البديل الفكري (1)... من أين نبدأ؟

  • 2/21/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أزمتنا أننا نوضع دائمًا أمام اختيارين فكريين فرضتهم جولات وتحولات القرن التاسع عشر والعشرين، ألا وهما تيار فكري تفرضه حالة المجتمع الدولي ومصالحه، ومشكلته أنه يعبر أكثر عن تغييب للهوية الاجتماعية والثقافية والحضارية المصرية، وتيار آخر يتخفى تحت رداء الهوية لكنه يمثل كل أشكال الماضوية والتخلف الإنساني ويرغب العودة بنا إلى العصور الوسطى.كذلك ارتبطت طفرة اليسار وعلى خلفية صراع اجتماعي نشأ في أوروبا، وظهرت تجلياته مع بدايات الثورة الفرنسية وحتى انفجاره بصعود الاتحاد السوفيتي إلى المشهد الدولي للتعبير عن النموذج الخام لحالة اليسار، لكن اليسار في مصر لم يكن أكثر من تعبير عن فكرة العدالة الاجتماعية الذى لم يصل إلى حالة الصراع الطبقي. إن التحول الذى أنشأته ثورة يوليو 1952، لم يكن تحولًا يساريًا، بقدر ما كان إنهاء للبنية الاجتماعية القديمة التي ورثناها من حكم الإقطاعيات من مرحلة القرون الوسطى، إذ أن العالم كان قد ودع مجتمع الإقطاعيات منذ بداية الثورة الفرنسية، وانتهى العالم منها بالكامل على أصداء الحرب العالمية الأولى. استهدفت يوليو 1952 تحقيق نموذج الاستقلال عن كل تراث الاحتلال وأفكاره وتوازناته التي أدار بها الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي لمصر، وهنا جوهر التحدى الحقيقي، لأن المشكلة اليوم هو أن جميع الصراعات الفكرية الجارية داخل مواقع النخبة المصرية، صراع بين فكرة الاستقلال والتجانس الاجتماعي والتاريخي من جانب،وبين بقايا الحرب العالمية الأولى والثانية وهندسة الاحتلال للمشهد في مصر ما قبل 1952 إلى جانب ما رسخته الحرب الباردة في الصراع بين ما هو شيوعي وليبرالي حتى يومنا هذا، وكانت الدول وأنظمتها السياسية أسيرة للصراع. تحملت مصر أعباء مواجهات الاستقلال ضد تراث الاحتلال القديم اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، لتسقط في براثن الحرب الباردة وتتحمل أعباءها وأشكال الصراع فيها في 5 يونيو 1967، وفى 1973 حاولت مصر فعليًا الخروج من أجواء الحرب الباردة.كانت المشكلة الحقيقية وقتها في شكل وخطة الخروج، وعندما حاولت مصر الخروج من أجواء الحرب الباردة، سقطت دون قصد مرة أخرى في استدعاء كل تناقضات الاحتلال مرة أخرى، فتم استدعاء القوى والتوازنات التي صنعها الاحتلال مرة أخرى وأعادت تجسيدها مرة أخرى سياسيًا واجتماعيًا. عندما استدعى الرئيس السادات الإسلاميين المتطرفين لمواجهة اليسار والقوميين المتطرفين وتبعه بفترة استدعاء الفصائل الليبرالية وبعض الطبقات السياسية ما قبل 1952، كان هذا بمثابة استدعاء لكل تناقضات القرن العشرين، بكل حروبه وكوارثه إلى الساحة السياسية والاجتماعية، منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الحرب البادرة وتحديدًا عند لحظة حرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. أكملت مصر بهذه الثلاثية المرعبة، ليبرالي معادٍ اجتماعيًا وسياسيا لمشروع يوليو 1952 وهو بالتأكيد أقرب شعوريًا لنموذج ما قبل 1952 دون إدراك أنه ينتمى لمشروع هندسة المحتل، ويساري أممى لا يؤمن بالدولة الوطنية وإنما يؤمن بالشعوبية الوحدوية واستدعى معها على صراعات الطبقية والاجتماعية والنفسية، وإسلامي متطرف تمت صناعته لخدمة هندسة الاحتلال البريطاني لضرب النزعة القومية والاستقلال داخل المستعمرات في الفترة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتمت إعادة تدويره مره أخرى ليكون ورقة في يد الأمريكي لضرب السوفيتي وقت الحرب الباردة. والقومي مشكلته الكبرى أنه انكسر نفسيًا مع 5 يونيو 1967، ووقع في شكل من أشكال التوطيف الاستراتيجي، في صراع بين الناصرية والبعث، وانهارت قدرته على خلق حالة وطنية دافعة للاستقلال عن تراث الاحتلال ما قبل 1952 وعن توظيفات وتصنيفات الحرب البادرة التي لم ينجو منها أحد حتى نهاية حقبة العولمة في 2010.

مشاركة :