باتت ظاهرة التأخر في الزواج كابوسا يُطارد الشبان والفتيات في لبنان، وزادت من وطأته ضغوط الحياة والمجتمع والأحكام التي تطلق على من يتأخر في الارتباط. ودرج المجتمع على اتخاذ آراء ومواقف قاسية من الشباب إزاء هذه الظاهرة، فيما تُشير الدراسات والإحصائيات إلى ارتفاع معدلاتها، حسب الفئات العمرية بين الذكور والإناث. ويرى مختصون أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي يعيشها الشباب مقابل ارتفاع المهور وكثرة تكاليف الزواج تعد أبرز أسباب ارتفاع نسب العنوسة في المجتمعات العربية. بيروت - يتصدر لبنان قائمة البلدان العربية بأعلى معدل للعنوسة، حيث بلغت 85 بالمئة، حسب آخر الدراسات التي أجرتها وسائل إعلام غربية، ومراكز أبحاث في العام 2018. وسجلت البحرين أقل معدل في العنوسة بنسبة 25 بالمئة، فيما بلغت معدلات العنوسة في اليمن 30 بالمئة، وسجلت نحو 40 بالمئة في المغرب ومصر، و42 بالمئة في كل من الأردن والسعودية، و50 بالمئة في الجزائر، و62 بالمئة في تونس. بينما بلغت معدلات العنوسة في كل من سوريا والعراق نحو 70 بالمئة، و75 بالمئة في الإمارات. ويرجع باحثون اجتماعيون واقتصاديون أسباب تأخر الزواج إلى أسباب عديدة؛ منها ارتفاع المهور والأعباء الاقتصادية، وتفشي البطالة، وارتفاع أسعار السكن، وتكاليف المعيشة مقارنة بالرواتب المعروضة. وتتوافر جل هذه العوامل في لبنان ما جعل جانبا واسعا من الشباب اللبناني يقرر أن يصرف النظر عن موضوع الارتباط الرسمي، ويبتعد عن الزواج بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، فيما تعتقد بعض الفتيات أن النصيب لم يأت بعدُ أو يقلن إنهن لم يجدن الشريك المناسب. تقول نهاد (39 عاما) “لم يأت نصيبي بعد، ولم أجد الشخص المناسب الذي تتناسب أفكاره وطموحاتي”، مضيفة “أفضل متابعة دراستي العليا عن الارتباط”. معدل سن الزواج ارتفع لدى الفتيات مقارنة بالعقدين الماضيين، إذ أصبح حاليا يتراوح بين 25 و30 سنة من جهتها، تعتبر عايدة (42 عاما)، أن الزواج مؤسسة فاشلة وخير دليل على ذلك نسبة الطلاق التي يشهدها لبنان؛ إما لأسباب مادية وإما بسبب الخيانة، وأكدت أنها تفضل عملها وحياتها الشخصية على الارتباط والحياة الزوجية. ويرجع جهاد (45 عاما)، سبب عدم زواجه إلى الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان وإلى غلاء المعيشة، قائلا “لا أريد أن أُتعب بنات الناس بسبب ظروفي، لذلك قررت أن أبقى وحيدا علما أنني أقدّر العائلة وأتمناها”. من جانبه، يقول أحمد (42 عاما) “لم أتزوج حتى الآن لأنني لا أملك شقة ولا سيارة فخمة، وراتبي الشهري ضعيف لا يمكنني من تحمل مسؤولية عائلة، والفتيات في لبنان لهن متطلبات كثيرة”. ويرى مازن (28 عاما)، إن “الحكومة أتت لتقضي على طموحاتنا، وصعّبت الأمر على الشباب حيث لا يمكن لهم الإقبال على الزواج، بسبب أزمة الإسكان والفوائد البنكية الباهظة في حال تمت الموافقة على الاقتراض وكذلك الضرائب المضافة”. ويوضح المحلل والباحث في علم الاجتماع، طلال عتريسي، الاختلاف في