4 تريليونات دولار أصول مكاتب الثروات العائلية

  • 2/25/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: بنيمين زرزور الصورة النمطية، التي نتخيلها حول أنشطة الحلقات العليا في شركات وصناديق إدارة الأموال، غالباً ما تكون في أحد بنوك جنيف الخاصة أو «ماي فير» في لندن، بردهاتها الرخامية، وغرف اجتماعات؛ تعكس نمط تصاميم المنزل الريفي؛ كي تمنح زبائنها من الأثرياء شعور الجلوس في المنزل؛ لكن هذه الصورة عفا عليها الزمن، وحلت مكانها مئات المكاتب الزجاجية المعتمة في مناطق؛ مثل: كاليفورنيا أوسنغافورة، تستثمر في كل ما له بريق من السندات الكندية، والعقارات الأوروبية، والشركات الناشئة الصينية؛ لكن أصحاب هذه المكاتب يمشون نياماً نحو عاصفة سياسية جائحة. يخضع عالم التمويل - وفق تقرير الإيكونوميست - إلى عملية تحول جذري يزداد فيها المليارديرات ثراء، ويتقلص دور الوسطاء؛ من خلال «المكاتب العائلية»، وهي شركات استثمار شخصي تجوب كل أسواق المال العالمية؛ لاقتناص الفرص. لقد أصبحت المكاتب العائلية، التي تنشط في الخفاء على نطاق واسع، قوة في الاستثمار يجب أن يحسب حسابها؛ بعد أن تجاوزت قيمة أصولها أربعة تريليونات دولار؛ أي أكثر من أصول صناديق التحوط، وما يعادل 6٪ من قيمة أسواق الأسهم في العالم. وبما أن نموها يتزامن مع حقبة الحركات الشعوبية، فإنها مرشحة لمواجهة أسئلة غير مريحة حول كيفية تمركز السلطة، وتغذية التفاوت الطبقي. وهذه الصورة بما تحمله من معنى، قديمة جديدة. فقد أنشأ جون روكفلر مكتب عائلته في عام 1882؛ لكن عدد المكاتب شهد قفزة كبيرة خلال القرن الحادي والعشرين، ليصل إلى ما بين 5 و10 آلاف مكتب موزعة بين أمريكا وأوروبا وفي مراكز المال الآسيوية؛ مثل: سنغافورة وهونج كونج. ورغم أن مهمتهم الرئيسية تتمثل في إدارة الأصول المالية، إلا أن أكبر تلك المكاتب، وبعضها يضم مئات الموظفين، تمارس كل أنواع الأعمال، بدءاً من الضرائب والتوافق مع القوانين أو التحايل عليها، وانتهاء بمهمات الدعم اللوجستي الرفيعة والوضيعة، التي تشمل حجوزات الطائرات ورعاية الحيوانات الأليفة. لكن تكاليف حصر هذه الخبرات في الخدمات الخاصة للأثرياء لا يطيقها إلا من تجاوزت ثروته 100 مليون دولار. وقد أسس أباطرة آسيا مثل جاك ما، صاحب «علي بابا» إقطاعات خاصة بهم. وتشرف أكبر مكاتب العائلات «الغربية، مثل تلك التي أنشأها جورج سوروس، على أنشطة بعشرات المليارات، وهي لا تقل سطوة عن شركات «وول ستريت»، التي تتنافس مع البنوك وشركات الأسهم الخاصة على صفقات تشمل أحياناً شراء شركات كاملة. ومعلوم أن طفرات الاستثمار تعكس تركيبة المجتمع، الذي أنتجها. فقد نشأت صناديق الاستثمار التبادلية المتواضعة في السبعينات بعد عقدين من ازدهار الطبقة الوسطى في أمريكا. أما انتشار المكاتب العائلية؛ فيعكس تفاقم ظاهرة التفاوت الطبقي. ومنذ عام 1980 ارتفعت نسبة الثروة، التي يملكها أغنى0.01٪ من 3٪ إلى 8٪ من حجم الأصول العالمية. وبما أن مؤسسي الشركات العائلية يجنون أرباح أسهمها كاملة، وعائدات عمليات الاكتتابات الأولية، فإنهم يتحكمون في عملية توزيع النقد؛ لكن منذ الأزمة المالية اهتزت ثقة الأثرياء في صناديق إدارة الأموال، وراجعوا موقفهم من البنوك الخاصة، التي تتقاضى منهم رسوماً باهظة ولا توفر لهم حوافز مغرية، وقرروا مقاطعتها كل حسب الظرف والتوقيت الذي يناسبه. ويبدو أنه من غير المرجح أن يتغير هذا التوجه. فعدد المليارديرات لا يزال يتزايد بدليل أن 199 مليارديراً انضموا إلى القائمة عام 2018. وتختلف الصورة من منطقة لأخرى. ففي العالم الناشئ، يستعد رواد الأعمال من كبار السن، الذين أسسوا شركات في فترة الازدهار، التي أعقبت عام 1990 للغياب عن الصورة، بينما في أمريكا والصين، سرعان ما يعوم رواد الأعمال الشباب شركاتهم؛ لتظهر موجة جديدة من النقود الجاهزة لإعادة الاستثمار؛ لذلك من المرجح أن يزداد وزن المكاتب العائلية في النظام المالي. وفي غضون هذه الزيادة تتزايد الاعتراضات على أنشطتها بشكل كبير. وأكثر تلك الاعتراضات وضوحاً هو الأقل إقناعاً، أي أن المكاتب العائلية هي المسؤولة عن انعدام المساواة؛ لكنها في الواقع نتيجة وليست سبباً، مع ذلك هنالك مخاوف تثيرها تستدعي القلق. أول تلك المخاوف هو أن المكاتب العائلية يمكن أن تعرض استقرار النظام المالي للخطر. فثلاثية الثراء والغموض وتذبذب الأسواق ما هي إلا قنبلة موقوتة. ففي عام 1998، انفجر صندوق تحوط قيمته 100 مليار دولار مدعوم من قبل كبار الأثرياء، ما أدى إلى انهيار «وول ستريت». كما سقط عشرات الأثرياء في فخ «بونزي»، الذي نصبه لهم بيرني مادوف، الذي انهار في عام 2008. وبينما تسير الأمور بلا منغصات، لا تأبه المكاتب العائلية لكارثة منتظرة. فحجم ديونهم يعادل 17 ٪ من إجمالي أصولهم، وهذا يعني أنه بين الأقل استدانة بين قوى السوق في مختلف دول العالم. وفيما يخص ميزانياتهم العمومية فهي الأكثر استقراراً، واستثماراتهم غالباً ما تكون من النوع طويل الأجل فهي الأقل هشاشة في وجه الأزمات، مقارنة مع البنوك وصناديق التحوط. أما الثاني فهو أن المكاتب العائلية يمكن أن تزيد من هيمنة الأثرياء على الاقتصاد. هذا ممكن، فعندما يستثمر بيل جيتس حصرياً في تركيا، ويملك 65٪ من سوق الأوراق المالية فيها، فإن الهدف عادة هو توزيع المخاطر وليس تركيز القوة عن طريق نشر رأس مال المكاتب العائلية الأصلية في محفظة واسعة الانتشار. ولا يزال قطاع المكاتب العائلية أقل تركيزاً من شركات إدارة الأصول السائدة، التي تهيمن عليها بعض الشركات مثل «بلاك روك». وتملك المكاتب العائلية خلافاً لما هو عليه حال صناديق إدارة الأموال، عقلية منفتحة وممارسات إيجابية؛ مثل: الاستثمارات طويلة الأجل ودعم وتشجيع الشركات الناشئة. لكن عنصر الخوف الثالث هو الأشد خطورة. فقد تملك المكاتب العائلة امتياز الحصول على المعلومات والصفقات والإعفاءات الضريبية، التي تتيح لها ميزات تنافسية تضر بالمستثمرين العاديين؛ لكن حتى الآن لا تتوفر سوى القليل من الأدلة على ذلك. فقد ارتفع متوسط عائدات الاستثمار في قطاع المكاتب العائلية 16٪ عام 2017 صعوداً من 7 ٪ عام 2016، طبقاً لإحصاءات شركة «كامدين ويلث» لأبحاث السوق، وهذا رقم أدنى بقليل من متوسط العائدات، التي حققتها أسواق الأسهم العالمية؛ لكن المكاتب العائلية تزداد ترابطاً، وتصبح العلاقات فيما بينها أكثر تعقيداً، وأقل من ثلث عددها يمتلك فرعين على الأقل، ما يجعل التهرب الضريبي أسهل. ويفرش السماسرة والمصارف اللاهثة وراء العائدات، السجاد الأحمر أمام شركات غير متاحة للمستثمر العادي، وتخبئ لها الصفقات الدسمة. وإذا لم يكن تأثير هذا النهج واضحاًَ في المرحلة الحالية فإنه يشكل أرضية خصبة لتفاقم التفاوت الطبقي والفساد. والحل ربما يكون في اليقظة والوضوح. فمعظم هيئات التنظيم ووزارات المالية والسلطات الضريبية يعدون أغراراً؛ عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع المكاتب العائلية، ولكنهم يلزمون بالتأكد من متابعة القواعد الخاصة بالتداول الداخلي، والعدل والمساواة؛ عندما يتعلق الأمر بفرص الاستثمار والمعاملة الضريبية. ويجب عليهم أن يلزموا المكاتب العائلية، التي تمتلك أصولاً تزيد على 10 مليارات دولار بنشر حسابات تفصيلية عن أنشطتها. وفي عالم الامتيازات المشبوهة، يبقى تعزيز الشفافية مصلحة للمكاتب العائلية الكبيرة. في المقابل، يجب أن تتاح لهم حرية العمل بدون مضايقات، ومن المؤكد أن لديهم أشياء يتعلم منها المئات من مديري الأصول الذين يخدمون المستثمرين العاديين، الذين ينتظر الكثير منهم المردود الشهري لاستثماراتهم، ويرغبون في التخلص من الوسطاء.

مشاركة :