نسمع من حين لآخر، أخبارا عن جريمة قتلٍ عمد، وهذه الأخبار موجودة في أغلب أو كل دول العالم، والجهات الأمنية في هذه الدول تحارب هذه الجرائم بشتى الطرق، من خلال فرض العقوبة، سواء بالسجن أو الإعدام. ولكن تطبيق العقوبة وحده قد يكون غير رادع، وغير كاف للحد من أو القضاء على هذه الجرائم، لذلك يجب النظر إلى المحفزات والدوافع والأدوات التي تسهل حدوث هذه الجرائم. فعلى سبيل المثال، من سنوات والولايات المتحدة تحاول أن تقضي على أهم دافع ومحفز للجريمة لديها، وهو سهولة الحصول على السلاح الناري واقتنائه، حيث إن اقتناءه يعتبر حقا لكل مواطنٍ أمريكي، استنادا إلى دستور الولايات المتحدة، وإلى الآن لم تنجح في تعديل دستورها لهذا الغرض، وذلك لأسباب اقتصادية وسياسية.أما لدينا في السعودية، فالوضع مختلف، والمحفزات مختلفة، ولكن البارز منها هو الدوافع الناشئة عن النعرة الجاهلية الدخيلة على شبابنا، واستعداد ذويهم لدفع أي مبالغ لإنقاذ مرتكب الجرائم من القصاص. وهذه حقائق تعتبر أُسُسا حاضنة للجريمة، فالشريعة الإسلامية وضعت الحدود في القتل، فإذا كان القتل عمدا فإن القاتل إما أن يُقتل قصاصا، أو يُعفى عنه لوجه الله، أو يتنازل أهل القتيل مقابل مبلغ مالي. وفي وقتنا الحالي فأساس المشكلة، ليست الدية نفسها، والتي تقاس بمائة من الإبل بحسب سعرها في أي عصر، بل في الصلح على المبلغ الإضافي للتنازل عن القصاص، ومع أنه جائز شرعا ولا نعارضه ولا نطالب بإبطاله، ولكن نحتاج إلى دراسته، وربطه بالمصلحة العامة، ومدى كونه أحد محفزات القتل، وما ينتج عنه من أحداث غير مرغوبة مثل ظهور السماسرة الذي يدعون الصلح، وهم أساسا سبب في رفع مبالغ الصلح.الصلح في القصاص جائز شرعا، ولكنه مطلق لم يتم تقييده بحدٍ معين، فلو ربطنا ذلك بالمصلحة العامة، وأحصينا الأضرار التي تنتج عن المبالغة في مقدار الصلح، واعتبرنا هذه الواقعة من النوازل وطبقنا أحكامها عليها، فإن القائمين عليها باستطاعتهم إيجاد حلول مختلفة، مثل تحديد سقفٍ أعلى لمبالغ الصلح في الدم، أو تخصيص جزء منها لأعمال خيرية على نية القتيل.والأهم، أن يتم تنسيق إجراءات الصلح كاملة من قبل لجنة دائمة تتكون من عدة جهات حكومية مثل «وزارة العدل، ووزارة الداخلية»، بدون تدخل من أي أطراف أخرى غير أصحاب الشأن. حينها، ستتم إجراءات الصلح بطريقة مؤسسية ومنظمة، وبدون تأجيج وجمهرة. وكل ذلك، سيؤدي إلى تطبيق أحكام الشرع والأنظمة ذات العلاقة بفعالية، لتكون رادعا مؤثرا لكل من يفكر في الشروع بالقتل.
مشاركة :