«رصيف نمرة 6» وأنين الشاشة

  • 3/2/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مارلين سلوم قبل أن تبرد نيران «رصيف نمرة 6»، وقبل أن يلملموا أشلاء الضحايا في القاهرة، يخرج اللاعنون وتنتشر الفوضى وتشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بالصور والفيديوهات، ويفبرك المفبركون صوراً لا علاقة لها بالحادث.يقولون أشياء، والأشلاء تقول أشياء أخرى. تئن الشاشة من وجع الإهمال ونزيف الضمير وغياب الإنسانية. نتمسك بإعلامنا «التقليدي» كما تسمونه، لنرى ونسمع ونشعر بأوجاع المصابين وأهاليهم، بعيداً عن ضجيج و«فتاوى» كثير من المنظرين على «السوشيال ميديا».التواصل الاجتماعي يخبرك سريعاً بالكارثة، لكنه لا يتوقف هنا، بل يفتح صفحات التحليل والنقد والشتم قبل أن يستنير بأضواء الحقيقة. لا تهمه، «فهي مجرد تفاصيل»، بينما ينشغل كثير من رواد المواقع بإبراز ما يفيض منهم في مثل هذه اللحظات والمواقف. كل يغرف من إناء ذاته ويسكب فوق النيران. تتدفق التحليلات، و«الوطن» أول المتهمين في كل وقت وكل جريمة.لا ضوابط، لا معايير. فجأة وقبل أن تلتقط أنفاسك من هول الكارثة، تنتشر صورة «سلفي الموت»، لشاب يلتقط لنفسه صورة وهو يبتسم أمام القطار المحروق في المحطة. جولة جديدة من الشتائم والأخبار التي تأخذك بعيداً وتضللك، قبل أن يخرج آخرون بمكبر للصوت ينادون «يا جماعة، هذه الصورة مفبركة».أين قلب الحقيقة؟ أين الضمير في نقل المصاب، وفي نقل أي خبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟ من يتباهى بسرعة نشره لصور الضحايا وهم يتعذبون وقد تحولوا إلى كتل نار تتدحرج، ولأكوام من الفحم، يتجرد من إنسانيته، وكل ما يهمه سرعة النشر ولفت الأنظار إليه وإلى صفحته، تماماً كمن يصور نفسه سلفي وسط الكارثة. أما أصحاب المهنة، فيعلمون الخجل أمام المآسي، وحجب النظر والشاشة احتراماً.من قال إن الإعلام لا يجيد الوصول إلى موقع الحدث بلمح البصر، ومواكبة ما يجري فعلياً، والقيام بواجبه دون إضافة بهارات وتعليقات واتهامات تؤجج النيران في كل مكان وفي كل النفوس؟ مهنته تفرض عليه تغطية الحدث من كافة جوانبه، والتواصل مباشرة مع المسؤولين وشهود العيان، كما كان يحصل دائماً قبل ولادة «السوشيال ميديا»، فنصدقه ونرى بأعيننا ما يحصل، ونفهم الحقيقة بلا «فوتوشوب» أو فبركة.في كل محنة وفي كل موقف حاسم، نزداد إصراراً على أن الإعلام أصدق إنباء من التواصل الاجتماعي، وأكثر توازناً ومصدقاً. حتى بعض الوسائل الإعلامية المضلَّلة والمضلِّلة، تكشف أوراقها ويفهم الناس ألاعيبها وسياسة محركيها في الكواليس.الفرصة متاحة أمام الإعلام لاستعادة الأضواء وكسب ثقة الناس من جديد. فليسلك دروب التكنولوجيا الحديثة، وليدرب الإعلاميين والأجيال الشابة منهم على كيفية تطوير أدواتهم دون التخلي عن المصداقية تحت أي ضغط أو ظرف، فهي سلاحهم الأقوى، وهي الأرض الثابتة التي يقفون عليها، وليبقى دائماً أصدق إنباء من أي وسيلة أخرى. marlynsalloum@gmail.com

مشاركة :