سالم عبد الغفور –
بلغ المتوسط السنوي لشطب الديون المعدومة في القطاع المصرفي خلال الفترة من 2008 إلى 2018 نحو 454 مليون دينار، بنسبة نمو سنوية مركّبة %9، حيث قدر إجمالي المشطوب في تلك المرحلة بنحو 5 مليارات دينار (ما يعادل 15 مليار دولار).
وفي إطار حرصها على سرعة تنظيف ميزانياتها من الديون المعدومة ونقلها إلى خارج الميزانية، فقد قامت البنوك المحلية بشطب 735 مليون دينار خلال عام 2018، مقارنة بــ 746 مليوناً في 2017، وبنسبة تراجع %1.5.
بلغت الديون المشطوبة لدى البنوك الكويتية في عامي 2017 و 2018 ما قيمته 1.5 مليار دينار، مثلت أعلى معدلات شطب الديون خلال 11 عاماً منذ 2008، وشكلت 30% من إجمالي قيمة الديون المشطوبة منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، علماً بأن نسبة الزيادة في الشطب خلال عام 2017 قفزت بنسبة %133، مقارنة بعام 2016، والتي سجلت حينها 320 مليون دينار فقط.
وتشير القفزة الأخيرة في حجم الديون المشطوبة إلى أن القطاع المصرفي قام بعملية تنظيف كبيرة للميزانيات خلال العامين الماضيين من تلك الديون، التي تعذر كليا تحصيلها نتيجة ظروف قهرية للعميل، وتأكدت البنوك من استحالة سدادها، علماً بأن عمليات التنظيف المتواصلة لمحافظ القروض المعدومة لدى البنوك جعلت القطاع المصرفي الكويتي يسجل أرقاماً قياسية مقارنة ببنوك المنطقة.
ففى الوقت الذي تمتلك فيه البنوك المحلية أكبر رصيد من المخصصات مقابل القروض غير المنتظمة؛ إذ بلغت نسب التغطية %214 في نهاية سبتمبر 2018، فان نسبة القروض غير المنتظمة إلى إجمالي القروض %2، مقارنة بـ %11.9 في عام 2009، علماً بأن نسبة صافي القروض غير المنتظمة إلى صافي القروض انخفضت الى %1.4 في نهاية سبتمبر الماضي.
ووفقاً لبيانات إحصائية صادرة عن شركة بيان للاستثمار ــــ خصت بها القبس ــــ فقد سجلت 8 بنوك تراجعات متفاوتة في نسب الشطب بما يتراوح بين %4 «الدولي» و%67 لـ «المتحد»، مقابل زيادة في حجم الشطب لدى «الوطني» و«التجاري».
وتصدرت بنوك «الوطني» و«بيتك» و«التجاري» قائمة البنوك الأكبر شطباً للديون في عام 2018، بقيمة 276 مليون دينار و158 مليون دينار و110 ملايين دينار على التوالي، في حين تصدر «التجاري» قائمة البنوك الأكثر نموّاً في الشطب بـ %596.
يذكر أن البنك التجاري كان قد بادر إلى شطب جميع الديون المتعثّرة في ميزانيته، رغم أنه يملك أقل نسبة ديون غير منتظمة بين البنوك المحلية بنحو %1.3، من إجمالي محفظة القروض، بعدما كانت %25 في 2009 إبان اندلاع الأزمة المالية العالمية.
مؤشرات إيجابية
على صعيد متصل، أكدت مصادر مصرفية ما يلي:
• القروض المشطوبة لا تتسبّب في ضرر لميزانية البنك، حيث إنها لا تشطب إلا بعد تصنيفها معدومة، أي إنها لم تعد مدرّة للدخل والأرباح، وفقاً للمعايير المحاسبية.
• تسارع عملية الشطب والتنظيف في عامي 2017 و2018 وتضاعف نمو الأرباح العام الماضي لخانتين (بنسبة %18.9) في 2018 مع ارتفاع قيمة التوزيعات التي يحصل عليها حاملو أسهم البنوك بعد إضافة قيمة التوزيعات النقدية إلى المنحة بنسبة %22 الى نحو 663 مليون دينار تؤكد ان القطاع المصرفي قد تجاوز تداعيات الأزمة العالمية بجدارة، وخرج منها أقوى بكثير مما كان عليه. علماً بأن نسبة التوزيعات المقررة تتأثر عادة بحجم المخصصات التي يتم بناؤها، اذ ترتبط التوزيعات مع المخصصات بعلاقة عكسية؛ فكلما زادت المخصصات انخفض معدل توزيع الأرباح، والعكس صحيح.
