طالب السفير مـــهـنـد العـــكــــلــوك السفير المناوب لمندوبيه فلسطين لدى جامعة الدول العربية، المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، بإعمال صلاحياتها وفتح تحقيق جنائي بالجرائم الإسرائيلية واضحة المعالم بحق الشعب الفلسطيني، وذلك لنزع اعتقاد القيادة الإسرائيلية أنها فوق القانون، موضحا ان فتح التحقيق، سيشكل أداة من أدوات ردع هذه القيادة الإسرائيلية عن ارتكاب المزيد من الجرائم.وقال في كلمته خلال ندوة المحكمة العربية لحقوق الإنسان في ضوء تجارب المحاكم الإقليمية والدولية، والتي عقدت اليوم الاثنين بمقر الجامعة العربية، أن كل مظاهر وسياسات الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين، هي انتهاكات ممنهجة وفي غالب الأحيان جسيمة لحقوق الشعب والإنسان الفلسطيني.وأضاف "العكلوك" أن إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، وحقوق الإنسان، شيئان متناقضان، لا يلتقيان، لكن ربما تجد قواسم مشتركة كثيرة بين ممارسات قادة الاحتلال الإسرائيلي والجرائم المصنفة في المحاكم الدولية، وترى أن مؤسسات حقوق الإنسان، أو خبراء القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، هم أشد المنتقدين لإسرائيل، لأنهم أكثر من يعلم مدى فداحة ما ترتكبه إسرائيل من جرائم بحق الشعب والإنسان الفلسطيني، وفداحة قدرتها، حتى اليوم، على الإفلات من العقاب والقصاص العادل.وقال السفير العكلوك "بناء على ذلك أستطيع التحذير بأنه كلما رأيت المسؤولين الإسرائيليين عن تلك الجرائم خارج قفص المحاكم الدولية، عليك أن تعلم أن هناك خلل جسيم في آليات تطبيق العدالة، ذلك لأنك إذا مررت على قواعد القانون الدولي وتعريفات الجرائم والانتهاكات الجسيمة بموجبه، ستشعر بأن رئيس حكومة الاحتلال، وكأنه يمسك قائمة من تلك الجرائم check list، ويضع علامة صح على كل واحدة يقوم بها. لكن هذا الحال لن يدوم إلى الأبد. ولأجل مثل هذه الحالة، وُضع نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قبل حوالي 20 سنة من الآن، وتحديدًا في 17 يوليو من عام 1998.وأوضح السفير العكلوك، ان اختصاص المحكمة الجنائية الدولية تتمثل المهمة المنوطة بالمحكمة عمومًا في التحقيق بشأن الأشخاص المتهمين بارتكاب أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي، ومحاكمتهم إذا لزم الأمر. والجرائم التي تقع في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية هي: 1) جرائم الإبادة الجماعية 2) وجرائم الحرب 3) والجرائم ضد الإنسانية 4) وجريمة العدوان. وتشارك المحكمة في مكافحة الإفلات من العقاب على الصعيد العالمي وتهدف من خلال العدالة الجنائية الدولية إلى محاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم والعمل على منع وقوعها من جديد.وأضاف أن انضمام دولة فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية ما بين عام 1991، العام الذي بدأت فيه عملية السلام في مؤتمر مدريد، وعام 2015، العام الذي انضمت في مطلعه دولة فلسطين إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بلغت المدة 24 سنة. وأقصد بذلك أن دولة فلسطين وقيادتها، منحت عملية السلام ربع قرن لمحاولة الوصول إلى اتفاق سلام عادل يلبي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، لكن دون فائدة. حيث أن هدف "إسرائيل" من مفاوضات السلام كان غير الهدف الذي سعت فلسطين لأجله.