الشارقة - اختتم العمل المسرحي “الصبخة”، لفرقة مسرح الخليج العربي الكويتية العروض المتنافسة على جوائز مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي في دورته الثالثة، والذي كتب نصه وأخرجه عبدالله العابر، ويمثل أحدث النتاجات المسرحية التي صنعت خصيصا لهذا الحدث المسرحي البارز. وتناقش المسرحية جملة من القضايا الاجتماعية بكثير من العمق. بتمكن وعمق طالا كل عناصره عالج العرض قضية اجتماعية وإنسانية قديمة حديثة ومستقبلية أيضا، إنها العاطفة الإنسانية الأرقى والأبقى “الحب”، تلك التي لا تزال تواجه الانغلاق والتخلف الفكري والتعنت والرفض في مختلف المجتمعات سواء المحافظة أو المنفتحة حين تتعارض مع السلطة سواء كانت عائلة أو أبا أو أمّا أو دينا أو غيره. وتمتد القضية لتفضح الآثار التي تترتب على القمع الأبوي/ الذكوري/ المجتمعي، المنغلق والمحافظ أو حتى المنفتح إدعاء وزيفا، على التكوين النفسي للأبناء من الجنسين، هذه الآثار التي لا ينفك يتوارثها الأبناء فتأتي المأساة كارثية. ينطلق العرض بأغنية ورقصة إيقاعية تتصاعد حدة موسيقاها بدخول الطبول، فيما تتكشف خشبة المسرح معلنة أن أربعة من أبطال العرض ثلاثة ممثلين وممثلة، يقفون خلف أبواب أو نوافذ أو جدران أو قضبان، ويبدأ كل منهم في الشكوى من الحب ورفض الأهل مباركته، لندخل إلى الزمن الأساسي الذي أسس للمأساة، زمن حب فهد لمريوم، ورفض أسرتيهما مباركة الارتباط بينهما، لكنهما يرتبطان وينجبان مريم التي تبدو علامات رفضها من قبل الأب جلية مقارنة باستقباله للابن منصور حيث يرى فيه عصاه التي سوف يستند عليها مستقبلا. عرض لأحدث الإنتاجات المسرحية عرض لأحدث الإنتاجات المسرحية ثم يتم الانتقال إلى الزمن الآني حيث الابنة مريم تحب وتريد أن ترتبط بمن يحبها، لكن الأب المحافظ يرفض ذلك رغم مواجهة الأم والابنة له وتذكيره بأنه تزوج عن حب رغما عن أبيه، لكنه يصر على أن يقبض على الابنة والابن، هذا الابن منصور الذي تتجلى عليه علامات الاضطراب النفسي، بل الجنون جراء ما يعيشه من انغلاق وقمع تحت سطوة الأب. ومع تصاعد التوتر تتكشّف الأسباب التي جعلت من فهد هذا الأب القاسي الذي يشبه أباه ويماثله، فبعد عودته وزوجته من فرح رفض أن يصحب ابنته وابنه إليه، حتى لا يعلقا بأحد أو يعلق بهما أحد، يعود ليجد ابنه وقد نال من أخته، ليتذكر حين إذن أنه قتل أخته باسم الدفاع عن الشرف بعد أن رآها بصحبة رجل، وتوافق مع أبيه على دفنها. العرض انحاز للمرأة مرسخا صورتها كنبع للحب وحافظ قوي لوجوده ومدافع أصيل عن استمراره على الرغم مما تواجهه من تنكّر يصل إلى درجة القمع والانتهاك النفسي والجسدي. أتقن مؤلف ومخرج العرض تركيب حكاياه وأزمنتها، خاصة في ما يتعلق بفضائه الذي حمله قيما فكرية وعاطفية وجمالية رمزية عالية، إذ استخدم المخرج كل العناصر من إضاءة وديكور وأزياء وموسيقى ومؤثرات صوتية ورقصات إيقاعية وممثلين خدمة لقضيته. هذه العناصر تخلقت كائنات حية وانسابت حركتها على خشبة المسرح بحيوية، فشاركت الإضاءة في إبراز حالات الاضطراب النفسي والجسدي التي كانت تشكلها أجساد الممثلين وحركاتهم وأحاديثهم، والرقصات الإيقاعية مع الموسيقى المستمدة من الموروث الشعبي كانت مميزة وكاشفة عن جدلية العاطفة المأزومة لدى الحبيبين خاصة لدى الابن منصور، وجسدت الأبواب أو الجدران أو القضبان أو القطع المتحركة في انتقالاتها على خشبة حضورا وسلطة لا تقل شأنا عن سلطة الأب القاسي، لنرى في النهاية مشاهد متدفقة متوافقة ومنسجمة تؤكد حرفية البناء الدرامي. الأداء التمثيلي للممثلين جميعهم سماح، يوسف البغلي، على الحسيني، عبدالعزيز بهبهاني، آلاء الهندي، كفاح الرجيب ومنال الجار الله، كان احترافيا، فقد أدى كل واحد دوره بطاقة مدهشة، وكان كل منهم متشبعا بشخصيته رائيا لأبعاده وأبعاد الشخصيات المحيطة به، فجاء أداؤهم صادقا خاليا من التكلف والافتعال، وهو الأمر الذي يؤشر على أنهم عايشوا النص وتدرّبوا عليه جيّدا.
مشاركة :