حين اقترب عمري من العشرين ذهبت مع أربعة من الأصدقاء إلى المنطقة الشرقية في سيارة واحدة، كانت أعمارنا متقاربة وصداقتنا قديمة وجيدة، ولكن في طريق العودة إلى الرياض وبعد أن أمضينا أسبوعاً ممتعاً، خطر لأحدنا فكرة شيطانية، اقترح أن يذكر كل واحد منا عيوب كل صديق وما يكرهه فيه ويستثقله بسببه، واشترط علينا أن يُقسم بأغلظ الأيمان على قول الحقيقة بهدف تلافي العيوب وتخفيف طول الطريق. كنا أغراراً فوافقنا وأقسمنا بأغلظ الأيمان على قول الحقيقة!.. بدأنا بقائد السيارة فأخذ يوضّح عيوب كل واحد بالتفصيل فهذا أحمق وذاك أناني، والثالث ثقيل دم والرابع بخيل! وتناوبنا على تشريح بعضنا كما يفعل الأطباء بالجثث، لم نترك عيبا بادياً أو خافياً في واحد منا إلا ذكرناه، في البداية كان الآخرون يضحكون على عيوب المنقود، ولكن كل من وصلت سكين التشريح لجسده أحس بالألم العنيف الذي تفعله طعنات السكين، وبالمرارة الشديدة من الناقدين ومن المنصفين، فهو لا يحس ولا يعترف بأي عيب قيل فيه أو نقص نُسب إليه، فالإنسان لا يرى عيوبه بل يرضى عن نفسه لأنه يحبها، والمحب لا يرى عيوب حبيبه.. «وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ ... وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا». لم نقطع نصف الطريق حتى ساد علينا وجومٌ عميق، وأبغض بعضُنا بعضاً وإن لم يجهر بذلك. ياالله! أهذا شعور صديقي نحوي؟!.. رباه هل يعتقد هذا الصديق القديم أنّ فيّ هذا العيب الكريه وأنا لا أشعر به ولا أعترف بوجوده أصلاً؟!.. إلى هذا الحد المخيف ظهرت فينا العيوب وانكشف المستور! وصلنا الرياض بشق الأنفس وقد أظلمت قلوبنا وكرهنا الصداقة والحياة!.
مشاركة :