أولادكم ليسوا ملكاً لكم...!

  • 2/28/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ويمضي بنا العمر سريعاً... إلى محطات كانت بعيدة عن الأعين، عن الفكر، عن العقل، عن القلب...تمضي الأيام مسرعة إلى محطة نفسية نخشى من الاقتراب منها، محطة تختزل سنوات الحياة إنها محطة «الفقدان». في هذه المحطة تعلن حالات الافتراق والاحتراق النفسي، عندما يكتوي القلب، ويشعر بأن (نبضاته) ذهبت هباء منثوراً، في هذه المحطة يترجل الأبناء مغادرين حياتنا وفضاء سلطاتنا إلى عالم آخر، وفضاء جديد، حيث كنا في السابق نعتقد أن أبناءنا ملك لنا، وهم تحت سلطتنا، وسيبقون كذلك، ونعتقد أنهم معنا طول العمر من المهد إلى اللحد.ولكن تجري الأنظمة بما لا تشتهي الأنفس، فالآباء والأمهات أمام امتحان نفسي عصيب رهيب عجيب، يتضمن «تسليم الأمانة» التي ولدت وترعرعت وشابت في أعينهم سنوات عديدة، تخللها العديد من الأحداث المؤلمة والمواقف المدمرة.فالأب يسلم للابن راية الحياة ليشق طريقه في بحور الإنسانية المتلاطمة، والام تهدي الحياة فلذات كبدها ليكمل مسيرته في عالم الغاب، من دون سند وحماية ووقاية... يا لها من مواقف كبيرة على القلب المتصدع! ولكنها هي الحياة، التي جعلت من الآباء وكلاء على أبنائهم، يتعهدونهم بالرعاية وحسن التربية، وأنهم (ضيوف) وهم ليسوا ملككم ونفوسهم لا تقطن في مساكنكم انهم (ضيوف) يجب تزويدهم بالمهارات والقدرات والامكانيات و بالخبرات والقدرات وأنماط التفكير، ثم يترك لهم حق تقرير المصير، فهم جيل «الفيس بوك» و«التوتير» و«اليوتيوب» و«الانستغرام».لهذا ينبغي على الآباء والأمهات الجدد مراعاة أن أبناءهم ليسوا ملكهم، ولا يحق لهم (معاقبتهم) أو ضربهم، أو تعنيفهم أو عدم تلبيه رغباتهم وتوفير احتياجاتهم، تحت أي مسمى (التربية والتهذيب والتدريب وحسن الاخلاق)، حيث إن القوانين المجتمعية تقف لهم بالمرصاد. وليعلم الجيل الحالي من الآباء أن الأبناء «عهدة» لديهم، لا يمنحهم الحق في التحكم بحياتهم، أو تفريغ شحناتهم السلبية عليهم، فلا تؤدّبوا أولادكم بأخلاقكم، لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم، لا تجبروا أولادكم على عاداتكم القديمة البالية (جيل الطيبين)، ولا تؤدّبوا أولادكم بغير أدب المستقبل.هذه هي الحياة.. وهذا حكم أقدارها، «فلا تجزع لحادثة الليالي/‏ فما لحوادث الدنيا بقاء»، عليكم أيها الآباء أن تعاملوا الأبناء كضيوف، لهم جميع الخدمات بمستوى (خمس نجوم)، وعليكم توفير احتياجاتهم النفسية والاجتماعية، فهم سر وجودكم في الحياة، ومن يرغب بغير ذلك، فإن القوانين لكم بالمرصاد.فتربية الأبناء مسؤولية مشتركة لجهات عديدة، ليست مقصورة على الأسرة فقط، فأبناؤكم ليسوا ملكاً لكم، مثلما أنتم ليسوا ملكاً لنا.فقد تعبنا وسهرنا وشقينا لتوفير جميع متطلباتكم، وفي الأخير قررتم الرحيل عن البيت، الذي عشتم فيه ورغبتم في الانتقال إلى بيت آخر جديد لوحدكم، بعيداً عن آبائكم وامهاتكم، لتعيشوا حياة الحرية التي اخترتم عالمها سواء للزواج أو للدراسة أو للعمل، فكما تدين تدان!لحظات الوداع في هذه المحطة، كفراق الحبيب، الذي يشيّب الوليد ويذيب الحديد، فيها الذّكريات والأفراح والأحزان، فيها الأسى والألم، لحياة جيل قادم للحياة المستقبلية، التي تراودنا معالمه الرقمية، والتي تفتقد إلى حكمة الآباء.* كاتب واستشاري اجتماعي كويتي

مشاركة :