ماذا وراء ازدياد الإصابة بالسرطان؟ (2-2)

  • 2/22/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ظاهرة انتشار مرض السرطان لا يمكن إنكارها أو غض الطرف عنها وتجاهلها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه ظاهرة محلية متفشية في البحرين فقط فنُحمِّل الدولة مسؤوليتها، ونلومها على التقصير في أداء واجباتها في حماية صحة المواطنين ومنع تفشي المرض، أم إنها أزمة صحية عالمية لم تفلت منها أي دولة على وجه الأرض، سواء صناعية ومتقدمة وغنية أو دولة نامية ومتأخرة وفقيرة؟ فالإجماع العلمي المعروف لدينا حول السرطان يتلخص في حقيقتين مهمتين. الحقيقة الأولى تتمثل في أن أكثر من 65% من حالات الإصابة بالسرطان تكون لا إرادية، وتنزل على الإنسان قضاءً وقدرًا؛ أي لا دخل للفرد في التعرض لها، وأنه سيسقط في شباكها مهما فعل، فلا يمكن للفرد نفسه أو الحكومات والوزارات المعنية أن تفعل الشيء الكثير تجاهها سوى تقديم الرعاية والعناية المناسبة، وتوفير الخبرات العالية من الأطباء والممرضين، إضافة إلى شراء الأجهزة والأدوية الحديثة لعلاجها. وأما النسبة المتبقية من أسباب الوقوع في هذا المرض فهي بأيدينا، ونستطيع بإرادتنا أن نُبعد عن أنفسنا شبح هذا المرض العضال بتجنب مصادر وأسباب الإصابة بالسرطان، والالتزام والانضباط بنمط الحياة الصحية والسليمة والقيام بالكشف المبكر. والحقيقة الثانية هي أن ظاهرة تفاقم مرض السرطان عالمية، وليست ظاهرة متفشية في دولة من دون الأخرى، فهي طامة صحية وكَرْب مرضي عظيم يعاني منه كل شعوب العالم من دون استثناء. فعلى سبيل المثال، بالرغم من تقدم الولايات المتحدة الأمريكية وتطورها المشهود في المجال الطبي فإنها تذوق مرارة هذا المرض وتقف عاجزة عن اجتثاثه من جذوره منذ أكثر من مائة عام، ما أجبرها على سن أول تشريع حول السرطان في عام 1937 في عهد الرئيس فرانكلين روزفلت وتأسيس المعهد الوطني للسرطان، ثم تم إعلان الحرب على السرطان في عام 1971. وجاء على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون الذي صدَّق على التشريع الثاني حول مكافحة السرطان تحت عنوان «القانون القومي للسرطان»، وتبعه في هذا التوجه الرئيس أوباما في 12 يناير 2016 وأثناء خطابه عن «حالة الاتحاد»، عندما دشَّن مشروعًا وطنيا وأطلق مبادرة جديدة تحت مسمى «مون شت» للسرطان (Moonshot)، كما شكَّل قوة رئاسية ضاربة متعددة التخصصات لمواجهة هذا العدو الشرس المجهول، وأطلق على هذه القوة: «المكتب الوطني الاستشاري للسرطان»، وكَلَّف نائب الرئيس جو بايدن بالمهمة ووضع أهدافًا محددة زمنيا ومكانيا للتعجيل في أبحاث السرطان والعمل على منعه بين أفراد المجتمع الأمريكي. ولقد نجحت جهود الولايات المتحدة الأمريكية في التخفيف من حدة المرض وإحداث خفضٍ بسيط، ولكنه مُشجع في حالات الإصابة بالسرطان، وخاصة سرطان الرئة، وذلك بعد قيام الحكومة الأمريكية بجهود جبارة في مقاضاة شركات التبغ والسجائر ومواجهتها بحزم، بل وألزمتها بالاعتراف علنيا بأن التدخين قاتل ويسبب السرطان. فعدد الموتى من السرطان في الولايات المتحدة الأمريكية في تناقصٍ وانخفاض خلال الـ25 عامًا الماضية، فقد انخفضت بنسبة 27% من عام 1991 إلى 2016؛ أي أن العدد انخفض 2.6 مليون بحسب الدراسة التي أجرتها الجمعية الأمريكية للسرطان، ونُشرت في الثامن من يناير من العام الحالي في مجلة أطباء السرطان(Cancer Journal for Clinicians). كذلك على مستوى دول العالم الأخرى فالسرطان يجري في المجتمعات مجرى الدم استنادًا إلى آخر دراسة أُجريت على مستوى دول العالم وقام بها ما يُسمى «العِبء الدولي للتعاون حول مرض السرطان» (The Global Burden of Disease Cancer Collaboration)، وهذه عبارة عن تقييم دوري سنوي منذ عام 2012 حول التغيرات التي تطرأ على 36 نوعًا من مرض السرطان في قارات العالم، وتقوم بها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية. ففي عام 2018 تم الكشف عن 18.1 مليون حالة جديدة، مات منهم 9.6 ملايين، وجاء سرطان الرئة في مقدمة أنواع السرطان الأكثر انتشارًا وبنسبة 18.4%، ثم سرطان الثدي عند النساء 11.6%، وفي المرتبة الثالثة والرابعة جاء البروستات والقولون. جدير بالذكر أن عدد المصابين في عام 2016 كان أقل من عام 2018 حيث بلغ نحو 17.2 مليون حالة مرضية، مات منهم 8.9 ملايين، كذلك أشارت الأبحاث إلى أن أعداد الذين يسقطون صرعى بسبب هذا المرض العضال المستعصي على العلاج زاد بنسبة 28% سنويا في الفترة من 2006 إلى 2016. وتفيد تقارير منظمة الصحة العالمية بأن السرطان يُعد في مقدمة الأمراض التي تقضي مبكرًا على البشر، ففي عام 2015 على سبيل المثال كان مرض السرطان السبب الرئيسي في موت الناس دون سن السبعين في 91 دولة من بين 172، كما قدَّر الكثير من الدراسات العلمية أن واحدا من كل 8 رجال، وواحدة من كل 10 نساء سيصابون بهذه المرض خلال فترة حياتهم في الدول المتقدمة والنامية على حدٍ سواء. فهذه الحقائق التي يُجمع عليها المجتمع العلمي الدولي تؤكد انتشار السرطان في المجتمع البشري عامة ولأسباب بعضها لا يعلمه أحد، ولكن بالرغم من هذه الحقائق فإن الحكومات غير معفاة من تحمل واجباتها والقيام بدورها نحو مواجهة هذا المرض الخطر بكل ما أُوتيتْ من سلاح وقوة بشرية، وتقنية، وتشريعية. أما القوة البشرية فتتمثل في تأهيل وتدريب المتخصصين في مجال الأورام السرطانية ومتابعة التطورات المستمرة والسريعة في هذا المجال، ثم القوة التقنية فتعني توفير الأجهزة والمعدات الحديثة التي تستعمل للكشف المبكر والعلاج، وأخيرًا القوة التشريعية فأقصد بها إصدار التشريعات الخاصة بإلزام الجهات المعنية بنشر الوعي بهذا المرض وتنفيذ السلوكيات الصحية في حياتنا اليومية، إضافة إلى سن القوانين الخاصة بمنع مصادر وأسباب المرض مثل التدخين، والخمر، وتناول الغذاء المحتوي على المواد الحافظة السامة والمسرطنة، وعملية صباغة الجلد أو التانينج، والتلوث الناجم عن السيارات والمصانع ومحطات توليد الكهرباء.

مشاركة :