{ مهما قيل من مهاترات عن مواقف بعض الدول العربية من القضية الفلسطينية، فإن الرهان عليها في النهاية سيبقى خاسرًا، وحتى الرهان على التطبيع مع الكيان الصهيوني، ما لم تجد هذه القضية الحلّ العادل الذي يحفظ الحق الفلسطيني سيبقى بدوره فاشلا. في القمة العربية - الأوروبية جدّد عاهل السعودية ورئيس مصر والدول العربية الأخرى مواقفهم الثابتة حول بقاء القضية الفلسطينية القضية المركزية للعرب، وأكدوا العمل العربي والدولي لإيجاد الحل السلمي العادل لها، وفق «المبادرة العربية للسلام» والقرارات الصادرة من الأمم المتحدة، ما يحيل كل ما قيل عن الموقف العربي بالتخلي عن هذه القضية إلى كونه بهتانًا! { لم تكن هذه القضية، ولن تكون إلا الأساس في (الأمن القومي العربي) كله، فإن تمّ التخلي عنها تمّ التخلي عن أسس هذا الأمن، لأنها الكارثة الأولى التي ولدت كل الكوارث العربية الأخرى على مدى 7 عقود! إلى جانب كونها حتى اللحظة حائط الصدّ العربي الأول، الذي إن تمّ تركه عربيًا، فاض من خلال ثغراته المزيد من السيل الصهيوني اللاهث خلف حلم «إسرائيل الكبرى»! ومن ثم يخطئ كثيرًا من يظن أن هذه القضية مجرد (نزاع فلسطيني - إسرائيلي) كما تمّ تكريس العنوان في الإعلام الغربي لأن الحقيقة تعود إلى أصولها دائمًا، لتكشف أنه (صراع عربي - صهيوني في الأساس) وأنه (صراع وجود في النهاية) مهما غفلت عقول عربية عن ذلك! ومهما جمل الكيان نفسه في عيون عربية، إلا أن قناعه هذا يقبع تحته الوجه القبيح المعهود، الذي يريد حين القضاء على القضية الفلسطينية، وابتلاع حقوق الشعب الفلسطيني، أن يقضي بعد ذلك على العرب، ويبتلعهم جميعًا بمقدمة معروفة هي التطبيع ثم الهيمنة ثم الحرب الأخيرة للاحتلال، إن رفض العرب بعد ذلك هيمنته! حتى إنه بات يكشف عن نواياه الخبيثة ليس فقط، بما حققه من نجاح في تمزيق عدد من الدول العربية كالعراق وسوريا وليبيا واليمن، وإنما هو اليوم يبّث «إعلانا تلفزيونيا سياسيا» في إحدى القنوات الأمريكية ومتوافر على اليوتيوب، حول (أن تكون كل الدول العربية تحت حكم إسرائيل واليهود)! باعتبار ذلك حلاّ ليس لفلسطين وإنما لكل أزمات الشرق الأوسط! أي إن المخطط الصهيوني أصبح يتمّ عرضه كإعلان تلفزيوني اليوم! { منذ أن تمّ تهميش القضية الفلسطينية بعد كامب ديفيد، والكوارث العربية لم تتوقف! لأنه في حالة (السلام الوهمي) الذي تمت صياغته ليسري على دول المواجهة إلى دول المساندة، أخذ هذا العدوّ كل المساحات الفارغة (ليملأها بمخططات جديدة، عملت على تفتيت العرب وصناعة الأزمات والحروب والدسائس فيها) حتى وصلنا إلى الحال الذي نحن عليه! وبسبب أيضًا فقدان «الرؤية العربية الاستراتيجية» على مستوى الأمن القومي وفقدان الإرادة السياسية وعدم اللعب بذكاء بالأوراق العربية المهمّة، وعدم الاستفادة من الإمكانيات العربية الكبيرة والمؤثرة على مستوى الاقتصاد العالمي، الذي هو بوابة لكل التأثيرات الأخرى. { حين نتحدث عن هذه القضية، فلأننا ندرك أن كل ما يحدث في المنطقة العربية من مآسٍ هو في الواقع مرتبط بها و«بالعدو الوجودي» الرابض على أرض فلسطين العربية والذي يحرّك الكثير من أوراق المخططات، ثم يدعي أنه مسالم يريد السلام! ولكي لا نكرر ما قلناه سابقًا في المئات من المقالات، فإننا نؤكد أن (القضية الفلسطينية هي أُسُّ كل القضايا السياسية والأمنية والاستراتيجية في المنطقة العربية) وأن العدّو الصهيوني وتجسيده المتمثل في «الكيان الغاصب» لن يكتفي قط ولن يتوقف نهمه إلا بالهيمنة بل وباحتلال المنطقة العربية إن لزم الأمر وقد يروج لذلك، فيما هناك من العرب من يصدّق (حسن نوايا) هذا العدّو الخبيث! تأكيدات عاهل السعودية مؤخرًا في الرياض وفي شرم الشيخ حول القضية الفلسطينية تأكيدات مهمّة، لأنها تصبّ في النهاية فيما يجب كموقف اتخاذه عربيا، رغم أن هناك من يهرول للتطبيع مع الكيان الغادر، الذي وضع العديد من العرب في وضعية الضفدعة في إناء يغلي ماؤه ببطء إلى أن تجد نفسها قد ماتت.
مشاركة :