ولذلك رأت القيادة الفلسطينية أن كل الفرص قد استنفذت، وأن الوقت قد حان لاستخدام آليات العدالة الدولية، ومنها المحكمة الجنائية الدولية، كوسيلة مشروعة لمساءلة قادة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمهم، وإنهاء هذا الاحتلال، وحماية المدنيين الفلسطينيين، والعمل على إحقاق الحقوق غير القابلة للتصرف وتحقيق العدالة التي طال انتظارها للشعب الفلسطيني.• أودعت دولة فلسطين يوم 1 يناير 2015، إعلانًا خاصًا بناء على المادة 12 فقرة (3) من ميثاق روما (النظام الأساسي)، منحت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية اختصاصًا قضائيًا بأثر رجعي منذ 13 حزيران / يونيو 2014 للنظر في الجرائم التي ارتكبت والجرائم المستمرة التي ترتكب في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية لتضمن محاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي عن جرائمهم بما فيها تلك التي ارتكبت خلال العدوان على قطاع غزة في العام 2014، وخاصة جرائم الحرب، والجرائم ضد الانسانية.• وفي اليوم التالي، أي يوم 2 يناير 2015، أودعت دولة فلسطين صك الانضمام إلى نظام روما الأساسي، لدى الأمين العام للأمم المتحدة، وبدأ نفاذ الانضمام في 1 أبريل 2015.• وفي هذا السياق قررت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية من تلقاء نفسها، بتاريخ 16 يناير 2015 فتح الدراسة أولية للحالة في فلسطين.الدراسة الأولية Preliminary Examination:الدراسة الأولية في نظام روما الأساسي، ليست تحقيقًا، ولا تفضي تلقائيًا إلى فتح تحقيق، لكنها إجراء تضطلع به المدعية العامة للمحكمة للنظر في المعلومات المتيسرة من أجل اتخاذ قرار مدروس فيما إذا كان ثمة أساس معقول يسوغ مباشرة التحقيق وفقًا للمعايير التي نصت عليها المادة 53 (1) من النظام الأساسي، والتي فصّلتها المدعية العامة إلى أربع (4) مراحل phases:1- التقييم الأولي، ويشمل تحليل المعلومات الواردة إلى المحكمة من الأفراد والجماعات والدول حول جرائم ارتكبت أو يتم ارتكابها، وتقييم مدى موثوقية المعلومات، ومدى ملاءمتها لولاية المحكمة القضائية (إبادة، ضد الإنسانية، جريمة حرب، عدوان).2- دراسة الاختصاص، تقييم ما إذا كانت هذه الجرائم تقع ضمن اختصاص المحكمة الإقليمي والزمني والشخصي، وما إذا كانت الجرائم المزعومة تُمارس على نطاق واسع وممنهج. 3- دراسة المقبولية، ويتعلق ذلك بطبيعة المحكمة كأداة عدالة تكميلية، بحيث يتم التأكد مما إذا كان الشخص المعني تتم أو تمت محاكمته في محكمة وطنية ذات ولاية قضائية، وإذا تم ذلك، هل تم بنزاهة وعدالة؟4- مصلحة العدالة، وفي هذه المرحلة الأخيرة من الدراسة الأولية يتم تقييم ما إذا كان فتح التحقيق سيصب في مصلحة العدالة، أم هناك ظروف أخرى يمكن أن تلعب دور آخر.إلى أين وصلت الدراسة الأولية بشأن الحالة في الفلسطينية؟مازال مكتب المدعية العامة يعمل في الدراسة الأولية، وقد وصلت الدراسة إلى قرب نهاية المرحلة الثانية. حيث قام مكتب المدعية العامة في مرحلة التقييم الأولي، باستكمال جمع وتحليل المعلومات المتعلقة بالجرائم التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ليتأكد مما إذا كانت المعلومات تقع ضمن الاختصاص القضائي للمحكمة أم خارجه، وإذا ماكنت تشكل موضوعًا للدراسة الأولية أو التحقيق أو المقاضاة.