصة طريق آخر تأخذنا إليه الحكاية، حيث كانت هنالك أصوات غريبة تصدر من بيت مسعود، هو صوت امرأة تغني عن الماضي بشدو حزين، وهي والدته، وعند بحث بعض أهالي الحي عن سر تلك المرأة، يقوم «حجي مبارك» بكشف المستور، فالمرأة هي أيضا أم السقا، ليتفاجأ الناس بأن السقا ومسعود هم إخوة من أم واحدة، حيث كانت متزوجة من رجل كريم عطوف، أنجبت منه السقا، ولأنها كانت في غاية الجمال قام أحدهم باختطافها وقتل زوجها، والتزوج بها فأنجب مسعود وسبت. نجح مؤلف النص في كتابة حكاية من عمق الأدب الشعبي الخليجي، تلامس ذاكرة كل إنسان عاش في المنطقة، كما أنها تبرز جانب الانتماء والهوية الثقافية، وهذا ما خلق تفاعلاً كبيراً من الحضور، فالكل أحس أن هذه القصة هي جزء من ذاكرته، وبيئته وتكوينه الثقافي. كما نجح مخرج العرض في خلق لوحات بديعة ومدهشة، صاغها من نص الحكاية التراثية، فشكل منها حالة مسرحية رائعة، خاصة فيما يتعلق بعكسه لصراع الشخصيات، حيث قدمه بأبعاد درامية مميزة، وصنع من القصة التقليدية مركباً درامياً متعدد الأبعاد والرؤى، واستخدم عدداً من تقنيات المسرح والسينما والتلفزيون، خاصة فيما يتعلق بالديكور، وتقنية «الفلاش باك»، عند استرجاعه لمشهدي قتل والد السقا، والبئر في الماضي. حاول المخرج توظيف السينوغرافيا بشكل يغني اللوحات المشهدية، عندما شكّل عبرها عدداً من الدوائر المضيئة لتفسر الحالات النفسية والمزاجية، كما استعان بألوان محددة في رصد المشاهد الخاصة، مثلما فعل في مشهد اللقاء الغرامي بين نيمة والسقا، ولعبت الموسيقي دوراً مميزاً في الأحداث، خاصة في مشهد الزفاف. انقسم المشاركون في الندوة التطبيقية التي تلت العرض، والتي قدمتها غادة الفيحاني، إلى مجموعة تقر بأحقية أن يكون العرض ضمن المهرجان، لكونه استوعب فكرة المسرح الخليجي، فجاء بحكاية من الموروث الشعبي، وأخرى ترى أن العرض جاء تقليدياً وهو أشبه بعروض الفرق الشعبية. وذكر المسرحي عثمان فارس، أن العمل جاء شبيهاً بالدراما التلفزيونية، فهو ليس من الأعمال التي تقدم لمثل هذا المهرجان. غير أن الناقدة عزة القصابي، كان لها موقف مختلف عندما أكدت بأن المهرجان يحتمل مثل هذا العرض، فهو يخاطب جمهور الخليج بلغتهم وثقافتهم، وجاء بالفعل شبيهاً بالدراما التلفزيونية من خلال تركيبة الديكور وجمالية العمل، غير أن ذلك ليس أمر معيباً. بينما أشار يوسف الصغير إلى أن المسرحية هي عرض تراثي، وكثير من المسرحيين يحبون أن ينهلوا من التراث ، وقد شاهدنا تراثاً بحرينياً غاية في الروعة. فيما ذكرت الناقدة رنا عبد القوي أن العرض إنساني من الدرجة الأولى، وأطروحته مثلت ثيمة الحب، وانبنى على خطوط درامية فجرت أحداثاً في الماضي. وأكد الناقد والمخرج محمد سيد أحمد على ضرورة أن يمارس النقد بمحبة، فهذا العمل هو عرض بسيط، حيث إن المخرج اقترح قصة كلاسيكية وتقليدية، ومن الضروري أن يأتي الحساب وفقاً لمنطق المسرح نفسه، أي الكيفية التي أنجز بها المخرج هذا المقترح، فهو أفلح في تقديم عمل قريب من القلب.
مشاركة :