إعادة الهيكلة وتقليص الشواغر وأسئلة بحرينية مشروعة

  • 3/2/2019
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

أن تضطر الدولة إلى إعادة هيكلة الوزارات والهيئات الحكومية وما فيها من وظائف ضمن متطلبات برنامج التوازن الذي أعلنته منذ فترة هو أمر نفهمه، وإن كنا نتحفظ على بعض جوانبه التي من المتوقع أن تؤثر سلبا على المجتمع البحريني ولا نعتقد أن هذا الشيء خافٍ عن الدولة. أن يتم تقليص الشواغر الحكومية بنسبة 10% وإلغاء عدد من الوظائف القيادية والمناصب من درجة وكيل حتى درجة رئيس مجموعة فأمر مفهوم أيضا لأن الأوضاع المالية باتت تتطلب اتخاذ إجراءات دراماتيكية لعدة أسباب معلومة؛ منها على وجه الخصوص الحاجة الماسة إلى خفض الموازنة المخصصة للباب الأول من الميزانية العامة للدولة وهو باب الرواتب والأجور الذي يلتهم الأغلبية الساحقة من الميزانية العامة للدولة، فبحسب بعض الاحصاءات الرسمية فإن رواتب الحكومة تلتهم أكثر من 99% من عائدات النفط في ميزانية عامي 2017 و2018، وتلتهم أكثر من 75% من إجمالي الإيرادات الحكومية، وهذا يعني أن نفقات القوى العاملة أصبحت ثقيلة وضخمة إلى درجة لم تعد تتحملها الميزانية؛ حيث بلغ باب الرواتب والأجور حوالي مليار وستمائة مليون دينار من عام 2016 إلى 2018 وهو رقم ضخم وكبير بالنسبة إلى إمكانيات الميزانية في البحرين. وإن كنا نتفهم هذه الأمور التي تحتاج بالضرورة إلى معالجة ومن ضمنها هذه المعالجة الجراحية المؤلمة التي تستدعي إلغاء الآلاف من الوظائف وإحالة أصحابها من أبناء البحرين إلى التقاعد أو إلى البطالة، فإننا لا نتفهم هذا الخطاب التبريري الذي يبدو وكأنه يخدع القارئ مثل القول «إن تقليص الشواغر الحكومية وإعادة هيكلة الوظائف يحققان التطلعات إلى ممارسة الأجهزة الحكومية لمهامها واختصاصها على أكمل وجه»، وكذلك القول إن «إلغاء ودمج وترتيب اختصاصات العديد من الاقسام في الوزارات والأجهزة والهيئات الحكومية يهدف إلى تركيز المسؤوليات ووضوحها وتسهيل الإجراءات لتوفير أفضل الخدمات» فهذا قول لا يمكن القبول به أو تفهمه لأنه يحاول أن يقنعنا بنقيض الحقيقة وبما يخالف الواقع على الأرض؛ فالعديد من الوزارات والهيئات الحكومية كما هو في الواقع تعاني من نقص شديد في بعض التخصصات الحيوية مثل التخصصات الطبية والصحية والهندسية والأكاديمية ولا يوجد لديها ما يكفي من الموظفين لأداء أدوارها المنوطة بها على الوجه الأكمل. صحيح ان هناك في بعض الوظائف والدوائر تضخما في أعداد الموظفين أو نوعا من البطالة المقنعة، إلا أن لذلك وظيفة اجتماعية مهمة لا يمكن التقليل من شأنها أو اعتبارها بكل بساطة مجرد فائض في أعداد الموظفين في هذه الدوائر هكذا بكل بساطة كما يقول البعض. إن مسؤولية الدولة على توفير الحياة اللائقة للمواطنين والخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والإسكان والعمل جميعها التزامات دستورية منصوص عليها في القانون الأساسي وهو دستور مملكة البحرين، ولا يمكن تجاهلها أو القفز عليها، وهذا ما جعل الدولة خلال العقدين الماضيين تبذل كل جهد ممكن لاستيعاب الآلاف