وثم انتقل إلى المرحلة الثانية، حيث يوشك على الانتهاء من دراسة الاختصاص، من خلال دراسة ثلاثة عناصر تتعلق:1- الاختصاص الزمني: وهو صالح بموجب الإعلان الذي قدمته فلسطين، والذي يبدأ من 13 يونيو 2014 بحيث يشمل العدوان الإسرائيلي على غزة.2- الاختصاص الموضوعي، وقد توصل مكتب المدعية العامة، بناء على ما ورد في التقرير السنوي الأخير الصادر عنه، إلى أن هناك أساس معقول يدل على أن الجرائم المزعومة تدخل ضمن نطاق المحكمة: جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.3- الاختصاص الإقليمي، وقد اعتمد مكتب المدعية العامة الاختصاص الإقليمي كأساس له كون أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي هي جرائم ترتكب على إقليم دولة فلسطين، حتى وان كانت اسرائيل غير عضو في المحكمة فهذا لا يعفيها من المساءلة امام المحكمة بحكم ان جرائمها ترتكب في ارض دولة عضو.وتوشك الدراسة الأولية بشأن الحالة في فلسطين إلى الانتقال إلى مرحلة المقبولية، فإذا ماتوصلت المدعية العامة إلى أن الحالة في فلسطين مقبولة أي ان الجرائم التي ترتكب في ارض دولة فلسطين جسيمة، وانه لا يوجد اختصاص تكميلي اي لا يوجد محاكمات وطنية، او ان هذه المحكامات شكلية ولا تلبي بالغرض، وهذا واضح تماما بان اسرائيل لا تنوي التحقيق في هذه الجرائم، وخاصة وان جريمة الاستيطان بحد ذاتها جريمة ترتكبها الدولة بشكل مباشر، وعليه بموجب المعايير المذكورة أعلاه فإنها ستنتقل للمرحلة الرابعة والأخيرة المعروفة بمصالح العدالة، ونحن نعتقد ان العدالة ومصلحتها تتوفر في فتح التحقيق، وكنا نتوقع من المدعية العامة ان تفتح قبل نهاية العام الماضي.وقال السفير العكلوك ان دولة فلسطين قدمت عدة بلاغات للمحكمة:تعاونت دولة فلسطين مع المحكمة منذ اليوم الاول لانضمامها، وقامت بتقديم المعلومات للمحكمة، على شكل بلاغات submissions، بشأن جرائم ممنهجة وواسعة النطاق ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، يمكن أن تصنف على أنها جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية:• بتاريخ 25 يونيو 2015 قدمت وزارة الخارجية والمغتربين للمدعية العامة بلاغًا من ثلاثة ملفات اساسية، يشمل معلومات عن: 1) الاستيطاني الاستعماري غير القانوني وآثاره الإجرامية على الشعب الفلسطيني، 2) الجرائم التي ترتكب بحق الأسرى من اعتقال تعسفي وتعذيب، ونقل قسري خارج الأرض الفلسطينية المحتلة، 3) مجموعة الجرائم التي ارتكبتها سلطات الاحتلال اثناء العدوان العسكري على قطاع غزة عام 2014، والحصار غير الشرعي على القطاع. • بتاريخ أغسطس 2015، تم تقديم مذكرة تكميلية تتعلق بارهاب المستوطنين، بما يشمل حرق عائلة دوابشة، وسياسة الإفلات من العقاب والفشل المنظم في التحقيق، وان منظومة ما يسمى بالعدالة والقضاء الاسرائيلي ما هي الا اداة من ادوات الاحتلال.• تبع ذلك تقديم مذكرة أخرى في 30 أكتوبر 2015 تتمحور حول الإعدمات الميدانية وخارج نطاق القانون، هدم البيوت والاعتقال الإداري إلى جانب إظهار الفشل الممنهج وواسع النطاق في النظام القانوني والقضائي الإسرائيلي في محاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي عن جرائمهم بحق المدنيين الفلسطينيين. • في 16 نوفمبر 2016 قدمت وزارة الخارجية بلاغًا جديدًا متعلقًا بالجرائم المستمرة التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين بحق الأطفال الفلسطينيين وذلك بمناسبة إطلاق مكتب المدعية العامة لورقة سياسات تتعلق بالتعامل مع الجرائم التي تُرتكب بحق الأطفال.واستمرت دولة فلسطين بتقديم تقارير شهريةٍ توثق الانتهاكات وتزوّد من خلالها المدعية العامة بمعلومات تتعلق بالجرائم اليومية التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين بحق أبناء الشعب الفلسطيني. قدمت دولة فلسطين الإحالة للمحكمة:في 22 مايو 2018، وعملًا بالمادتين 13 (أ) و14 من نظام روما الأساسي، استخدمت دولة فلسطين حقوقها كدولة عضو في المحكمة بإحالة الحالة القائمة في فلسطين إلى المحكمة للتحقيق فيها ملتمسةً على وجه التحديد من المدَّعية العامة فتح التحقيق، بموجب الاختصاص الزمني للمحكمة، فيما سبق ارتكابه وما يجري ارتكابه وما سيُرتكَب مستقبلًا، في كل أنحاء فلسطين من جرائم تدخل في اختصاص المحكمة.واكد انه تتضمن الاحالة تركيزًا خاصًا على جريمة الاستيطان الإسرائيلي، بوصفها سياسة حكومية إسرائيلية تمارس بشكل ممنهج وواسع النطاق، وينتج عنها جرائم: اضطهاد وطرد وإبعاد المواطنين الفلسطينيين، وحرمانهم من حقوقهم، ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم، وهدم بيوتهم، وقمعهم واعتقالهم تعسفيًا، وفرض تمييز عنصري ضدهم، ونقل مستوطنين إسرائيليين إلى الأرض الفلسطينية المحتلة. كل هذه تشكل جرائم واسعة النطاق ترعاها الحكومة الإسرائيلية، وتدخل في نطاق جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية. وقد جاء تقديم هذه الاحالة تأكيدًا على أن سعي دولة فلسطين لتحقيق العدالة، إذ تعتبر العدالة بمثابة ركن أساسي لأي سلام عادل وقابل للحياة، وان التخلي عن انصاف ضحايا جرائم الاحتلال من شأنه تقويض أي جهود تبذل لتحقيق السلام.جاء وقت فتح التحقيق مع قادة الاحتلال الإسرائيلي:ونظرًا لما تمر به فلسطين هذه الأيام تحديدًا قرارات القيادة الإسرائيلية المتعلقة ببناء الاف الوحدات الاستيطانية، مدعمة بالقرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف أنها "عاصمة إسرائيل" وقيام الكنسيت الإسرائيلي بإقرار قوانين عنصرية كما يسمى قانون القومية، فقد بات على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إعمال صلاحياتها وفتح تحقيق جنائي بهذه الجرائم الإسرائيلية واضحة المعالم، وذلك لنزع اعتقاد القيادة الإسرائيلية أنها فوق القانون، وسيشكل فتح التحقيق، اداة من ادوات ردع هذه القيادة الاسرائيلية عن ارتكاب المزيد من الجرائم.صحيح انه بموجب نظام روما الأساسي، يحق للمدعية العامة فاتوا بنسودا أن تقرر ما إذا كانت ستفتح تحقيقًا او لا، وان النظام لم يحدد فترة زمنية ذلك، إلا أننا نعتقد أن من واجبها القيام بذلك في إطار زمني معقول ومع احترام مبدأ: أن تأخر العدالة هو إنكار للعدالة.السيدات والسادة،واختتم السفير العكلوك كلمته بالقول، إن قضية فلسطين والجرائم الإسرائيلية كاملة الأركان والأوصاف، تضع العالم الذي نعيش فيه، أمام لحظة الحقيقة، وتضع العدالة الدولية أمام اختبار واختيار لا مفر منه، فإما أن تنصف الشعب الفلسطيني المظلوم، أو أن يبقى المجرم طليقًا فوق القانون، يكشف عورة العدالة المُدعاة الناقصة، قائلا " نحن لم نفصّل القانون الدولي لنحاكم إسرائيل، ولكنها فصّلت جرائمها لتحاكم القانون الدولي.
مشاركة :