د.جوزيف رامز أمين يكتب: في القمة العربية – الأوروبية الأولى تأملات

  • 2/26/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أفكار عديدة تواردت فى ذهنى وأنا أتابع فعاليات القمة العربية-الأوروبية الأولى.. لعل أولها وأهمها-وكما ذكر الرئيس السيسى فى خطابه الختامى خلال اليوم الثانى والأخير للقمة، أنها مثلت محطة ونقطة التقاء أولى جمعت رؤساء ومسئولي حوالى ٥٠ دولة أوروبية وعربية وبكل مجالسهم وفعالياتهم المتباينة، خاصة وهم مختلفين فى التوجهات والأفكار والثقافات وكذا فى ترتيبهم فى جداول تصنيف التنمية البشرية ونسب النمو، وحتى فى مجالات الممارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبرؤية مختلفة عما سبقها لكن حدث اللقاء المتوقع والمخطط لأعمال القمة بنجاح يومى الأحد والأثنين وبمشاركة 74 وفدًا من رؤساء وزعماء الدول الأوروبية والعربية، على مدار يومين، تحت شعار ”الاستثمار في الاستقرار" وبدون أى ضغوط أو املاءات..الأمر الذى يسجل لمصر بحروف من نور فى التاريخ الدولى المعاصر...خاصة وأنها أيضا كانت نقطة الانطلاق الأولى للقمة العربية-الأفريقية عام ١٩٧٧..والقمة الأوروبية-الأفريقية الأولى عام ١٩٩٠..وكأنها "أى مصر" تعد هى البوابة الرئيسية ونقطة الانطلاق الأولى لكل الفعاليات واللقاءات الدولية الهامة فى المنطقة والعالم. أما الملاحظة والفكرة الثانية الرئيسية فإنه وفى خضم زمن العولمة والنظام العالمى الجديد الذى نعيشه وتفاقم قضايا اللاجئين والمشردين والهجرة غير الشرعية وتفكك العديد من دول المنطقة العربية وحالة عدم الاستقرار السياسى وتفاقم قضايا العنف والارهاب..وفشل ما يسمى بثورات الربيع العربى: فقد بات هناك ظواهر عديدة لابد من مواجهتها وهو الأمر الذى بلا شك أثر على فعاليات القمة وأثقل الحاضرين بكم كبير من الجدال المصحوب بوجهات نظر مختلفة..لكن على الأقل فقد توجت القمة بإعلان سياسي كان بمثابة البوتقة لكل النقاشات التى أديرت خلال القمة..وركزت بشكل رئيسى على الاستقرار والأمن والهجرة غير الشرعية والإرهاب والتطرف وسبل المواجهة والعمل على الحد من انتشار هذه الظواهر. ولعل المتابع لتلك القمة يدرك للوهلة الأولى أن هذه القمة كمحطة تاريخية تصلح ما سبق أن أفسدته تاريخيا عدد من القمم واللقاءات الأوروبية السابقة :رغم بعدها زمنيا, كمثل اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916،حيث كانت اتفاقا وتفاهمًا سريًا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية وقتها على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى. ولقد تم تقسيم منطقة بلاد الشام والعراق بشكل أساسي بموجب الاتفاق، وحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال (سوريا ولبنان) ومنطقة الموصل في العراق. أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالاتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا. كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها,الأمر الذى كان له تداعيات سلبية على مستقبل المنطقة وماحدث بعدها.خاصة وأنه أعقبها "وعد بلفور" وهو كان بوابة لنكبة فلسطين ولبروز "قضية فلسطين"قضية العرب الأولى. كان هناك أيضا اتجاه سلبى أوروبى آخر تمثل فى مؤتمر برلين لتقسيم أفريقيا ونهب ثرواتها وعقد المؤتمر في الفترة ما بين 15 نوفمبر 1884 إلى 26 فبراير 1885 وحضر المؤتمر أربعة عشر دولة منها خمس دول كانت لها النصيب الأكبر في الاهتمام بالقارة الأفريقية، والدول الخمس هي: ألمانيا، بريطانيا، البرتغال، فرنسا، وبلجيكا. ولعب بسمارك دورا كبيرا في الموازنة الدولية بين الدول فقد أدرك بأنه لابد من منع تصادم الدول الأوروبية وان استعمار أفريقيا لابد وأن يتم دون صدام مسلح، ويجب أن يتم في اطار مؤتمر دولي لذلك كانت الدول الأوروبية مقتنعة إلى حد كبير بجدوى هذا الأسلوب الدولي ونجحت فكرة عقد المؤتمر,واذا كان المؤتمر قد عقد لبحث مشكلة الكونغو الا أنه ما لبث أن امتد وشمل عدة مشكلات أخرى.. أهمية القمة :من ثم ,يمكن القول أن القمة الحالية تمثل نقطة انطلاق جديدة ومحطة مهمة فى التعامل وتوثيق علاقات المصلحة بين أوروبا والعالم العربى المتاخم لحدودها و أنه رغم غياب بعض القادة أو المسؤلين:لسبب أو لآخر لدى الجانبين, لكن الرموز الأساسية لم تتغير بل حضرت وشاركت مصر المستضيفة "بشكل قيادى"وشاركت السعودية وغيرهما من القيادات العربية الهامة،بجانب قادة المانيا وانجلترا:أهم وأكبر دولتين أوروبيتين ..ورغم أن الاخيرة لها حالة خاصة وهى بصدد اكمال اجراءات الانسحاب من الاتحاد الأوروبى..لكن رغم ذلك فمكانة انجلترا على المستوى الدولى قائمة ومستمرة..وستظل علاقاتها الأوروبية فى حالة جدال لاينتهى,هذا فضلا عن حضور معظم مسؤلى المجلس الأوروبى والجامعة العربية. ويمكن القول أن القمة والتى أثبتت بما لايدع مجالا للشك رسوخ مناخ الأمن والاستقرار فى مصر..وبما يمكن أن يعنيه هذا من تدفق الاستثمارات والسياحة الى مصر..كما أنها توطد من مكانة شرم الشيخ وسمعتها العالمية كمدينة للسلام.. أيضا فان تعامل مصر مع قضية الهجرة غير الشرعية وأن لديها تجربة ناجحة في التصدي لها ومنع التسلل لأوروبا وأنها استطاعت ضبط حدودها بشكل كبير.. قد بات يعد نموذجا يجتذى بها,كما أنها أيضا قد أضافت الى القاموس السياسي فى المنطقة مصطلح :ملف القمة العربية-الأوروبية والتى باتت من المقرر أن تعقد كل ٣ سنوات كآلية هامة للحوار والسلام والتفاهم بين العالمين العربى والأوروبى...وبعد أن كانت العلاقات بينهما تعج بالمشكلات والتناقضات ,لكن تضمنت القمة حوارًا شفافًا ومفتوحًا تمامًا في جميع القضايا وكل ما يهم القارة الأوروبية والمنطقة العربية، بحيث أنه يمكن أن تكون القمة بداية للحوار الفعال بين المنطقتين العربية والأوروبية.. أيضا جاءت دعوة السيسي لكل من : العرب والأوروبيين للاتفاق على ”مقاربة شاملة“ لمكافحة الإرهاب وامكانية مساهمة الجانب الأوروبى لاحقا فى دعم الدول العربية المتضررة من الحروب والنزاعات,يرجى أن يتم : على نمط ماحدث فى مشروع مارشال لانهاض أوروبا من كبوتها بعد الحرب العالمية الثانية. حفلت القمة أيضا بعقد لقاءات جانبية للتداول بقضايا ثنائية أو ذات صلة بالأزمة السورية أو اليمنية أو الليبية أو سواها فيما بين زعماء جامعة الدول العربية والدول الأوروبية لمناقشة ومعالجة التحديات الحالية في المنطقتين اللتين تشكلان 12بالمائة من سكان العالم للشروع في التعاون والتنسيق والمضي بتعميق الشراكة الأورو_العربي القائم بين البلدان على مستوى القمة بالإضافة إلى آليات التعاون الأخرى القائمة. أيضا حفلت القمة بالالتزام للوصول إلى حل الدولتين على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، باعتبارها الطريقة الواقعية الوحيدة لإنهاء الاحتلال الذي بدأ في عام 1967 ، بما في ذلك القدس، وتحقيق سلام عادل ودائم وشامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين من خلال الشراكات بين الأطراف التي تتناول جميع قضايا الوضع النهائي. أيضا فلقد تبادل العرب والأفارقة الشواغل بشأن