الشارقة: عبير حسين عبر احتضان الإمارات لرمزين عالميين للتسامح هما: شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، والحبر الأعظم فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، وتوقيع وثيقة «الإخوة الإنسانية» عن قناعتها الراسخة بأن التعاون والتعايش السلمي بين ملايين البشر من دون تمييز بسبب الدين أو العرق أو الطائفة أو الجنس، هو أساس نهضة الأمم واستقرار العالم. استقت الوثيقة ثوابتها من مجموعة القيم الإنسانية والأخلاقية التي تمثل شعاع النور الذي تهتدي به البشرية في محاربتها لظلام الجهل والتطرف، ومحاولتها إدراك شمس الغد المشرق بالتسامح وحرية الاعتقاد، الذي يسوده السلام بين الشرق والغرب، ذلك الغد الذي سيدركه الجميع بعد مواجهة الإرهاب، وإرساء مفاهيم المواطنة، واحترام حقوق الطفل، والمرأة، وحماية الفئات الضعيفة.كانت المرأة واحدة من أهم الثوابت التي أكدت الوثيقة الاعتراف بحقها في التعليم والعمل وممارسة حقوقها السياسية وتحريرها من الضغوط الاجتماعية، لتشكل الخطوة الأحدث في مشوار البشرية الطويل للدفاع عن الكرامة الإنسانية، والتي يمكن رصد آثارها في التاريخ القديم البعيد في «شريعة حمورابي» التي منحت المرأة في عصور ما قبل الميلاد حقوقها في الملكية واختيار الزوج وتوريث الأبناء. ويوثق ويل ديورانت في موسوعته «قصة الحضارة» حقوق المرأة في وادي النيل قائلاً: «صورت النقوش النساء يأكلن ويشربن بين الناس، ويقضين ما يحتجنه في الشوارع من غير رقيب عليهن، ولا أسلحة بأيديهن، كما مارسن الأعمال التجارية والصناعية بكامل حريتهن». ويضيف: «تشهد واحدة من أقدم وثائق التاريخ وهي» وصية نب سنت «لسيدة من عصر الأسرة الثالثة بتقسيم ممتلكاتها وأراضيها بين أبنائها».وبينما اختلفت من بعد تلك الحقوق من حضارة لأخرى، ومن عصر لآخر حتى وصلت في شكلها المعاصر إلى ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة بعد حربين عالميتين طاحنتين خلفتا ندوبهما القاسية على الضمير العالمي قبل إحصاء خسائرهما الاقتصادية والاجتماعية. لذا وردت في ديباجة الإعلان الذي أقر في عام 1948 :«يولد جميع الناس أحراراً ومتساويين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا العقل والوجدان وعليهم معاملة بعضهم البعض بإخاء». وهنا كانت المرة الأولى التي تسبق «الكرامة» كلمة «الحقوق» بإعتبارها أساساً لكل حرية وعدل وسلام. وقبيل اعتماد الإعلان جاءت «الكرامة» في دساتير 5 دول فقط حول العالم، أما الآن فيعترف بها حق أساسي في أكثر من 160 دستوراً من بين 193 دولة عضواً بالأمم المتحدة.بتخصيص وثيقة «الإخوة الإنسانية» بندا ثابتاً خاصاً بالمرأة، يعيد تأكيد حضور نصف العالم، و«كل الحياة»، واعترافاً بدورها في بناء الحضارات منذ عصور ما قبل التاريخ، ورداً لكثير من اعتبارها الذي خصمه الجهلاء منها بانتقاصهم من حقوقها. كما اتفقت الوثيقة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في حضور «الكرامة» في الديباجة، إذ بدأت ب «باسم الله الذي خلق البشر جميعاً متساويين في الحقوق والواجبات والكرامة، ودعاهم للعيش كأخوة فيما بينهم، ليعمروا الأرض وينشروا فيها الخير والمحبة»، لتعود المرأة رقماً ثابتاً وصعباً في معادلة بناء الأمم ولا يمكن الاستغناء عنه في كل إيقاعاته، وتنوعاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. التوازن بين الجنسين.. أبرز التحديات تمثل النساء والفتيات نصف سكان العالم، وبالتالي نصف إمكاناته. وتشير كافة المواثيق الدولية إلى أن التوازن بين الجنسين أمر أساسي لتحقيق السلام في المجتمعات وإطلاق إمكاناتها الكاملة. وفي العام الأول للأمم المتحدة، أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجنة وضع المرأة، بصفتها الهيئة العالمية الرئيسية لصنع السياسات المتعلقة بنهوض المرأة، ثم أصبحت لاحقاً في عام 2010 هيئة دولية مستقلة معنية بكل قضايا النساء حول العالم.