مع أوّل اختبار له، تعرّض الهيكل الحكومي في لبنان لهزّة عنيفة، نصبت المتاريس في قلب الحكومة الجديدة، ذلك أنّ ملف النازحين أشعل حريقاً سياسياً، أُمكن إطفاؤه عنوةً ومؤقتاً، لكنّه تبعاً للتباينات والانقسامات الحادّة حوله ما زال جمراً تحت الرماد يُنذر باشتعاله في أيّ لحظة. وهكذا، بدا واضحاً أنّ الوعود التي راكمها أهل الحكومة، عشية انطلاقتها، قد ذهبت مع الرياح السياسية التي عصفت بالحكومة في أولى جلساتها، ما أحاط الواقع الحكومي بعلامات استفهام حول مستقبل هذه الحكومة، وحول كيفية مقاربتها سائر الملفات المتراكمة، التي لا تقلّ حساسية عن ملفّ النازحين. مع الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون صارح الوزراء بأنّ ملف النازحين يستدعي التنسيق مع سوريا التي تشهد أماناً في أغلبية المناطق، باستثناء البعض. «بروفة» أولية وإذا كانت الجلسة الأولى لمجلس الوزراء «بروفة» أوليّة عن الجلسات الحكومية المقبلة، تأكّد للمراقبين أنّ الحكومة، فيما يخصّ العلاقات مع سوريا، حكومتان، بل حتى ثلاث حكومات. فهناك المؤيّدون لعودة تطبيع العلاقات مع النظام القائم من باب البحث في موضوع النازحين، وهناك المعارضون لأيّ علاقة مع النظام، وهناك أخيراً الذين ينؤون بأنفسهم على موقف لهم بالعلن على الأمل والاصطفاف الحادّ الذي بدأ، الخميس الماضي، والذي تكرّس خلال الساعات الأخيرة عبر السجال الحادّ الذي سيتجدّد عند البحث في كلّ موضوع خلافي. ذلك أنّ الجلسة العملية الأولى للحكومة لم تفجّر موضوع العلاقات مع سوريا فحسب، بل حتى موضوع الصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة. ملف حاضر ومهما يكن، فإنّ ملفّ النازحين سيبقى حاضراً، كبند رئيس، على طاولة الحكومة في المرحلة المقبلة، في سياق المساعي الرسمية المبذولة لإحداث نقلة نوعية على صعيد فتح الأبواب أمام عودة النازحين إلى سوريا، بعد ثماني سنوات من التداعيات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على الواقع اللبناني. أما سجاله، فلا يزال مستمراً، وهو مرشّح للتصاعد في ظلّ تمسّك كل طرف بموقفه. وهذا السجال فرض تموضعاً جديداً داخل مجلس الوزراء: رئيس الجمهورية في الواجهة، ورئيس الحكومة على صمت لافت، فيما يتولى المستشارون شرح الصمت وتوضيح ما لم يُقلْ. في الأثناء، يواكب مجلس النواب في دورة استثنائية الانطلاقة الحكومية بجلسات ثلاثية الأهداف: تشريع ومحاسبة ومساءلة. وكان رئيس مجلس النواب نبيه برّي طلب فتح الدورة، فوقّع ورئيس الجمهورية مرسومها، على أن تستمر حتى 18 مارس المقبل ضمناً. سجال الصلاحيات إلى ذلك، أعادت مناقشات الجلسة الأولى لمجلس الوزراء البحث في الصلاحيات الدستورية، الأمر الذي يقتضي مصارحة بين الرؤساء الثلاثة حول المقاربة التي نصّت عليها مواد الدستور على نحو واضح، منعاً للعودة إلى توليد حالات تشنج في البلاد. وعلى هذا الصعيد، حسمت مصادر قريبة من رئيس الوزراء سعد الحريري الموقف بالقول إنّ نصّ الدستور واضح لجهة إناطة السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعاً، وهو الذي يرسم السياسة العامة للدولة في المجالات كافّة. كما أكدت المصادر ذاتها لـ«البيان» أنّ مجلس الوزراء المقبل أمام اختبار آخر، ولذلك لا بدّ من رصد بعض المواقف والاتصالات للتهدئة، وفصل عمل الحكومة عن القضايا السياسية. وفيما تحوّل مجلس الوزراء إلى مسرح للصراعات السياسية، في ضوء ما جرى في جلسة يوم الخميس الماضي من سجالات كادت أن تفجّر الحكومة من الداخل، كان لافتاً عودة سجالات الصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة، في ضوء ما قاله الرئيس عون في مجلس الوزراء عن صلاحياته الدستورية، وإنه هو الذي يعرف مصلحة البلاد العليا، وهو الذي يحدّدها، ما دفع نواب في تيّار «المستقبل» لأن يقولوا بأنّ صلاحيات رئيس الجمهورية لا تشتمل اتخاذ قرارات نيابةً عن مجلس الوزراء مجتمعاً.طباعةEmailÙيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :