صالح اللحيدان: نقد العقاد هو نقدٌ لما عليه حال كثير من العلماء والباحثين والمجامع العلمية!

  • 3/2/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

صدر لفضيلة الدكتور صالح بن سعد اللحيدان كتاب بعنوان «نقد آراء العلماء والمؤرخين ومروياتهم» عن العبيكان، الذي تصدى فيه المؤلف إلى نقد آراء العلماء، وتحليل آراء المؤرخين، والبحث في مروياتهم بمنهجية العالم الذي يبني «القول على القول»؛ ليفصح عن دراسته من خلال تلك الآراء ما كان «قولاً»، ويتضح من دراسته لتلك الآراء ما كان «تقولاً»؛ إذ يتخذ من الحضور العلمي والتجربة العلمية في معاقل الدرس، والمسيرة (العملية) البحثية، أولى أدواته العلمية التي تجتمع إليها وفيها خبرات، تكامل فيها مراس العلم، ومدارسة العلم، واكتساب قيم البحث العلمي، بمنجياته البحثية، وبطرق العلماء الذين طلب اللحيدان العلم على يدي مدارسهم الفقهية والعلمية؛ ما جعل من الشمولية، والاستقصاء، وتدقيق المعلومة، وتحقيقها، ومناقشتها وفقًا لمنهجية بحثية، تقوم على الإسناد والحجة والدليل، جوانب بارزة فيما حفلت به إصدارات اللحيدان عبر مسيرة حافلة بالعطاء البحثي، دراسة ومدارسة وتدريسا وتأليفًا. أما عن الهدف الذي وقف خلف إصدار هذا الكتاب، والأجواء العلمية التي نشأت فيها بوادر الإعداد لتأليف هذا الإصدار، فقد وصفها اللحيدان قائلاً: جاء الكتاب استجابة طبيعية ونتيجة حتمية لكتابيّ السابقَين، اللذين خاضا مجال الجرح والتعديل والنقد العلمي، وهما كتاب: «كتب تراجم الرجال بين الجرح والتعديل»، وكتاب: «النقد العلمي لمنهج المحققين على كتب التراث»، حيث وقف على الجانب النقدي فيما لدى العلماء والمؤرخين من آراء ومرويات آخذًا عبقريات العقاد مثالاً توجه إليه سهام النقد والتقويم والتقييم.. فلم أكن أتوقع حين صدور كتاب (تراجم الرجال بين الجرح والتعديل)، وكتاب (النقد العلمي لمنهج المحققين على كتب التراث).. لم يكن قد دار في خلدي على الأقل أن سيلاً يدفعني دفعًا، ويجرني جرًّا إلى نقد (العبقريات)، ولكن هذا السيل وقد جاء من مكمن كريم فقد كان له من قوة الأثر ما جعلني أشك في قدرة إرادتي! إذ كنتُ لا أنوي البتة الكتابة قبل انتهاء مشروع علمي مهم عن (حقيقة نقد الأسانيد والمتون في كتب الأثر)، و(أصول القضاء القطعية)، لكن قد يطغى شيء على شيء ما في ذلك شك، إلا أن طغيان هذا لا يمنع حصول ذاك بحال إذا وُجد في النية أثر بالغ لبلوغ ذلك المرام، ولا كلام. وعن الجهد العلمي، والاستقراء، والشمولية في تناول الموضوع الذي تصدى له اللحيدان في إصداره، الذي يأتي امتدادًا لمسيرة علمية، وتجارب عملية بحثية سامقة العطاء، وما يتميز به من الإسناد والرصانة، وتجويد الفكرة، فإن المؤلف يتسم كعادته بتواضع العلماء الذي يعد أحدهم، قائلاً: جهدي جهد المقل، ونظري نظر المحدود هنا وهناك، فلا ضير إذًا إذ أنا لم ألحق المراد من كل ما يراد، وفي هذا عذر وإعذار، وكتب العبقريات ليست بالشيء المتعسر نظره، لا وليست بالشيء الجديد طرحه، فقد طرحه من قبل العقاد قوم آخرون من جيل القرون الثلاثة الأُول، أخذًا من الدليل والتعليل، دع عنك آثار صفوة القرن الأول تمامًا بتمام، فالمسألة عندي وعند العقاد إنما يدور أمرها بين النص والتحليل، وحسبك بالنص الصحيح قاضيًا على المنهج المتعرج في التحليل الأخير، وعباس بن محمود العقاد كتب العبقريات، وهو يرمي إلى إبراز عظمة الإنسان بحسب المنهج النفسي المتين بجانب نظره العام للنص وهو سقيم، وأغلب الظن أن العقاد مجتهد في طرحه ذاك، لكن قد يفوت المجتهد أهم شرود الاجتهاد، وذلك هو أن يستشير، لكنّ ذوي النظر الخاص بدلالة النص وصحته ومَوطن الأقدم الموثوق من الأمهات الصحاح. ويمضي اللحيدان في هذا السياق مضيفًا بقوله: على هذا أتى جرس إنذار وناقوس خطر، يكشف عن آلية التلقي دون بصيرة، والتعلق بالرجال والإعجاب بهم، وهذا وذاك من شأنه أن يظهر مَواطن