دخلت إلهان عمر التاريخ في يناير عندما أصبحت أول أميركية من أصل صومالي، وواحدة من أُوليات النساء المسلمات اللواتي أدّين اليمين أمام الكونغرس الأميركي، كنائبات في الحزب الديمقراطي. وهي جزء من مجموعة متنوعة من المرشحين الذين تم انتخابهم في مرحلة تاريخية خلال الانتخابات النصفية من عام 2018، حيث أصبحت هذه النائبة من منيسوتا، والتي ترتدي الحجاب، واحدة من وجوه التغيير في أميركا، وهو البلد الذي جاءت إليه لاجئة في الثانية عشرة من عمرها. في خضم العاصفة بعد أقل من شهرين من دخولها الكونغرس، وجدت نفسها في خضم جدل مستفيض، حيث اضطرت في ما بعد للاعتذار عن تعليقاتها عن إسرائيل، وهي التعليقات التي زعم قادة جمهوريون أنها تحتوي على «عبارات معادية للسامية واتهامات ضارة». وبعد أيام اختطف عناوين الأخبار مرة أخرى استجوابها شديد اللهجة لمبعوث ترامب لفنزويلا، إليوت أبرامز، وهو مسؤول بارز في إدارة ترامب، وشخصية مؤسسية منذ فترة طويلة. وبرزت عمر كقوة رئيسة مناوئة للجمهوريين، الذين هاجموا بلا هوادة وجهات نظرها حول العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية. وكتب الصحافي، وجهات علي، في صحيفة نيويورك تايمز معلقاً بأن عضو الكونغرس، إلهان عمر «سرعان ما خلقت لنفسها سمعة كشخصية شابة جريئة تقدمية، مستعدة للقضاء على بعض الأبقار المقدسة في واشنطن العاصمة، ومجموعات المصالح القوية وعرّابي المحافظين أمثال إليوت أبرامز». ومضى قائلاً: «وهذا هو السبب، الذي جعل قاعدتها العريضة والمتنوعة تنتخبها، وهو شهادة على ما تتوقعه منها هذه القاعدة، حيث إنها تطالب بالمساءلة والرقابة وتخاطب الجميع، دون اعتذار». إسرائيل على المحك منذ مجيئها إلى الكونغرس، أثار موقف عمر بشأن إسرائيل، التي تعتبر واحدة من أقرب حلفاء أميركا، جدلاً لخرقها تقاليد عريقة في واشنطن. فقد أيدت عمر حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على اسرائيل، من أجل الضغط عليها لإنهاء احتلال الضفة الغربية، وقالت إنها «تكاد أن تضحك» عندما يدافع الساسة الأميركيون عن إسرائيل بأنها مثال للديمقراطية. وردّت عمر على تغريدة أرسلها أحد القادة الجمهوريين يهددها فيها باتخاذ إجراءات ضدها وضد النائبة المسلمة رشيدة طليب، بسبب انتقادهما لإسرائيل، وكتبت في ردها «الأمر كله يتعلق ببنجامين، يا عزيزي»، في إشارة إلى ورقة الـ100 دولار التي تحمل رسم الرئيس الأميركي، بنجامين فرانكلين، الذي يعد من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة. كل ذلك دعا صحافياً يهودياً أن يسأل عمر عن الشخص الذي تعتقد أنه «يدفع للسياسيين الأميركيين لكي يكونوا موالين لإسرائيل». وأشارت إلى لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية أو (أيباك)، وهي جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل مؤثرة، لا تسهم في الحملات السياسية، ولكنها تمول رحلات تنويرية إلى إسرائيل لأعضاء الكونغرس والموظفين. وبعد توبيخ من زعماء الحزبين، اعتذرت عمر «بشكل لا لبس فيه»، وقالت إنها لم تكن تهدف إلى الخوض في مثل هذه العبارات النمطية اليهودية. ومع ذلك تمسكت بحجتها المتمثلة في «الدور الإشكالي الذي تلعبه جماعات الضغط» في السياسة الأميركية، والذي يجب معالجته. الأسبوع الماضي، أدلت عمر بأول مقابلة لها منذ ذلك الجدل، لصحيفة ستار تريبيون أوف مينيابوليس، التي تصدر في مكان سكناها، قائلة: «أعرف ما هو عدم التسامح». وأضافت: «الشيء الذي كان مؤلماً بالنسبة لي خلال ذلك، هو إدراكي بأنني قد أكون شخصاً يستخدم لغة تسبب الأذى للآخرين». ويرفض الجمهوريون جهود عمر في «تعديل» تصريحاتها، حيث انتقدوا نشرة صحافية أصدرتها، وربطوا ديمقراطيين آخرين بهذه التصريحات في محاولة منهم لوصف الحزب كله على أنه معادٍ للسامية. وقال ترامب إن عمر يجب أن تستقيل، بينما قال نائبه، مايك بنس، إنه يجب ابعادها على الأقل من لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب. وهذه التصريحات استقطبت اتهامات بأنهما منافقان. نفاق صريح عام 2017، بعد أن سار المتعصبون البيض «سيوبر ماشيست» في شارلوتسفيل في فرجينيا، وهتفوا، من بين شعارات أخرى، «لن يحلّ اليهود محلنا»، وبعد أن قُتل أحد