تأبى المصائب أن تضرب "إتش.إس.بي.سي" HSBC فرادى، وتفضل أن تضربه جمعا، فالمصرف الذي يمر بواحدة من أكبر فضائحه المالية لمساعدته عديد من الأثرياء على التهرب من دفع الضرائب، أعلن أن 2014 كان عاما "مخيبا للآمال" بعد تعرضه لتراجع في الأرباح بنسبة 17 في المائة. وأعلن "إتش.إس.بي.سي" أمس تحقيق أرباح قبل الضرائب بـ 18.7 مليار دولار في العام الماضي انخفاضا من 22.6 مليار دولار في 2013م، ما دفعه لخفض هدفه للعائد على السهم إلى أكثر من 10 في المائة. وقال ستوارت جوليفير، الرئيس التنفيذي للمصرف البريطاني "الأرباح جاءت مخيبة للآمال، على الرغم من أن الربع الأخير الصعب غطى على بعض التقدم الذي تم تحقيقه في الثلاثة أرباح التي قبله". وجنّب "إتش.إس.بي.سي" مخصصات إضافية قيمتها 550 مليون دولار لتغطية غرامات محتملة تتصل بمزاعم تلاعب في أسواق صرف العملات، وحذر من أنه قد يواجه تكاليف قدرها 500 مليون دولار لتعويض عملاء أمريكيين. وبررت إدارة المصرف تراجع الأرباح بالغرامة التي حملتها إياها السلطات المصرفية البريطانية، وقدرها 2.4 مليار دولار، كتسوية مالية لعملاء المصرف، إثر تورطه مع مصارف أخرى منها "باركليز" في التلاعب في أسعار الصرف، وفي خداع العملاء عند بيعهم تغطية تأمينية. وفي محاولة استباقية من "إتش.إس.بي.سي" لدرء الهجوم الذي يتوقع أن يتعرض له من وسائل الإعلام ومن حاملي الأسهم، أعلن أن مديره التنفيذي استيورت جليفر تراجع أجره الشامل (الراتب والحوافز) من 8.3 مليون استرليني سنويا في 2013 إلى 7.6 مليون العام الماضي. وأول ردود الفعل السلبية على تراجع أرباح المصرف تجلت في انخفاض قيمة سهمه في بورصة لندن، إذ تراجعت نحو 5.4 في المائة لتصل إلى أدنى مستوى لها خلال عامين ونصف العام. وقال لـ "الاقتصادية" المحلل الاقتصادي في قسم البحوث والدراسات التابع لمصرف إنجلترا "البنك المركزي"، ايان براون، إن ضغوطا داخلية على "إتش.إس.بي.سي" ستتزايد من كبار حاملي الأسهم ووسائل الإعلام، وبعض المسؤولين عن القطاع المصرفي. وأضاف "الجميع سيحث إداراته على ضرورة إحداث تغيرات سريعة في المناصب القيادية، خاصة أن هناك شبه ثقة لدى الجميع بأن التحقيقات ستثبت تورط الفرع السويسري في فضيحة التهرب الضريبي". وتابع المحلل الاقتصادي "تسريب ملفات تشير إلى أن المدير التنفيذي ستيوارت جوليفير قام بفتح حسابات وأودع أموالا خاصة به في الفرع السويسري، ستؤدي حتما إلى خروجه من المصرف.. المسألة مسألة وقت". وكانت وسائل الإعلام قد كشفت سابقا أن جليفر فتح في عام 1998 حسابا أثناء عمله لدى فرع المصرف في هونج كونج، بمبلغ خمسة ملايين جنيه استرليني مستخدما شركة في بنما. وفي دفاعه عن نفسه ادعى جليفر أنه فتح الحساب في الفرع السويسري "تفاديا لحسد زملائه"، حيث نظام "إتش.إس.بي.سي" في التسعينيات الماضي "كان يسمح لأي موظف بالاطلاع على حسابات أي موظف آخر يعمل معه في المصرف نفسه"، كما يقول. ويرجح مختصون أن يشهد "إتش.إس.بي.سي" مزيدا من التراجع في الأرباح خلال هذا العام، بمعدلات تفوق العام الماضي، من جراء التحقيقات التي بدأت بشأن الانتهاكات القانونية والضريبية للفرع السويسري له. كما تشير توقعات إلى إمكانية فرض غرامات مالية فادحة عليه من قبل السلطات المصرفية في لندن وربما سويسرا أيضا، ما يعزز فرضية تقليص إجمالي الأرباح. ويُلاحظ أن "إتش.إس.بي.سي" قلص سقف طموحات عوائده الاستثمارية، فبعد أن كان يستهدف تحقيق 12 في المائة عائدا على استثماراته قلص المعدل إلى 10 في المائة. وقال لـ "الاقتصادية" الاستشاري المصرفي في عديد من المصارف البريطانية أوليفر برايس "لا شك أن المصرف يمر بوضع حرج للغاية، لكن من المبكر التكهن بشأن أرباح هذا العام، فالخطة الإصلاحية التي تبناها يمكن أن تسهم في تجاوزه تلك الأزمة". ومع هذا، فالخطر الحقيقي الذي يتهدد المصرف حاليا لا يعود إلى تراجع معدل الأرباح، أو ارتفاع التكاليف الإدارية، بل في تدهور السمعة خلال الأعوام الأخيرة. وقال لـ "الاقتصادية" نائب المدير التنفيذي السابق لمصرف نيت وايست، استان بيفن، "السنوات الأخيرة مثلت كابوسا بالنسبة لسمعة النظام المصرفي البريطاني، خاصة المصارف ذات الطابع الدولي". وأضاف "ربما يفلح "إتش.إس.بي.سي" في التغلب على الجانب المالي لأزمته الراهنة نتيجة لضخامة رأسماله، والفضائح التي يتعرض لها لن يكون تأثيرها سلبيا؛ لأن المصرف انتهك القواعد القانونية وحسب". لكنه ذكر أن المصرف "فشل في حماية سرية معلومات عملائه، فقد تسربت تلك المعلومات لوسائل الإعلام عبر العالم، وأيا كانت الطريقة التي تسربت بها، فهو المسؤول الأول". وقال بيفن "غالبا سيدفع المصرف ثمنا باهظا لذلك، ليس من قبل الحكومة لكن من قبل عملائه، فليس كل الأثرياء فاسدين، لكن كل الأثرياء يريدون التمتع بالسرية فيما يتعلق بالحجم الحقيقي لثرواتهم، والأهم ودائعهم المصرفية". وتوقع أن يشهد "إتش.إس.بي.سي" "انسحابات صامتة" من قبل عملائه الأثرياء؛ لأنه فشل في الحفاظ على السرية، مضيفا "هذا سيكون مكلفا للغاية له وربما للنظام المصرفي البريطاني في ظل المنافسة العنيفة التي يواجهها من المصارف الآسيوية والأمريكية".
مشاركة :