الخلل في البحث والدراسات النقدية؛ فأصل التلقي إذا لم يكن أبيض نقيًّا تسرب إليه الخلل عاجلاً أم آجلاً.. فهذا الكتاب يحث كل طالب علم وعالم ومؤرخ وراوٍ على أن يراعي السند في مروياته، وأن يختار صحيح الآثار من الكتب المجمع على عدالة أصحابها وورعهم وصدقهم، وفي المقابل ترك ما عدا ذلك من الكتب التي دون ذلك. حيث استقرأ اللحيدان في كتابه العديد من الموضوعات في سياق عنوان كتابه، جاء منها: كتاب عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم، كتاب الصديق رضي الله عنه، كتاب عبقرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كتاب ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، كتاب علي رضي الله عنه، كتاب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في الميزان، كتاب عبقرية خالد بن الوليد رضي الله عنه، كتاب عمرو بن العاص رضي الله عنه، كتاب عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما، كتاب فاطمة الزهراء رضي الله عنها والفاطميين، كتاب أبي الشهداء الحسين بن علي رضي الله عنهما، كتاب مطلع النور أو طوالع البعثة النبوية، من أصول نقد الروايات وصولاً إلى خاتمة الكتاب. وفي هذا الإصدار يجتمع فيه الأسلوب العلمي، والتجربة الشمولية؛ إذ شغل اللحيدان العديد من المناصب في مجاله العلمي، وأسهم من خلال العديد من اللجان والهيئات العلمية، منها: عضو اتحاد المؤرخين العرب، عضو الجمعية العالمية للطب النفسي، المستشار القضائي في وزارة العدل، أستاذ كرسي للدراسات القضائية والحديثية؛ ما جعل من المؤلف متميزًا في حبه لعلم الحديث والسند؛ فهو موسوعة في حفظ الأحاديث والرجال، ولديه ملكة في الحكم على الحديث والرجال، وصنف في ذلك مجموعة من الكتب مثل كتاب (نقد رواة التاريخ)، إضافة إلى ما يقدمه من دروس في التفسير (ابن كثير والشوكاني والمقدمة لابن تيمية)، ودروس في الفقه (الزاد) والرحبية، ودروس في الحديث (البخاري ومسلم وغيرهما)، ودروس في علوم الحديث: العلل للترمذي والجرح والتعديل لابن أبي حاتم في مدينة الطائف، ودروس في علوم متنوعة، والكثير من الكتب، إلى جانب ما تجلت خلاله الخبرة العلمية للحيدان عبر هذا الكتاب، من خلال مسيرة علمية مع التأليف، إذ أصدر العديد من المصنفات العلمية، منها: كتب تراجم الرجال بين الجرح والتعديل 3 أجزاء، وكتاب: النقد العلمي لمنهج المحققين على كتب التراث (وقد تلقى فضيلة الشيخ خطابًا من الأستاذ الدكتور شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة، عبّر فيه عن إعجابه بالجهد العلمي القيّم الذي بذله الشيخ اللحيدان في كتابه [النقد العلمي لمنهج المحققين على كتب التراث])، تم نشره في صحيفة «الجزيرة». كما أصدر المؤلف كتاب: الجهاد في الإسلام بين الطلب والدفاع، وكتاب: حال المتهم في مجلس القضاء، وكتاب: الجريمة من منظور إسلامي، وكتاب: السؤالات، صدر في أربعة مجلدات، وكتاب: نقد رواة التاريخ، صدر في خمسة مجلدات. كما وصف اللحيدان ما قدمه في إصداره الجديد في ختام مصنفه قائلاً: هذا نظر علمي دقيق في عبقريات العقاد - رحمه الله تعالى - وتحليلها ودراستها، لم أقصد بها ذات العبقريات فقط، إنما قصدت ما عليه حال كثير من العلماء والباحثين والدارسين والمجامع العلمية؛ إذ قد يقع منهم ما يقع من المجتهد من خطأ لا يغفر، خاصة في نظر حال الأثر وصحته وضعفه، وما ينبني عليه من حكم في شؤون الدين أو شؤون الدنيا. وخاتمة هذا العمل العلمي هو نفسه الكتاب، فكم آمل ممن يطالعه أن يكرر نظره مرة بعد مرة؛ فإنه سوف يتبيّن له ما لم يتبيّن له في النظرة الأولى والقراءة الأولى. وحسبي أنني بذلت الجد مجتهدًا لتفقه الأمة شريعتها، وواقعها، وحياتها، وهذا جهد المقل، ولكن حسبي ذلك أنني أديت جزءًا مما رأيته واجبًا عليّ أن أبذله؛ ليراه العلماء والباحثون وسواهم؛ فيدلي كل بدلوه بعلم وفهم ورواية ودراية.

مشاركة :