في 1979، اعتمدت الجمعية العامة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتحدد الاتفاقية، في موادها الثلاثين، صراحة بنود التمييز ضد المرأة وتضع برنامجا للعمل الوطني لإنهائه. وتستهدف الاتفاقية الثقافة والتقاليد بوصفها قوى مؤثرة في تشكيل الأدوار بين الجنسين والعلاقات الأسرية. في 1985عقد المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلام في نيروبي. وجاء انعقاد المؤتمر في وقت كانت الحركة من أجل المساواة بين الجنسين قد اكتسبت فيه اعترافا عالميا، واعتبر الحدث «ولادة للحركة النسوية العالمية».وخطى المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، الذي عقد في بكين 1995، خطوة أبعد من مؤتمر نيروبي. وأكد «منهاج عمل بيجين» على حقوق المرأة، والتزم باتخاذ إجراءات محددة، لضمان احترام هذه الحقوق. مواقف تمييزية وعلى الرغم من الاتفاقيات، والتفاهمات، والمعاهدات الدولية المتعددة التي أقرتها المنظمات الدولية، و «هيئة الأمم المتحدة للمرأة» لتمكين النساء، إلا أن كثيرا من التقارير الدورية الصادرة كل عام بمناسبة «اليوم العالمي للمرأة» الذي يحتفى به في 8 مارس/ آذار، تشير إلى تفشي التمييز ضد النساء في مناطق واسعة حول العالم. الأمين العام أنطونيو غوتيريش قال في كلمته خلال الاحتفال الماضي: «في كل مكان، تقول النساء حان الوقت للمساواة، والفرص، والاحترام، والتمثيل المتساوي. الوقت المناسب لإنهاء العنف. في جميع أنحاء العالم تتحدث النساء جهراً عما يواجههن من مواقف تمييزية في كل مكان وطوال الوقت».وأضاف: «يضر التمييز ضد المرأة بنا جميعاً. إن الاستثمار في النساء هو أكثر الطرق فعالية لتعزيز المجتمعات، بمشاركتها تصبح اتفاقات السلام أقوى، والمجتمعات أكثر صموداً». بينما أشار إلى عدد من التطورات والإنجازات المهمة المحققة في مجال حقوق المرأة، من تزايد عدد الفتيات في المدارس، والنساء العاملات بأجر، وانخفاض نسب زواج الأطفال، لكنه سلط الضوء أيضاً على الحواجز الهيكلية التي تواجهها كثيرات بما فيها أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، وعدم المساواة في الأجور. تحويل الوعود إلى إجراءات تحت عنوان «تحويل الوعود إلى إجراءات: المساواة بين الجنسين في خطة عام 2030» صدر أحدث تقارير «هيئة الأمم المتحدة للمرأة» نهاية العام الماضي، ويلقي نظرة واقعية على أحوال المرأة في عدة مناطق من العالم. المديرة التنفيذية للمنظمة الدولية فومزيلي ملامبو نغكوكا قالت: «أحد الأمثلة المذهلة الواردة في التقرير توضح مدى التأخر في القضاء على وفيات الأمهات الناجمة عن مضاعفات الحمل والولادة، في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، في وقت لدينا فيه بالفعل التكنولوجيا والخبرة اللازمة لجعل الولادة آمنة، ولضمان أن تلقى المرأة وطفلها الرعاية الطبية اللازمة والمتابعة. أكثر من 300 ألف امرأة يتعرضن للموت في كل عام لأسباب مرتبطة بالحمل، وهذا ينبغي ألا يحدث». وأضافت: «بحسب البيانات الجديدة المتاحة في 89 بلدا، زاد عدد النساء اللاتي يعشن على أقل من 1.90 دولار في اليوم الواحد بمقدار 4.4 مليون مقارنة بالرجال. ويفسر الكثير ذلك بسبب العبء غير المتناسب الذي تواجهه النساء العاملات في مجال الرعاية غير مدفوعة الأجر».وبحسب دراسة جديدة صادرة عن منظمة العمل الدولية نشرت عشية اليوم العالمي للمرأة 2018، فإن مشاركة الإناث في القوة العاملة العالمية تبلغ 48.5% العام الماضي، يضاف إلى ذلك، ارتفاع معدل البطالة العالمي للنساء في نفس العام بنحو 0.8% عن معدل الرجال. وإجمالا، لكل عشرة رجال يعملون يناظرهم ست نساء فقط.
مشاركة :