إطلاق تسميات معينة على المتأخرين عن الزواج في المجتمعات العربية، ويقول “في المجتمعات الشرقية تعتبر الفتاة “عانسا” إن تجاوزت 30 سنة ولم تتزوج، فيما يعتبر الرجل عانسا إن بلغ الـ40 سنة ولم يتزوج”. ويعتبر عتريسي أن السبب الرئيسي لتأخر سن الزواج هو الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تمنع الشاب من الإقبال على الزواج، وتأسيس أسرة. ويضيف “من بين أهم الأسباب أيضا زيادة فرص التعلم، وانخراط المرأة في سوق العمل، ما جعلها ترفض تبعيتها للرجل وقد خلق لديها مفاهيم جديدة جعلتها تؤخر سن زواجها لتحقيق ذاتها وزيادة مردودها المادي”. Thumbnail ويشير المختص في علم الاجتماع إلى أن “معدل سن الزواج ارتفع لدى الفتيات مقارنة بالعقدين الماضيين، إذ أصبح المعدل حاليا بين 25 و30 سنة لدى الفتيات”، ولفت إلى تقلّص معدل إنجاب الأطفال، الأمر الذي ينعكس سلبا على المجتمعات بحيث يمكن أن تصبح “هرمة” وتشبه المجتمعات الأوروبية. ويتابع “يؤثر التأخر في الزواج على صحة المرأة الإنجابية والطفل أيضا، لأن السن الأفضل للإنجاب هو 20 سنة تقريبا”، ويفسر محذرا “تأخر سن الزواج من شأنه أن يزيد من إمكانية الانحراف في العلاقات وانتشار الفساد، مما يهدد القيم والعادات التي ترتكز عليها مجتمعاتنا”. وخلص عتريسي “تبقى لظاهرة تأخير سن الزواج نقطة إيجابية مهمة، وهي تمكين الفتيات من الحصول على الشهادات العليا والانخراط في حقول العمل”. وتراوح المهور في لبنان بين 100 و200 ألف دولار، فيما تتفاوت أسعار المنازل بين 300 ألف دولار في بيروت إلى 100 ألف دولار خارجها. وتؤكد المحللة الاقتصادية فيوليت غزال بلعة، أن ظاهرة العنوسة لا تقتصر على لبنان وحده، بل هي منتشرة في جل مجتمعات العالم العربي، ولكن بنسب تقل عما يشهده لبنان. وبينت أن الإحصاءات تقدر نسبة العنوسة في لبنان بـ85 بالمئة لعام 2017، وأنه من المتوقع أن تكون قد ارتفعت أكثر في عام 2018 بسبب أزمة القروض السكنية. وتوضح غزال أن “مسببات انتشار أزمة العنوسة هي اقتصادية بحتة، إذ ترتبط بالركود الاقتصادي المستمر منذ أعوام، والذي انعكس على تراجع فرص العمل وهجرة الشباب للعمل”. وتراوح معدل النمو في لبنان بين 1 و2 بالمئة للفترة بين 2011 و2018، فيما تبلغ نسبة البطالة نحو 25 بالمئة ونحو 35 بالمئة لدى فئة الشباب، بحسب إحصاءات رسمية. وتضيف المحللة الاقتصادية “هذا بالإضافة إلى ارتفاع التضخم إلى نحو 7 بالمئة، ما انعكس على تراجع القدرة الشرائية للبنانيين الذين يعجزون عن تسديد كلفة حفلات الزفاف وشراء الشقق الجديد". وتُرجمت هذه الأسباب في تأخر سن الزواج (ما بين 27 و32 عاما) وارتفاع نسبة العنوسة في اليمن والمغرب ومصر والأردن والسعودية والجزائر وتونس”. وتشير غزال إلى أن “معالجة أزمة العنوسة، مسؤولية الحكومات التي يفترض أن تدرس الآثار الاجتماعية التي تنجم عن ارتفاع معدلاتها”. وحثت الحكومة اللبنانية على العمل على إفساح المجال لوظائف جديدة مستدامة، تسمح للشباب المقبلين على الزواج بإقامة ارتباطات.
مشاركة :