بدأت رحلة العطاء السنوية للنخلة في موسم الشتاء، حيث تفوح بين الَمزارع رائحة «الطلع» لتعطر الأجواء وتجذب كل عابر إلى ظلالها الوارفة، ليراقب حركة المزارعين وهم يحملون «نبات التلقيح» وهم في قمة البهجة والسعادة ببدء موسم العمل، على أمل أن يتكلل بجني الثمار، التي تشكل بالنسبة للكثيرين من المزارعين مصدراً مهماً للدخل. وتشهد أسواق المنطقة الشرقية وسوق الجمعة والبدية والفجيرة التي يكثر بها النخيل بمختلف أنواعه خلال هذه الأيام حركة البيع والشراء لـ«طلع النخل» من خلال بيع «النبات» الذي يؤخذ من نخلة الفحل والتي تحمل حبوب اللقاح الذكر، وتتم عملية البيع من خلال المناداة في الأسواق بتوفر كميات كبيرة منه وبأحجام مختلفة، وفي هذه اللحظات ترتسم السعادة داخل قلوب أصحاب المزارع الذين يتهافتون لشراء النبات، على اعتبار أنه الموسم الفعلي لتنبيت النخل والذي يستمر لغاية منتصف مارس، حيث بدأ الطلع بالظهور في عدد كبير من أشجار النخيل. وتبدأ مرحلة «التنبيت» بالأصناف التي اشتهرت بالسبق في بدء الرطب في فصل الصيف كنخيل النغال، والقش، وأنواع أخرى عديدة وهي الأشهر بين أنواع النخيل السباقة في الطلع، التي يتناقل الأهالي أخبارها منذ طلعها وحتى بدء حصاد ثمارها. عملية «التنبيت» يقول المزارع خلفان النقبي، الذي له خبرة كبيرة في تنبيت النخل، إنه يقوم بعملية «التنبيت» بنفسه، وتتم بعد تفتح طلع النخيل، إذ يقوم المزارع بوضع النبات وهو عبارة عن شماريخ تُستخدم حسب صنف النخلة، ويتم حزمها بشريط خفيف ليتمكن الشريط من الانفتاح تدريجياً مع نمو الشماريخ، الى أن تتحرر نهائياً من المادة المربوطة بها، وتستخدم هذه الطريقة فقط لأنواع النخيل التي تكون شماريخ طلعها طويلة كـ«الخنيزي» و«الخصاب». ويضيف أن فترة انتظار التنبيت تستغرق أكثر من شهرين لتبدأ المرحلة الثانية وهي مرحلة الانحدار، أي النزول من ارتفاع إلى منحدر، ومحلياً تعني إنزال عذق النخلة من أعلى «غدر» النخلة إلى مستوى يمكّن المزارع من جني الرطب. «عذق النبات» ويشير الخمسيني سالم الحفيتي، من منطقة الطويين في الفجيرة، إلى أن «الطلع» هو ثمرة نخلة الفحّال (الفحل أو الذكر)، وهي نخلة تنبت من دون غرس، وتكون متوافرة بشكل معدود، ويتفاوت عدد عذوق النبات في نخلة الفحال بين 25 و30 عذقاً، وكلما نضج العذق يُقطع ثم يُباع. ويضيف: يمكن التعرف على فترة نضج عذق النبات من خلال لونه ورائحته وتماسكه، فيكون متراصاً ومنظماً، ولا تتساقط حباته ما دام طرياً، وكلما أسرع المزارع في بيع الطلع بعد قطفه كلما كان طازجاً أكثر وأفضل لعملية التنبيت، حيث إنه يفسد بعد مرور عدة أيام على قطفه وتقل طراوته. ويتراوح سعر بيع العذق الواحد بين 5 و 50 درهماً، حسب حجمه ورائحته وجودته. ويقل سعره تدريجياً حسب كثرة تواجده في السوق مع ارتفاع حرارة الشمس التي تنذر بانتهاء موسم التنبيت. الطلع الأبيض من جانبه، يذكر المزارع سعيد الظنحاني، أن مرحلة تلقيح النخيل أو «تنبيت النخيل» تمر بمراحل عدة، حيث يتم اختيار الفحل الممتاز أو ما يسمى طلع الفحل، وغالباً ما يستخدم الطلع الأبيض الرطب في التلقيح بعد استخراجه من الفحل مباشرة، وفي حال زاد عن الحاجة فإنه يجفف على ضوء الشمس لإمكانية استخدامه في أي وقت، لأن المادة البيضاء، وتسمى «بودرة اللقاح»، تكون موجودة حتى بعد التجفيف. وتبدأ عملية التنبيت بتنظيف النخلة الأم وإزالة كافة الأشواك والسعف الجاف منها، ثم يقوم المزارع بتقسيم الفحل أي الشماريخ الداخلية التي تحمل حبوب اللقاح إلى أجزاء صغيرة لوضعها في وسط عذوق النخلة الأم بما يتناسب مع حاجة النخلة، ثم يغطيها بأجزاء من الليف ويربطها من الأسفل والأعلى بالخوص بصورة خفيفة حتى ينفتح حينما يكبر العذق ويمتلئ بحبات الرطب. وتختلف حاجة النخلة لشماريخ «النبات» حسب نوعها، فنخلة النغال مثلاً لا تتطلب سوى 3 أو 4 شماريخ توضع في عذوقها اليانعة، في حين نبات الخلاص تحتاج إلى عدد أكبر من شماريخ الفحل لتتم عملية التلقيح بنجاح، وبذلك تزيد أو تقل الكمية حسب نوع النخلة. باكورة النخلة تبدأ مراحل مراقبة حجم العذق الذي يبدأ بالانتفاخ مشكلاً حبات من الرطب الأخضر الصغيرة التي تحتاج إلى إزالة الليف عنها، ثم رفعها على السعف حتى لا ينكسر العذق، ومن ثم تبدأ مرحلة انتظار ظهور باكورة النخلة أو تباشر النخل.
مشاركة :