لقد كان السؤال الوجودي الأكثر إلحاحًا. ما معنى الحياة؟ وما الغرض منها؟ بقي أساسيًا على مر التاريخ، جذب أعظم الفلاسفة للتفكير فيه، وقد كانت الإجابات على اختلافاتها ترجع إلى بدايات الأشياء، وإلى أصل وجود الإنسان وإلى أسباب الخلق وإلى سعينا لتحسين ذواتنا كي نرتقي بحياتنا التي تليق بِنَا كبشر بعيدًا عن التناحر والعداوة والعيش الرغيد في ظل سلام ذاتي واجتماعي، لكن الحياة والبحث عن تفسيرات وجودنا. تبدو غير منصفةٍ للبعض، فعندما سافر الفنان المصور (فيرنر بيشوف) ضمن لجان إغاثة إنسانية إلى ستة بلدان في أوروبا من ضمنها ألمانيا وفرنسا وبلجيكا ولوكسمبورج وهولندا لتغطية شؤون الحرب وتفاصيلها كانت رحلة بيشوف للبحث عن أولئك الأشخاص الذين شوهتهم الحروب من رجال ونساء وأطفال ممن تعرضوا للتشويه الكامل بسبب ما تركته ويلات الحرب العالمية الثانية. حينها كان مع أحد لجان الإغاثة السويسرية، التي تشكلت من أجل توفير بعض الحاجات الماسة في أوروبا كالغذاء والدواء مع التركيز بشكل خاص على رعاية أطفال القارة. كان برفقته زميله المصور السويسري (إميل شولثيس) والذي يمتلك معملًا للتصوير وهو عبارة عن (غرفة مظلمة) ملحقة في السيارة التي كانا يتجولان فيها أثناء سفرهما مرورًا بمدينة برورموند الهولندية تحديدًا في ديسمبر من عام 1945، شاهد بيشوف صبيًا يعتقد من ملامحه الخارجية أنه ألماني الأصل لكن تبدو على ملامحة آثار جروح بليغة سببها الحرب، اقترب منه وطلب تصويره فلم يمانع الصبي، التقط بيشوف له صورة في مدينة «رورموند» التي كانت محطته الأخيرة لذاك اليوم. حينها كانت الشوارع مكتظة بالأطفال الذين يمارسون لعبة (العسكر والحرامية) يحملون البنادق والخوذ كألعاب متداولة بسبب تأثير الحرب وآثارها السلبية ثقافيًا واجتماعيًا في ذات الفرد الأوروبي خصوصًا الأطفال الذين كانوا محور هذه الرحلة التصويرية للفنان. كتب المصور في يومياته: كنت في مكتب البريد، حيث كنت في انتظار طرد، رأيت صبيًا يبلغ من العمر 16 عامًا تقريبًا يقف عند الباب بوجه ممزق، وآثار الحروق التي بدت مع الزمن بلون أزرق مائل إلى الحمرة (الأزرق البنفسجي) بسبب الشظايا وبعين تالفة، لكن الصبي قد أخفاها واستبدلها بعين زجاجية ومن وراء قناع من الجلد الأحمر تبدو ملامح شاب وسيم، إنها لفاجعة أن أتحسس كاميرتي وأصور الطفولة بهذه البشاعة، لكن وبعد أيام تنكشف لنا حقيقة مبهرة عن قصة هذا الصبي عند نشر الصورة التي هزت سويسرا، وكيف أدى عرضها لأول مرة إلى جمع شمل الطفل مع أسرته. والقصة عن كيفية إصابة الصبي بجراحه تبدو مفجعة عندما اضطر الجيش الألماني إلى إخلاء رورموند، وضعوا الآلاف من الألغام المتفجرة في كل مكان تحسبًا لدخول جيوش الحلفاء (في المداخل، في الغلال، في الحجرات، وراء الأبواب، وراء الصناديق، في السلال، في الشوارع والمعامل، إلخ). فتح الصبي بابًا مربوطًا بشرائك مفخخة. فانفجر في وجهه لغم وفقد عينه اليمنى وتشوه وجهه بالشظايا. علمًا بأن هناك المئات من هذه الحالات في رورموند وحدها، حيث لم تكن هذه الحالة الفريدة من نوعها. في ذاك الوقت كانت والدته قد توفيت بسبب حادث دهس مروري قبل شهرين من العثور عليه طفلًا مشوهًا بلا أسرة، لكن كان لديه والده الذي بقي يعول إخوته التسعة ومن خلاله تم التعرف على الطفل.
مشاركة :