المتظاهرين في تظاهرة مضادة، أعلن الرئيس بشكل صريح أن هناك «أشخاصاً جيدين جداً من كلا الجانبين». وخلال انتخابات عام 2016، دافع ترامب عن استخدام صورة تمثل وجه خصمه آنذاك، المرشحة الرئاسية، هيلاري كلينتون، على نجمة سداسية وحفنة من فئة 100 دولار. وسارع منتقدون إلى الاشارة بأن الجمهوريين لم يعاقبوا سوى، اخيراً، نائب ايوا، ستيف كينج، وهو شخص معروف بتاريخه الطويل في الإدلاء بتصريحات عنصرية صريحة. وقال مدير الاتصالات في «جي ستريت»، لوغان بايروف، وهي جماعة مؤيدة لإسرائيل، إن تداعيات تصريحات عمر ترقى إلى «التبسيط الخطير والتسليح السياسي» للقضايا المطروحة. وأضاف «اعتذرت عضو الكونغرس عن الأشياء التي زعمت أنها كانت إشكالية وغير حساسة»، ويسترسل «وبالتأكيد أن هناك رغبة من الجناح اليميني والجانب الجمهوري لاستغلال هذه الخلافات، ليس من أجل معالجة مسائل معاداة السامية، وليس لتقديم حوار أو نتائج سياسية أفضل، ولكن لتسجيل نقاط سياسية». «لم يكن سؤالاً» المواجهة الحادة بين عمر وأبرامز سقطت في مأزق مماثل، ففي جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، ضغطت عمر على ماضي أبرامز، بما في ذلك دوره في فضيحة إيران-كونترا، ودعمه الحكومات البربرية في أميركا الوسطى. ووجهت حديثها اليه قائلة: «السيد أبرامز، في عام 1991، اعترفت بالذنب في تهمتين، تتمثلان في حجبك معلومات عن الكونغرس بشأن قضية إيران-كونترا، والتي تم العفو عنك بشأنهما في وقت لاحق من قبل الرئيس جورج بوش الأب. لا أفهم ما هو الدليل الذي يجعل أعضاء هذه اللجنة أو الشعب الأميركي يصدقون ما تقدمه إليه من بيانات؟». وعندما حاول أبرامز الرد عليها قاطعته فجأة قائلة: «لم يكن هذا سؤالاً». وأدان المحافظون معاملة عمر لهذا الدبلوماسي الأميركي المخضرم، الذي قدم المشورة للجمهوريين البارزين منذ فترة طويلة. وفي الوقت ذاته احتفل التقدميون باستجواب عمر لابرامز، الذي انتشر كمثال نادر على تأديب أحد أعضاء النخبة في واشنطن. ويقول الأستاذ المساعد في التاريخ بجامعة ويسكونسن، باتريك إيبر، إنه من «المناسب تماماً» الضغط على «أبرامز» بشأن عمله في سنوات الرئيس الراحل، رونالد ريغان. ويضيف إيبر: «إن سياسات إدارة ريغان في أميركا الوسطى كانت مسؤولة عن العنف والمعاناة للشعوب هناك، وكان دور أبرامز في ذلك الوقت هو أنه ظل يصادق على تقدم حقوق الإنسان لدى الأنظمة المدعومة من قبل الولايات المتحدة، وهذا يعني، في جوهره، أنه تغاضى عن الأدلة، بما في ذلك المذبحة الفظيعة التي حدثت في إل موزوتي في السلفادور». ويقول الباحث والمحلل السياسي في مجموعة الأزمات، فيل غونسون، إنه سيكون من «غير المعقول» عدم إثارة ماضي أبرامز في جلسة استماع تركز على قضية أخرى مثيرة للجدل حول سياسة أميركا اللاتينية التي كان مسؤولاً عنها، و«في هذا الصدد، أعتقد أن عمر كانت على حق تماماً أن تذكر أن هذه الشخصية العامة لها سجل من الكذب على الكونغرس». وعلى الرغم من أن غونسون وجد أن عمر «ليست ملمّة تماماً» بالوضع في فنزويلا، وكيف انها كانت تختلف عن غواتيمالا والسلفادور في الثمانينات، فقد أكد أنه من واجب المشرعين طرح أسئلة صعبة على المسؤولين المكلفين بالإشراف على السياسة الأميركية. وقال غونسون: «بالنظر إلى سجله السابق، فأنا شخصياً لست متشجعاً بأن تختار إدارة ترامب إليوت أبرامز للإشراف على استعادة الديمقراطية في فنزويلا». غير أن موقف عمر قد تسبب في انقسام الديمقراطيين في الكونغرس، حيث عبر البعض عن قلقه من نبرة خطاب هذه المشرعة. إلا أن رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، بعد لقائها مع عمر لمعالجة تغريداتها واعتذارها، أشارت إلى أن الوقت قد حان للمضي قدماً، على الأقل في الوقت الحالي. وتحدثت بيلوسي لمحطة «سي إن إن» قائلة: «لقد اعتذرت العضوة الجديدة في الكونغرس عن تعليقاتها، لكن استغرق الأمر 13 سنة بالنسبة للجمهوريين للتعليق على ما ذكره ستيف كينغ!». - برزت النائبة إلهان عمر كقوة رئيسة مناوئة للجمهوريين في الكونغرس، الذين هاجموا بلا هوادة وجهات نظرها حول العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية.طباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :