أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف استقالته بدون إبداء سبب، أمس الاثنين، في نفس يوم وصول الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران، تلك الزيارة التي لاقت إشادة من قبل التيار الأصولي المؤيد للمرشد علي خامنئي، باعتبارها انتصار للسياسة الخارجية الإيرانية.لم يقبل الرئيس الإيراني حسن روحاني يومها الاستقالة، كما لم يرد حينها على إعلان ظريف، لكن معظم أعضاء البرلمان حثوا الرئيس على رفض الاستقالة، وهدد عدد من الدبلوماسيين بترك مناصبهم، لكن ظريف طالبهم بالاستمرار في العمل قائلا: "أطالب كل إخواني وأخواتي في وزارة الخارجية والمكاتب التي تمثلنا بمواصلة واجباتهم"، وقال لهم في مذكرة "أتمنى أن تكون استقالتي بمثابة شرارة لإعادة وزارة الخارجية الإيرانية إلى موقعها القانوني في العلاقات الخارجية".وقال في مقابلة مع "إرنا"، "يتعين علينا أولا أن نبعد سياستنا الخارجية عن قضية صراع الأحزاب والفصائل... السم القاتل بالنسبة للسياسة الخارجية هو أن تصبح قضية صراع أحزاب وفصائل". ما يشير بأن الاستقالة لها أسباب سياسية داخلية كبيرة.وفي تقرير لموقع "إيران واير"، جاء أن استقالة ظريف قد تكون واحدة من أهم الاستقالات لأحد أعضاء الحكومة منذ قيام الثورة في عام 1979، كما سيكون لها تأثير على مستقبل تعاملات إيران على الساحة العالمية وتأثيرها في المنطقة.وأفادت وكالة "إرنا" بأن سوق الأسهم الإيرانية تراجعت خلال تعاملات اليوم، بأكثر من 2000 نقطة, وبحلول الساعة 13:30 بتوقيت موسكو، انخفض مؤشر بورصة طهران "TEDPIX" بواقع 2082.14 نقطة إلى 164711.5 نقطة. وأرجعت ذلك إلى استقالة ظريف.ونشر موقع "انتخاب" الإيراني، تصريحات منسوبة لظريف تعليقا على زيارة الأسد بأن "بعد صور المقابلة اليوم، لم يعد لجواد ظريف أي رصيد في العالم كوزير خارجية"وأضاف الموقع أن ظريف اعترض على صورة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، مع المرشد علي خامنئي والرئيس روحاني وبشار الأسد من دونه بالمخالفة مع البروتوكول.وبعد ساعات من استقالة ظريف، ظهرت أنباء مفادها أن إدارة روحاني بالكامل لم تبلغ بأن الرئيس السوري كان في طريقه إلى طهران، وهذا يشير إلى أن الوضع كان يمكن أن يكون أسوأ، فالرئيس روحاني نفسه كان من الممكن أن يستبعد من الاجتماع.وكان عدد من المسئولين المقربين من خامنئي قد أظهروا مرارا وتكرارا معارضتهم وازدرائهم لظريف، في إحدى المرات، اشتبك ظريف مع الجنرال سليماني، بعدما عزل حسين أمير عبد اللهيان من منصبه كنائب لظريف للشئون العربية.لكن من الواضح أن التوترات الأخيرة كانت حول الاتفاق النووي أكثر من كونها حول السياسات الإقليمية لإيران. فالاتفاق النووي كان ولا يزال أحد أهم أسباب الخلافات السياسية بين التيارين، الإصلاحي بقيادة روحاني والأصولي المتشدد بقيادة خامنئي، الذي كشف مؤخرا عنت رفضه للاتفاق منذ البداية، بسبب أنه لا خير يأتي من قبل الولايات المتحدة وأن هذا ما أثبته انسحاب ترامب من الاتفاقية في مايو الماضي. في حين يصر التيار الإصلاحي على ضرورة البقاء في الاتفاقية والعمل مع الثلاثي الأوروبي على الالتفاف على العقوبات الأمريكية.ومن أجل اغتنام الفرصة، تحدث بعض من أقرب مؤيدي المرشد الإيراني عن تقديم ظريف للمحاكمة بسبب الاتفاق النووي باعتباره مهندس الصفقة، بزعم أنها لم تكن غر مجدية لإيران فقط، بل أضرت بمصالح البلاد أيضا.هل تكتب الاستقالة نهاية ظريف؟ نفى محمود واعظي، رئيس مكتب الرئيس روحاني، قبول استقالة ظريف من قبل الرئيس. قائلا "الرئيس يرى سياسة خارجية واحدة..ووزير خارجية واحد لإيران". على الرغمن من إصرار ظريف على الخروج.وقال صحفي بوكالة "إرنا" الإيرنية قبل ذلك، إنه عندما سأل مصدر مطلع عما إذا كان الرئيس قد قبل استقالة ظريف، قال "نهاية ظريف".وأكد موقع "إيران واير" أنه حتى لو لم يقبل روحاني استقالة ظريف، فإن الاحتمال الأكبر، فظريف لم يستقل فقط، بل إن أنباء استقالته طغت على أخبار زيارة الأسد إلى طهران، وحرم النظام الإيراني من الدعاية الاحتفالية للزيارة حول نجاح التدخل الإيراني في سوريا وانتصار سياستها الإقليمية. الأمر الذي سيجعل ظريف يواجه موجة غاضبة من النقد والهجوم من قبل مؤيدي خامنئي.خارج دائرة خامنئي، قال البعض إن ظريف يمكن أن يكون مرشحًا للانتخابات الرئاسية المقبلة، على الرغم من أن ظريف قد أصر مرارا وتكرارا على أنه ليس على دراية كبيرة بالسياسات الداخلية. لكن بطبيعة الحال الآن، سيكون هناك احتمال ضئيل جدًا بأن يلتزم تيار المرشد الأعلى بترشيحه.اعترافات جاسوسخلال الأشهر الأخيرة، تمزق فريق ظريف للتفاوض النووي عمليا، حيث ألقي القبض على عبد الرسول دري اصفهاني بتهمة التجسس في سبتمبر 2018، وبينما كان يجيب ظريف على أسئلة البرلمان، عرض جواد كريمي قدوسي، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، شريط فيديو لاعترافات أصفهاني، والذي قال قدوسي إنه من إنتاج وحدة مخابرات الحرس الثوري، والذي صمم بوضوح من أجل نزع المصداقية عن دري أصفهاني فقط، بل عن فريق التفاوض بأكملة والاتفاق النووي نفسه.أما بالنسبة لبقية أعضاء الفريق، فقد تم تعيين حميد بعيدي نجاد سفيرا لإيران في بريطانيا، كما يشغل ماجد تخت روفانشي يشغل الآن منصب نائب سياسي للرئيس روحاني، وبقية الأعضاء أصبحت لديهم أدوار مختلفة وليسوا في مناصب بارزة.ومن بين الأسباب الأخرى التي أدت لاستقالة ظريف، عدم الموافقة على عدة تدابير كان من المقرر اعتمادها، والتي تتعلق بسمعة إيران الدولية، حيث لم يوافق مجلس تشخيص مصلحة النظام على بوتوكولات باليرمو المكملة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، والاتفاقية الدولية لمنع تمويل الإرهاب.تبعات استقالة ظريفعلى الرغم من أن القادة الأوروبيين أبدوا رغبتهم في الحفاظ على الاتفاق النووي، إلا أن مستقبله لم يعد آمنا.فالحديث المستمر عن تخلي إيران عن الاتفاق النووي، إلىا جانب استقالة ظريف، قد أثار المخاوف من ان إيان تتجه نحو صراعات مسلحة مع خصومها، وأنها قد تعني ايضا استقالة الدبلوماسية، والمزيد من السلطة للحرس الثوري الإيراني.بالنسبة لكثير من الإيرانيين، فإن استقالة ظريف ترمز إلى فشل المفاوضات، والأمل المفقود في أوروبا، وخطر الدخول في صراع مباشر مع المملكة العربية السعودية في اليمن، ومع إسرائيل في سوريا، وحتى مع القوات الأمريكية في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط.بروفيسور حقوق الإنسان بالنسبة لمعارضي الجمهورية الإسلامية، فإن الاستقالة لا تحدث فرقًا كبيرًا. وكان من المقرر أن يلقي ظريف خطابا عن حقوق الإنسان في إيران إلى اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تتناول القضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية. قبل استقالته، كان ظريف قد أطلق على نفسه لقب "بروفيسور حقوق الإنسان"، وادعى أنه كان يدرس الموضوع لأكثر من 30 عامًا. وتزامنًا مع هذا الادعاء، برر أيضًا انتهاكات الجمهورية الإسلامية لحقوق الإنسان بقوة أكبر من أي وقت مضى.وفي تبرير هذا السجل الأسود، قال: "اخترنا بأنفسنا أن نعيش بطريقة مختلفة". وأضاف مؤخرًا "نحن فخورون بأن نكون تحت ضغط من أجل دعم فلسطين" ، مشيرًا بشكل غير مباشر إلى هدف إيران المعلن. تدمير إسرائيل.كان محمد جواد ظريف من أشد منتقدي السياسة الخارجية للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ولهذا السبب ظل بعيدًا عن الحكومة خلال عهده. لكن المفارقة هي أن مصيره الآن يشبه مصير منوشهر متقي، وزير خارجية نجاد. تم إقالة متقي من منصبه أثناء زيارة خارجية، وطغى خبر إقالته على أخبار أخرى، ليس مختلفًا تمامًا عن استقالة ظريف التي احتلت مركز الصدارة خلال زيارة قام بها أحد أهم حلفاء إيران الإقليميين. تأتي استقالة ظريف في وقت تقوم فيه وزارة الخارجية الأمريكية بتعبئة وحشد الدعم ضد إيران. وكانت وزارة ظريف تبذل قصارى جهدها لتقليص أهمية مؤتمر وارسو الذي اقيم في وقت سابق من فبراير في بولندا. ولهذا السبب، فإن بعض الذين يدعمون إدارة ترامب وضغوطها المتزايدة على إيران يمكن أن يعتبروا استقالة ظريف نصرا سياسيا لهم.وظهر ذلك في ردود فعل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ورئيس وزراء لاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.وفي الأشهر الأخيرة، هاجمت إسرائيل مرارا المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا ، مما دفع حسن نصر الله ، الأمين العام لحزب الله اللبناني، لتحذير إسرائيل من احتمال نشوب حرب.وإجمالًا، قد تكون استقالة ظريف هي الاستقالة الأكثر أهمية لوزير في الحكومة منذ الثورة في عام 1979. حيث كان ظريف أول وزير خارجية إيراني يلتقي نظيره الأمريكي بعد أن قطعت العلاقات بين البلدين منذ نحو 40 عاما. والآن هو أول وزير خارجية للجمهورية الإسلامية يستقيل.لا بد أن تكون أصداء هذا الإعلان مهمة وطويلة الأمد.
مشاركة :