منذ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 19كانون الأول (ديسمبر2018) بسحب القوات الأميركية من سورية تم طرح السيناريوهات التالية لملء فراغ ذلك الانسحاب المقرر اتمامه في 30 نيسان - (إبريل):1- اتفاق تركي- روسي(مع موافقة ايران، وهي ثالثة ثالوث سوتشي) من أجل إقامة منطقة «آمنة»على منطقة الحدود التركية- السورية ابتداءاً من منبج حتى المالكية عند نهر دجلة، 1- اتفاق تركي- أميركي على تلك المنطقة، 3- اقترح الروس كبديل القيام بعملية تفعيل اتفاقية أضنة الموقعة عام1998من قبل الحكومتين التركية والسورية، 4- قيام قوات من البشمركة التابعة لمسعود البرزاني، وتضم أكراداً سوريين، بالترادف مع قوات تابعة لأحمد الجربا، وهو من مشايخ شمر، بإدارة تلك المنطقة «الآمنة»، 5- جرت وساطة من قبل (حزب الشعوب الديمقراطية)، وهو حزب تركي ممثل في البرلمان وله صلات مع حزب العمال الكردستاني، من أجل اتفاق بين الحكومة التركية وحزب الاتحاد الديموقراطي، وهو امتداد سوري لحزب العمال الكردستاني، يخص إقامة تلك المنطقة، 6- دعوة ألدار خليل، وهو الممثل الرئيسي لحزب العمال الكردستاني في سورية، الموجهة للفرنسيين «إلى العمل في الأمم المتحدة من أجل إقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع تركية على غرار قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام المنتشرة على طول حدود لبنان مع اسرائيل. وأوضح خليل أن الكرد سوف يتفاوضون مع النظام من أجل نشر قوات الأخير على طول الحدود السورية- التركية في حال فشل الغرب بوضع حد للاعتداءات التركية»(وكالة أنباء هاوار، 18شباط - فبراير). خلال شهرين مضيا ظهرت تلك السيناريوهات الستة على سطح المداولات الدولية- الاقليمية- المحلية، ويبدو من خلال استعصاء ولادة أي منها وتحولها للتطبيق العملي أن هناك لعبة كباش كبرى نتجت عن قلب حقيقي لطاولة اللعب في الأزمة السورية قاد إليه قرار ترامب.أول مايلاحظ هنا هو تزعزع ثلاثي سوتشي وخلافاته فيمايخص الاقتراح التركي لإقامة منطقة»آمنة» تأخذ غطاءاً روسياً (وايرانياً) كمافعلت موسكو مع عمليتي أنقرة العسكريتان في خط جرابلس – الباب- أعزاز عام2016وفي عفرين عام2018، وفي الوقت نفسه رفض الأتراك للاقتراح الروسي- الايراني بتفعيل اتفاقية أضنة بكل ماتعنيه من مصالحة أردوغان مع السلطة السورية. عندما جرت مفاوضات تركية- أميركية حول الموضوع كان الخلاف الرئيسي هو حول بقاء «قوات سورية الديمقراطية» في المنطقة (بمايخص أبناء المدن والبلدات، من تلك القوات ) التي تشملها «المنطقة الآمنة»، وحول ضمانات يقدمها الأتراك للأميركان بعدم التعرض للأكراد.رفضت واشنطن التنازل لأنقرة حتى ولوكان المقابل هو فرط(ثالوث سوتشي)، ويبدو أنها تريد الاحتفاظ ب»الورقة الكردية السورية»، أوبجزء منها.في المفاوضات التي جرت في الصيف الماضي بدمشق بين وفد من (مجلس سوريا الديمقراطية) والسلطة السورية كان وضع الأكراد أقوى، فيماأصبح وضعهم أضعف بعد يوم19كانون الأول2018، وبالتأكيد فإن الفيتو الروسي سيكون جاهزاً ومتوثباً في نيويورك لتفشيل اقتراح ألدار خليل، وذلك الاقتراح من غير الممكن تطبيقه بمبادرة دولة أطلسية ضد دولة مثل تركية هي عضوة في حلف الأطلسي، وهو على الأرجح ورقة يلوح بها ألدار خليل لتقوية موقع الأكراد السوريين في المفاوضات مع دمشق التي يطرح بها الأكراد مطالب، مقابل تسليم المناطق التي يسيطرون عليها لعهدة السلطة السورية، مثل(ضمانات دستورية مسبقة تعطى للأكراد )و(دمج قوات سورية الديمقراطية بهيكلية الجيش السوري مع بقائها في مواقعها الحالية).قبل تصريح ألدار خليل بأيام قليلة أعلن جيمس جيفري، المبعوث الأميركي المختص بالملف السوري، بأن اتفاق الأكراد مع دمشق أوموسكو يعني سحب الدعم الأميركي للأكراد. هنا، إذا تفحصنا هذه اللوحة المعقدة، فإننا نلاحظ بأن أنقرة هي المحور الرئيسي في السيناريو الأول والثاني، وهي أحد طرفي العملية في السيناريوهين الثالث والخامس، وهي ستكون أحد الضامنين للسيناريو الرابع، فيماالسيناريو السادس سيكون موجهاً ضد العاصمة التركية . يمكن لتصريح جيمس جيفري أن يضمر سيناريو سابع وهو إقامة «منطقة آمنة»كحصيلة لاتفاق ترعاه واشنطن بين الأكراد والأتراك، أومن دون ذلك الاتفاق من خلال فرض منطقة حظر جوي في شرق الفرات السوري في مرحلة (مابعد30نيسان2019) كمافعلت واشنطن في شمال العراق بين عامي1992و2003. كتكثيف :يمكن القول بأن التداعيات المذكورة عن قرار ترامب، الذي جرى أخذه رغم معارضة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الذي استقال إثر ذلك، تعبر عن حجم الوزن الكبير لواشنطن في الأزمة السورية.قرار ترامب يعبر عن تراجع النزعة التدخلية العسكرية الخارجية المباشرة في واشنطن، كماجرى في العراق2003وليبيا2011، والملفت للنظر أن يكون هذا عند يميني جمهوري مثل ترامب، وليس فقط عند رئيس من الحزب الديمقراطي مثل باراك أوباما الذي عارض عندما كان سيناتوراً في مجلس الشيوخ الحرب على العراق.الإدارة الأميركية الحالية تملك بدائل أحدها (قانون قيصر)الذي طرح أمام مجلسي الكونغرس الأميركي بدءاً من يوم23كانون الثاني (يناير)2019ويهدف للتحكم الأميركي بالمسارت القادمة للأزمة السورية، والضغط على اللاعبين الدوليين- الاقليميين- السوريين بالأزمة، عبر (الاقتصاد)بدلاً من (الجندي الأميركي)الذي سيتم سحبه في نهاية نيسان المقبل. * كاتب سوري.
مشاركة :