حسان الحديثي كثيرون هم الذين كتبوا الشِعْر بقلم الفلسفة التي تشير الى سموِّ العقل ورفعةِ الفكر بإدراكه للمعاني وفهمه للحوادث ثم تعليلها بنظرٍ ثاقبٍ يسبق بها غيرَه ، والفلسفة ليست حكراً على جيل دون جيل، او اهل زمان دون اهل زمان، فالنظرة الفلسفية موجودة حيةٌ مقترنة حياتُها بحياة ووجود البشر. ومن أولئك الشاعر الفيسلوف ابن الرومي حيث يقول:والناسُ يَلْحَونَ الطبيبَ وإنَّما ... خطأُ الطـبيبِ إصابةُ الأقـدارِ ويَلْحَونَ اي يلومون ولَحَى اللّهُ فُلاناً اي قَبَّحَهُ ولَعَنَهُ . كذلك أبو الطيب المتنبي بقوله الخالد: سُبِقْنَا إلى الدّنْيَا ولَوْ عاشَ أهْلُها ... مُنِعْنَا بهَا مِـنْ جَيْئَةٍ وَذُهُـوبِتَـمَـلّكـَهَا الآتـي تَـمَـلُّـكَ سَـــالِـبٍ ... وَفارَقَهَا المَاضِي فِراقَ سَليبِ ورحم الله ابا العلاء المعري اذ يقول:وقد تَنْطِقُ الأشياءُ وهْيَ صَوَامِتٌ ... وما كُلّ نُطْقِ المُخْبِرينَ كلامُ ولربما كان ذكرُه لـ "صوامت الأشياء" كنايةً ساميةً منه عن الموت قد عادل بها كفّة قولِه "نُطْق المُخْبِرينَ" وهم الأحياء. أما من اهل هذا الزمان فيقول الشاعر أفضل فاضل:والأرضُ تطمرُنا ونورثُ نسلَنا ... ليـظلّ مشحـوناً بـخـلقٍ بـابُهابـدأَتْ بـمعـضـلةٍ، أتـاها قـاتلٌ ... حُلَّتْ وقد دفنَ الغُرابَ غُرابُها فخطيئةٌ صار النعيقُ نذيـرَها ... بـأبي النعيق تشبّثَتْ أنســابُها كانت العرب قديماً تُعلي شأن جيد المعنى وترفعُ حَسَنَ القول من باب الإعجاب تارة والتقديس تارة أخرى فتقول حين تسمع كلاماً سامياً: اكتبوه بالخناجر على الحناجر، أو انقشوه بالإبر على آماق البصر. أما في زماننا هذا فأقول: أسفي على القُبَلِ حين تعزّ على ابن آدم ساعة الحاجة، فلو يُقَبَّل طيّبُ الشِعْرِ لقَبَلْتُه..
مشاركة :