التهديدات للسلم والأمن الدوليين والإقليميين ، بما في ذلك :الإرهاب، التطرف، وأعمال عدم الاستقرار، والانتشار، والاتجار غير المشروع بالأسلحة والجريمة المنظمةوالتحديات التي تتطلب جهودًا متضافرة ، وفقًا للقانون الدولي ، بما في ذلك حقوق الإنسان الدولية في القانون. واعترف الجميع بأن السلام والأمن وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية والاجتماعية متبادلة. رؤية مستقبلية للدور المصرى:كانت الاستجابة الواسعة من دول الاتحاد الأوروبى للمشاركة فى القمة إدراكا لمدى الجدية والعائد من هذه القمة، القمة ترأسها مصر والمجلس الأوروبى، وهناك مشاركة من الاتحاد وأيضا من دوله الـ28، بما فيها الدول الأوروبية الكبرى حيث حضرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس وزراء فرنسا ورئيسة وزراء بريطانيا، فضلا عن رؤساء دول وحكومات أوروبا ورئيس المجلس الأوروبى دونالد تاسك، وفى نفس الوقت فإن الحضور العربى كبير على مستوى الملوك والرؤساء ورؤساء البرلمانات والحكومات.هذا الحضور الأوروبى والعربى، يشير إلى إدراك لأهمية القمة وتأكيد لنجاح مصرى فى تنظيمها، وهو ما دفع فيديريكا موجرينى، مفوضية السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، لوصفها بالحدث التاريخى، والقول إن هناك تطلعات مشروعة لدى كل جانب، ففى أوروبا لديهم مصالح يسعون إلى تحقيقها فى القمة العربية الأوروبية، مثل مواجهة الهجرة غير الشرعية، والتعاون فى ملف الإرهاب، وتحقيق الاستقرار فى العمق الاستراتيجى لأوروبا. أما الجانب العربى فله أهداف، مثل مصر التى تبحث عن المزيد من الاستثمارات والدعم المالى والسياسى فى حربها ضد الإرهاب. وهناك إشارات مهمة إلى دور مصر فى التعامل مع ملف اللاجئين، حيث تستقبل مصر ملايين من اللاجئين، وهى الدولة الوحيدة التى لا تعزلهم فى مخيمات، وتعاملهم كمواطنين، وتفتح لهم مجالات العمل والتعليم، وهو ما يخفف من مشكلاتهم الاجتماعية والإنسانية ومع هذا فإن مصر لم تتلق أى مقابل لهذا بينما هناك دول تمارس ابتزازا سياسيا بملف اللاجئين، وهو ما دفع جوهانس هان، المفوض الأوروبى المكلف بسياسة الجوار ومفاوضات التوسع، للإشارة إلى أنه سيطلب من القمة تخصيص دعم مالى لدعم الدول التى تستقبل مجموعات كبيرة من اللاجئين على أراضيها، وهو يقول: «مصر ستكون أكثر الدول استحقاقا لوجود مجموعة كبيرة من اللاجئين على أراضيها". وفيما يتعلق بملف الإرهاب، فقد كانت مصر سباقة لتنبيه أوروبا إلى أن الإرهاب ليس شأنا إقليميا أو محليا، لكنه قضية تؤثر على أوروبا والعالم، ومع الوقت أدركت أوروبا أهمية الطرح المصرى، خاصة مع ظهور مشكلات لآلاف الإرهابيين الأوروبيين من داعش، الذين يربكون أوروبا، ويمثلون تهديدا لدولهم وغيرها، فضلا عن رؤية مصر فيما يتعلق بالحل السياسى لصراعات المنطقة. ولقد توصلت الأجهزة والمؤسسات الأوروبية إلى صدق الرؤية المصرية، ووضوحها، وفى نفس الوقت أهمية توسيع مفاهيم الحقوق الإنسانية لتشمل بجانب الحقوق الشخصية، الحقوق الاجتماعية والحق فى عوائد التنمية، بجانبدعوة الرئيس السيسى الشركاء الأوروبيين أن يعوا ثقافة المنطقة وخطورة افلات الارهابيين بجرائمهم وأن يدركوا استيفاء جميع الاجراءات القانونية فى تطبيق عقوبة الاعدام, وبعيدا عن التهوين أو التهويل فإن القمة العربية الأوروبية جاءت بمثابة خطوة فى وقتها لتحقيق مصالح مشتركة لأطرافها فى عالم تعصف به الصراعات...وفى وقت تمر فيه المنطقة العربية بمرحلة دقيقة وحساسة فى تاريخها المعاصر.

مشاركة :