قبل أقل من 5 أسابيع من مغادرة بريطانيا المقررة للاتحاد الأوروبي، فإنه لا يوجد أحد يعرف كيف سيحدث ذلك على وجه اليقين، وهل سيتم التأجيل لعام 2021 في أعقاب تصريحات لمسؤولين في الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن تمديد فترة التفاوض بوقت إضافي سيسمح للطرفين بتطوير خططهما للعلاقة المستقبلية.ويترك عدم اليقين «طويل الأمد»، الذي يشير إليه فيليب هاموند محافظ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني)، باسم «ضباب خروج بريطانيا»، بعض القلق بشأن النمو... لكنّ أكثر من 66 مليون شخص، هم عدد سكان المملكة المتحدة، يكادون لا ينامون خلال الأسابيع القلائل القادمة، مع غياب أي معلومة مؤكدة عن ماذا ستكون عليه دولتهم مع الساعات الأولى من صبيحة يوم 30 مارس (آذار).وبعد عامين ونصف العام من الاستفتاء على الانفصال، فشلت التنبؤات الأكثر رعباً بما كان يمكن أن يحدث للرفاهية المالية، والتي أشار إليها جورج أوزبورن، المحافظ السابق، في مايو (أيار) 2017 حول توقعاته لما سيحدث بعد عامين من تصويت المغادرة.وقال أوزبورن آنذاك إن «تصويت المغادرة من شأنه أن يمثل صدمة فورية وعميقة لاقتصادنا... وهذه الصدمة ستدفع اقتصادنا إلى الركود الذي سيؤدي إلى زيادة معدل البطالة بنحو 500 ألف شخص، فضلاً عن ضعف الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.6%. وسيقل متوسط الأجور الحقيقية، مع ارتفاع التضخم وضعف الجنيه الإسترليني وتأثر أسعار المنازل، وارتفاع الاقتراض العام مقارنةً مع التصويت للبقاء».وفعلياً لم يتقلص الاقتصاد البريطاني بالشكل الذي وصفه أوزبورن وغيره من المحللين؛ لكنه بالتأكيد انحرف بشكل كبير عما كان متوقعاً مقارنةً بالبقاء. حيث نما الاقتصاد بمعدل 1.5% سنوياً فقط في المتوسط منذ الاستفتاء، وهو معدل ليس مرتفعا مقارنة بالاقتصادات الشبيهة، لكن ليس كارثياً أيضاً، فقد شهد متوسط الأجور الحقيقية ارتفاعاً ولو كان طفيفاً.ومنذ ذلك الحين، اتسعت الفجوة بين هذه التوقعات والواقع، بسبب عدم اليقين المطول حول نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.وتباطأ إنفاق التجزئة بشكل حاد مع نهاية العام الماضي، في حين أشار استطلاع رأي لـ«الشرق الأوسط» في عينة قوامها 103 من مديرين تنفيذيين بقطاعات التجزئة والصناعات التحويلية إلى أن الطلبيات الجديدة لنشاط الصناعات التحويلية انخفضت بشكل كبير مدفوعة من الشركات التي عجلت الإنتاج لتفادي خطر الاضطراب بعد 29 مارس المقبل.وقال خبراء لـ«الشرق الأوسط» إن الاستثمار في الأعمال تباطأ بشكل حاد، ومن المعتقد أنه سينخفض أكثر هذا العام مع الخروج المنتظر الشهر المقبل. وبرر الخبراء هذا التراجع بضعف الطلب من أماكن أخرى، كما تباطأ الطلب في الصين وأوروبا، وليس فقط إلى عدم وضوح الروية بشأن الخروج البريطاني.ونتيجة لذلك كله، يقوم «المركزي» البريطاني الآن بحساب المستوى الإجمالي للناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.2% سنوياً، أي أقل مما كان متوقعاً قبل ثلاث سنوات.على جانب آخر، يميل انخفاض الاستثمار في الأعمال التجارية إلى الكفاءة التي يمكن أن تشكلها الإنتاجية، وبالتالي يمكن أن يكون لها تأثير مستمر على «صحة الاقتصاد».وبعد الاستفتاء، انخفض الجنيه الإسترليني أمام الدولار، فكان أكثر تكلفة لعطلات البريطانيين في الخارج، لكن المملكة على صعيد آخر أصبحت أكثر جاذبية، حيث زارها 39.7 مليون سائح في 2017، وأنفقوا 24.5 مليار جنيه إسترليني في نفس العام. ونظرياً، يجعل ضعف الجنيه صادرات المملكة المتحدة أكثر جاذبية أمام العالم الخارجي، لكن المبيعات ارتفعت بأقل من المتوقع بسبب تخوفات تأخير الطلبات بعد صفقة «بريكست». وفقدت الأسر البريطانية ما يقرب من 1500 إسترليني منذ الاستفتاء على الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي بسبب التضخم الأعلى من المتوقع وتباطؤ النمو الاقتصادي.وأفاد خبراء بأن المملكة المتحدة شهدت أكبر تباطؤ في نمو الدخل في أي اقتصاد مقارن بالتزامن مع تضخم أعلى من المتوقع. وشهد الاقتصاد البريطاني نوعاً من «سوء الأداء» في المؤشرات كافة منذ منتصف 2016، وهو ما يصفه خبراء بأنه «مسألة خاصة بالمملكة المتحدة» إلى حد كبير بالتزامن مع وضع عالمي مضطرب.وقال جيمس سميث، مدير الأبحاث في «ريزليوشن فاوندشين للأبحاث»: «سنتان ونصف السنة منذ التصويت، وما زال موقف البلاد بعد (بريكست) أبعد ما يكون عن الوضوح». وقالت جينا فرانسيس، المحللة الاقتصادية في «بي إن بي باريبا»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك انخفاضاً ملحوظاً في النمو الاقتصادي للمملكة المتحدة مع اقتراب يوم الخروج المحدد في نهاية مارس المقبل.وأكدت فرانسيس أن على السياسيين من جميع الأطراف إدراك أن حالة الأسر البريطانية أصبحت على المحكّ، فضلاً عن عدم وعيهم بكيفية تقدم البلاد وليس فقط إلى أين تتجه.وخلصت مذكرة لمعهد الدراسات المالية البريطانية إلى أن الخروج من دون صفقة سيترك عجز الموازنة البريطانية مرتفعاً لمستويات عليا تقترب من 50 مليار جنيه إسترليني مما لو بقيت بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. كما أظهرت الأرقام الرسمية أنه في الربع الأخير من عام 2018، تباطأ النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة مع انخفاض صناعة السيارات، لينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 0.2% بين أكتوبر (تشرين الأول) وديسمبر (كانون الأول)، وفقاً لمكتب الإحصاءات الوطنية، مقارنةً مع نمو بنسبة 0.6% في الربع السابق. وفي الوقت نفسه، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة 1.4%، وهو أضعف مستوى له منذ عام 2009.
مشاركة :