ستستفيد الدول التسع على طول البحر الأحمر- وهي الصومال وجيبوتي وإريتريا والسودان ومصر وإسرائيل والأردن والسعودية واليمن- من التعاون والتنسيق، لكن النزاعات بين الجهات الفاعلة الإقليمية قد تؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في بعض الدول الأكثر هشاشةً التي تتاخم الممر المائي. إلى جانب الانسحاب الأميركي المتصوَّر من الشرق الأوسط، يبدو أن بروز فرص اقتصادية جديدة وتهديدات أمنية في البحر الأحمر دفع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى التقرّب أكثر من البلدان المجاورة في القرن الإفريقي، فهذه المنطقة المتخلفة والمكتظة بالسكان تشكّل فرصةً اقتصاديةً واضحة لمنطقة الخليج، في حين ترحّب الدول الإفريقية بالاستثمار المالي والاستثمار في البنى التحتية. وفي الحالة المثالية ستستفيد كل الدول التسع على طول البحر الأحمر- وهي الصومال وجيبوتي وإريتريا والسودان ومصر وإسرائيل والأردن والسعودية واليمن- من التعاون والتنسيق، لكن النزاعات بين الجهات الفاعلة الإقليمية قد تؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في بعض الدول الأكثر هشاشةً التي تتاخم الممر المائي، فعلى الولايات المتحدة زيادة جهودها الدبلوماسية لتسهيل التعاون، وتجنب النزاع، ودعم حلفائها في المنطقة. نقطة ساخنة: التزاحم على موطئ قدم لطالما أثار البحر الأحمر اهتمام القوى العظمى، لأنه ممر مائي رئيس لعبور التجارة العالمية، إذ تحدّه من الشمال قناة السويس ومن الجنوب مضيق باب المندب، وهما ممران ضيّقان أساسيان تعتمد عليهما الدول الساحلية لتصدير النفط أو على نحو آخر الوصول إلى الأسواق العالمية. كما يشكل البحر الأحمر جزءاً رئيساً من مبادرة الصين المعروفة بـ»حزام واحد، طريق واحد»، وهي خطة طموحة لبناء نظيرٍ من القرن الحادي والعشرين لـ»طريق الحرير» المربِح. ونتيجة لذلك، أصبحت القوى العظمى والقوى الطموحة على السواء تتمركز أكثر فأكثر في منطقة البحر الأحمر. فبعد أن أنشأت الولايات المتحدة قاعدةً عسكريةً في جيبوتي في عام 2001، حذت بلدان أخرى حذوها مثل: فرنسا (التي تستضيف قاعدتها أيضاً القوات الألمانية والإسبانية) وإيطاليا واليابان والصين (التي أنشأت أيضاً ميناء تجارياً هناك). وقد انخرطت السعودية في محادثات لإقامة قاعدة محتملة في جيبوتي أيضاً، في حين قامت روسيا بالأمر نفسه مع السودان. وبالإضافة إلى ذلك، تملك تركيا اتفاقاً بشأن إنشاء قاعدة تدريب وميناء مع الصومال؛ ووقّع السودان اتفاقات مع كلٍ من أنقرة وقطر لإقامة ميناء؛ ووفقاً لتقرير صدر في يناير عن «معهد بروكينغز»، تتفاوت درجات إمكانية ولوج الإمارات إلى ثمانية موانئ أو قواعد على الأقل على طول البحر الأحمر. وكما صرّح مسؤولٌ أمني إفريقي رفيع المستوى خلال الرحلة الأخيرة التي قامت بها كاتبة هذه المقالة إلى القرن، «توجد جميع الدول الخمس التي تستخدم حق النقض («الفيتو»)على عتبة دارنا»، في إشارةٍ إلى الأعضاء الدائمين في «مجلس الأمن الدولي». إنذار ساخن: القرصنة وحرب اليمن والتهديدات الأخرى يشير هذا الوجود الخارجي القوي إلى أنّ الأمن سيبقى أولويةً أساسيةً في المنطقة، ويذكر كل المراقبين والمسؤولين في المنطقة جيداً أن قيام مصر بإغلاق مضائق تيران في شمال البحر الأحمر قد ساهم في اندلاع «حرب الأيام الستة» عام 1967، ويبدو أنّ هذه المخاوف الأمنية القائمة منذ زمنٍ طويل- والمقترنة بتهديدات جديدة مرتبطة بالقرصنة وحرب اليمن والمخاوف من الانسحاب الأميركي- زادت اهتمام الرياض وأبو ظبي بحماية جانبهما الغربي. وفي عام 2009، بدأت «منظمة حلف شمال الأطلسي» («الناتو») بإرسال بعثات لمكافحة القرصنة في البحر الأحمر وما حوله، واستمرت حملتها حتّى عام 2016. لكن مع تراجع تهديد القرصنة، بدأت مجموعة الثوّار الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن بإظهار قدرات متطورة من الدفاع الساحلي والردع البحري، بما في ذلك الصواريخ المضادة للسفن، والألغام البحرية، والمراكب المتفجرة الذاتية التوجيه. وقد اضطر ذلك إلى قيام السعودية بوقف شحناتها مؤقتاً في البحر الأحمر في منتصف عام 2018. وفي غضون ذلك، استخدمت إيران البحر الأحمر لوقتٍ طويل لإرسال الأسلحة إلى الجماعات المسلحة، حيث أفادت بعض التقارير أنها ركزت سفينة شحن قبالة الساحل اليمني لغايات استخباراتية، وسبق أن هددت بإغلاق ممرات العبور الضيقة. وبهدف وضع حدٍ لهذه التهديدات، ترأست السعودية كتلةً جديدةً في البحر الأحمر في ديسمبر، ثم نظّمت تمارين بحرية في الشهر الماضي أطلقت عليها اسم «الموج الأحمر 1»، شملت سبعاً من الدول الساحلية التسع، ولم تشمل التدريبات إريتريا أو إسرائيل، إذ يبدو أن إريتريا رفضت الدعوة، ولكن من المتوقع أن تنضم في المستقبل، رغم أن تفضيلها للعلاقات الثنائية على العلاقات المتعددة الأطراف قد يُبقيها على الهامش لفترة أطول قليلاً، أمّا إسرائيل فمن المستبعد أن تتم دعوتها رسميّاً، لكنها قد تنسّق بهدوء مع بعض الدول الساحلية. كما تكثر شائعات حول مشاركة إثيوبية أو إماراتية؛ فرغم أن أيّاً من الدولتين لا يحد البحر الأحمر، إلا أن إثيوبيا تقود قدراً كبيراً من التجارة عبر الممر المائي، وتتمتع الإمارات بوجود ملحوظ في الموانئ هناك. على الولايات المتحدة أن تضطلع بدورٍ أكبر في تشحيم عجلات بعض هذه العلاقات، لا سيما مع إسرائيل. معطيات ساخنة: المكاسب الاقتصادية الإفريقية مقابل المخاوف تشكّل الإمكانات الاقتصادية للبحر الأحمر محفّزاً آخر لطموحات الخليج هناك، فعلى سبيل المثال، وسّعت الإمارات نطاق ولوجها إلى الموانئ المحلية تحسباً لطرق التجارة المفضلة في المستقبل، مع التأكيد على قدرتها المثبَتة على إدارة الخدمات اللوجستية المعقَّدة في هذه المنشآت. وفي الماضي، سعى الإماراتيون إلى جعل دبي تحتل موقع الوسيط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، لكن مستقبل التجارة قد يكون في حوزة مبادرة «الحزام والطريق» الناشئة في الصين، وهي طريق عالمية دائرية بعض الشيء تمتد في البر والبحر. وفي هذا السيناريو سيؤدي القرن الإفريقي دور الوسيط لا دبي، لذا فإن ولوج الإمارات إلى موانئ البحر الأحمر قد يساعد في الحفاظ على أهميتها في التجارة العالمية، وكجزءٍ من هذه الاستراتيجية، يخطط الإماراتيون للاستثمار في البنية التحتية في إثيوبيا، وإقليم أرض الصومال، وأرض البنط، وغيرها من المناطق، كما أنهم مصممون على المساعدة في إعادة بناء الموانئ في اليمن فور انتهاء الحرب. وكما ذُكر سابقاً، قامت الصين وقطر وتركيا وجِهات فاعلة أخرى باستثمارات خاصة بها في القرن الإفريقي، لكن المسؤولين الأفارقة ما زالوا حذرين، فهم يقلقون من تكتيكات الابتزاز الملحوظة في بكين، ومما أطلق عليه أحد المسؤولين «دبلوماسية أجهزة الصراف الآلي» الخاصة بالخليج، كما يساورهم القلق من الانجرار إلى خلافات خارجية مثل النزاع المستمر بين قطر والكتلة السعودية- الإماراتية، أو المنافسة العلنية بين الصين والولايات المتحدة. وهم يجِدون أن الخلاف الخليجي يدعو للقلق بشكلٍ خاص، ويقيناً يقر المراقبون والمسؤولون الأفارقة بقيمة الدعم الخليجي في حث إثيوبيا والسودان وجيبوتي على مواصلة التقارب مع إريتريا، كما يقدّرون الاستثمار الخليجي، ومع ذلك، فإن الأولوية الرئيسة بالنسبة إلى معظمهم هي ضمان عدم انعكاس الانشقاق الخليجي أو القضايا الخارجية الأخرى على ساحتهم. والمثال الأكثر وضوحاً الذي يجسّد هذه المشكلة هو الصومال؛ فمنذ بدء الخلاف الخليجي، دعمت قطر الحكومة المركزية الصومالية، في حين دعمت الإمارات مناطق الحكم الذاتي في الشمال، ويشعر المراقبون بالقلق من أن تتسبب هذه السياسات بانقسام البلدان الإفريقية، التي تعاني أصلاً الهشاشة بسبب الخصومات المحلّيّة، أو زعزعة استقرارها. ولم تخدِم الرياض قضيّتها عندما أفاد مسؤولٌ سعودي رفيع المستوى في ديسمبر بأن هدف المملكة في البحر الأحمر هو ضمان «تأثير خارجي أقل سلبية»، وهو تعليقٌ اعتبره الكثيرون وخزاً لقطر أو تركيا أو إيران أو جميع الدول الثلاث. وباختصار، لا تحبذ الدول الإفريقية على الإطلاق أن تكون الحبل في لعبة الحرب الإقليمية، على الرغم من المكاسب الاقتصادية المحتملة. إجراءات رسمية ساخنة: ضرورة تكييف البيروقراطية الأميركية للحكومة الأميركية دور أساسي تؤديه في التعامل مع الأهمية المتنامية لمنطقة البحر الأحمر، ولكن لكي تكون فعالة، فإنها تحتاج إلى التحوّل نحو إدارة «وصلة الالتئام» الدبلوماسية والعسكرية التي تمتد عبر المنطقة، ولا يشكّل العمل على هذه الوصلة أمراً جديداً بالنسبة إلى المسؤولين الأميركيين؛ على سبيل المثال، اعتادت مكاتب الشرق الأدنى وأوروبا على التنسيق بشأن تركيا، في حين يتعين غالباً على «القيادة المركزية» بالجيش الأميركي التنسيق مع «القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا»، التي تشرف على القاعدة في جيبوتي. ومع ذلك، أعرب بعض أفراد السلك الدبلوماسي عن قلقهم من عدم توصّل جهتيْ الوصلة بعد إلى التكيّف مع التغييرات الحاصلة على طول البحر الحمر، وبالتأكيد يقوم شركاء أميركا بذلك: فقد عيّنت السعودية وزير دولة للشؤون الإفريقية في أوائل عام 2018، وللاتحاد الأوروبي ممثل خاص لدى القرن الإفريقي. ينبغي على الولايات المتحدة أن تنظر في اتخاذ خطوات مماثلة، ربما من خلال تعيين مبعوث خاص أو إنشاء فريق عمل مشترك بين الوكالات مكرَّس للبحر الأحمر، ويجب أن يكون دور أي من الكيانيْن شاملاً، فيجمع هواجس مكتب الشرق الأدنى ومكتب إفريقيا ومكتب الصين في وزارة الخارجية الأميركية، إلى جاب وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي ووكالات أميركية أخرى. ولتجنب إثارة ضجة، ينبغي على واشنطن أن تناقش أيَّ دورٍ قد تضطلع به مع شركائها في البحر الأحمر قبل إصدار تصريحات علنية، وعليها أن تقوم بذلك عاجلاً لا آجلاً، فهذه المنطقة تتحول بسرعة إلى عقدة مهمة تجمع مَحافظ واسعة الانتشار، من الاقتصاد والأمن، إلى عوامل البيئة والهجرة والسياحة، ولا بد من أن يضع أحدهم إصبعه ليتجسس ذلك النبض السريع.
مشاركة :