من أجمل الكلمات في الفصحى والمحكية كلمة «أبشر»، والبشر والبشارة تأتي دوماً في سياقات المكافأة والفرج، وجاءت كثيراً في القرآن الكريم والسنة النبوية والنثر والشعر العربي، بدءاً من «وبشّر المؤمنين» وليس انتهاء بتبشير الصابرين جعلني الله وإياكم منهم. لقد كانت تسمية نظام الخدمات الإلكترونية في وزارة الداخلية السعودية بالاسم المختصر «أبشر» واحدة من أفضل الخيارات، لما للكلمة من دلالات وجدانية مهمة في الثقافة العربية، ولأن هذا النظام كان من أوائل «البشائر» بتحوّل الخدمات الحكومية إلى خدمات إلكترونية أو رقمية، كما أن «أبشر» كلمة يقولها من سيلبّي طلباً أو حاجةً لآخر، ولطالما وضع ملوك وأمراء هذه البلاد إصبع السبابة على أنوفهم قائلين «أبشر» أو «أبشري» لصاحب أو صاحبة حاجة أو طلب أو اقتراح. لن أقول عن الحملة المنظمة حول تطبيق «أبشر» على الهواتف الذكية أنها مضحكة، لأنها في سياق جاد ومستمر لمهاجمة بلادنا وقادتنا، وهي توضح كيف أن «اللوبيات» تتحرك وتحقن بالمال، وهي أيضاً تنبهنا مجدداً إلى أهمية القوى الناعمة لدعم القوى الصلبة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. النظام الإلكتروني «أبشر» سيبقى علامة تطور تقني، فهو يقدم أكثر من 160 خدمة إجرائية مختلفة لشرائح المجتمع كافة، من مواطنين ومقيمين بمن فيهم من النساء وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة الذين تمثل الخدمات الحكومية الإلكترونية وسيلة أساسية ومباشرة لهم لتنفيذ الإجراءات الخاصة بهم في أي وقت ومن أي مكان، كما جاء في بيان وزارة الداخلية، وكما نعرف جميعاً. هذا النظام قصة فخر سعودية، فقد تم تصميمه وتطويره وتشغيله وحمايته محلياً، وهو من نجوم الحكومة الإلكترونية في السعودية، إنه جزء من التنمية التي تدعو لها الأمم المتحدة في برامجها ويحث العالم الخطى نحوها. النظام في شكلة الموجود على الإنترنت، وفي تطبيقه على الهواتف هو منصة إلكترونية خدمية، وليس أداة رقابية كما يدعون، ولكن طلب وسيلة إعلامية أو شخصية لها أجندة حذفه وتوجيه هذا الطلب إلى الشركتين الأميركيتين ينبهنا وينبه العالم إلى احتكارات هذه الشركات، وهيمنتها التي تقوّض مفهوم الرأسمالية من أساسه، المرتكز على التنافسية العادلة وعدم الاحتكار، وتجعلنا نفكر في مستقبل تقني تتحقق فيه استقلالية يسعى أكثر من طرف في العالم لها. أما الموضوع الذي من أجله تثار هذه الزوبعة، والذي أشك أنه السبب الحقيقي لكل هذه الحملة، وهو موضوع سفر المرأة كجزء من موضوع أعم هو موضوع الولاية، فالسعودية عملت وتعمل جدياً على معالجة الاستخدام السيئ للولاية، والمرأة في السنوات الأخيرة وما تحقق لها من تمكين وفرص كأنما يقول لها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وكل الرجال المنصفين «أبشري بعزك يا بنت»، لأنهم يعلمون أن عزها واعتزازها بدينها وثقافتها عز لهم وللوطن. «أبشري بعزك يا بنت» سمعتها المرأة السعودية، وستسمعها كثيراً وقريباً ومتعاقباً، وسيرى هؤلاء يوما ما أنه حتى إذا منحت حق السفر من دون إذن للمؤهلات لذلك فهي ستظل تستأذن من أبيها أو زوجها أو رجلها أياً كان، حباً وتأدباً وبرّاً.. لا إكراهاً. @mohamdalyami
مشاركة :