من أبناء البحرين في الوظائف الحكومية أو شبه الحكومية، حتى إن كان ذلك بكلفة عالية نسبيا إلا أن هذا الاستيعاب الكبير وإن كان برواتب متواضعة في الغالب هو الذي حقق نوعا من الاستقرار الاجتماعي وجعل نسبة البطالة في البحرين لا تتجاوز 4% بحسب الاحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وهي نسبة مشرفة مقارنة بأوضاع البطالة في العالم ولكن بعد الإجراءات التي يجري اتخاذها حاليا من قبل الدولة وأجهزتها الرسمية فإن أبواب التوظيف في القطاع الحكومي وفقا لهذه الإجراءات سوف تصبح محدودة جدا ويؤدي ذلك بالضرورة إلى رفع نسبة البطالة التي قد تصل إلى نسبة 10% أو أكثر خلال السنوات الأربع أو الخمس القادمة، وإذا ما أضفنا إلى هذا الواقع الصعب فإن الاقتصاد البحريني خلال هذه الفترة يمر بحالة من الانكماش ولا توجد مشاريع ضخمة عامة أو خاصة توفر الآلاف من الوظائف للخريجين البحرينيين فإن الطينة ستزداد بلة مثلما يقول المثل العربي. وللأسف فإن الاقتصاد البحريني منذ أكثر من عشرين سنة ينتج آلاف الوظائف التي لا يشغلها في الغالب البحرينيون وإنما يشغل أغلبها الأجانب للأسباب الآتية: 1- إن أغلب هذه الوظائف في مجال الإنشاء والأشغال العامة والطرق وهي لا تجذب إليها العمالة البحرينية بل يضطر المقاولون إلى استجلاب الآلاف من العمالة الآسيوية لإنجاز هذه المشروعات سواء الحكومية أو الخاصة. 2- انخفاض الرواتب والأجور في هذا القطاع الذي يشغل الآلاف المؤلفة من العمالة بما يجعل العمل فيه غير ذي جدوى بالنسبة إلى البحرينيين بعكس الوافدين الذين يعملون في هذا القطاعات وفق أوضاع اجتماعية صعبة معتمدين على مستوى منخفض من الحياة. 3- التهاون في نسبة البحرنة في القطاع الخاص؛ فبالرغم من أن هذه النسبة المحددة من قبل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية منذ سنوات تعد منخفضة فإن العديد من الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص تتهاون في هذا الجانب ولا تلتزم بهذه النسبة. وفي ظل هذا الوضع فإن اللجوء إلى هذه العملية الجراحية بتخسيس الوزارات والهيئات الحكومية عن طريق تقليص الشواغر وإلغاء العديد من الوظائف وحده لن يكون مفيدا وإن كان قادرا على تعديل الاختلال في الميزانية المالية، ولذلك لا بد من اتخاذ إجراءات مواكبة ومساندة لهذا الجانب بما يمنع أي مساس بالاستقرار الاجتماعي وبقدرة الاقتصاد البحريني على توظيف الخريجين من أبناء البحرين بنسبة عالية، وذلك من خلال إجراءات جادة وصارمة مثل رفع نسبة البحرنة إلى 25% بالنسبة إلى شركات القطاع الخاص وخاصةً في الوظائف الهندسية والفنية والمالية وغيرها من خلال عمل خطة واضحة لبحرنة أغلب الوظائف التي يشغلها الأجانب، ووضع حد أدنى للرواتب والأجور بالنسبة إلى البحرينيين في القطاع الخاص بحيث تكون الوظائف في هذا القطاع جاذبة للبحريني، فإذا ما اتخذت الحكومة مثل هذه الإجراءات على وجه السرعة ووضعت لها الآلية التنفيذية والجداول الزمنية اللازمة فإن الأمور سوف تتجه نحو التحسن ويصبح القطاع الخاص جاذبا وقادرا على المساهمة في خفض نسب البطالة.

مشاركة :