• لا ضرر قانونياً يقع على البنك جراء شطب الديون ونقلها خارج الميزانية، أي إن الموقف القانوني للبنك أمام العميل لا يتأثر سلباً، ويحق للبنك متابعة إجراءات تحصيل القرض بالطرق المعتادة، كما أن شطب الديون لا يعني أن البنوك قد تركت حقها وحق مساهميها في تحصيل تلك الديون، من خلال المطالبات الودية أو القضائية، وبناء عليه يبقى الاحتمال «ولو ضعيفاً» بتحصيلها ولو جزئياً.
• الارتفاع القياسي في نسبة تغطية القروض غير المنتظمة بالمخصّصات البالغة نحو %214، كما في سبتمبر 2018، سمحت للبنوك بتنظيف ميزانياتها من دون التعرّض لكثير من المخاطر.
• شهدت القروض غير المنتظمة تراجعا حادّاً منذ عام 2014، وظهر ذلك واضحاً من خلال الانخفاض القياسي للقروض المصنفة «بشأنها ملاحظات»، وهي أول فئة في تصنيف القروض غير المنتظمة وفق أجلها، ما يعني أن آليات وشروط الإقراض أصبحت مشددة وأكثر انتقائية جدّاً، وأن معايير وتفعيل إدارات المخاطر أتت أُكلها.
• يتزامن تراجع القروض غير المنتظمة مع انخفاض مستوى نمو الائتمان إلى معدلات أقل من %10، مقارنة بأكثر من ضعف تلك النسبة قبل الأزمة المالية العالمية يشير الى معدلات النمو صارت أكثر منطقية وواقعية، مع الأخذ بالاعتبار ان العامين الأخيرين شهدا تراجعاً في النمو؛ ليصبح %3.2 و%4.3 على التوالي لأسباب عديدة؛ منها عمليات السداد الكبيرة للديون.
• تصنيف الديون التي «بشأنها ملاحظات» أو «مشكوك في تحصيلها» أو «دون المستوى» أو «معدومة».. عملية ديناميكية لا تتوقّف، بمعنى ان كلا منها قد يتحوّل إلى فئة أخرى بأي وقت، وكذلك الحال بالنسبة الى استقطاع المخصصات وتحريرها أو شطبها.
• لا يتم شطب مخصص إلا إذا كانت المخصصات مقابلة %100 وإلا فتسجل النسبة المتبقية كخسارة. ومن المعلوم أنه يتم تجنيب مخصص بنسبة %20 بعد 90 يومَ تأخيرٍ عن السداد، و%50 بعد 180 يوماً و%100 بعد مرور 360 يوماً، ولا يمكن للبنك إلغاء تصنيف القرض من متعثّر الى غير متعثر وتحرير المخصصات المحددة مقابله إلا إذا سدد العميل كل الأقساط المتأخرة.
• مكوّنات القروض المشطوبة وسنة الشطب وحجم الديون المشطوبة قياساً بإجمالي محفظة القروض.. كلها مؤشرات ذات دلالات مهمة، وقد تعطي مؤشرات ايجابية أو سلبية عن البنك.
ملاحظات جوهرية
في مقابل المؤشرات الايجابية للقطاع المصرفي، أشارت مصادر مصرفية إلى ملاحظتين جوهريتين، كما يلي:
• رغم التطورات الايجابية في القطاع، فإن مكامن المخاطر تبدو قائمة، متمثلة وتراجع ترسيات المشروعات الحكومية، وتوقف اصدارات الدين العام وتباطؤ الإقراض العام الماضي، وانخفاض متوسط التداول في البورصة، وان كان القطاع العقاري قد شهد تحسّناً فإنها ما زالت دون المستويات القياسية في السابق. ولهذا، حرص بنك الكويت المركزي والبنوك على الاستمرار في نهج تجنيب المخصصات الاحترازية، والتي شهدت نهجاً جديداً في 2018 مع تطبيق المعيار المحاسبي رقم 9 بالكامل مع نهاية العام الماضي.
• تحرير المخصّصات وعودتها الى الارباح لا يتم إلا في حالة تحصيل الديون، سواء كانت مصنّفة متعثّرة، أو تم شطبها، لهذا فإن عملية الشطب تعني نقل القروض مع مخصصاتها خارج الميزانية، ولكن مع اطمئنان «المركزي» لسلامة ميزانية البنك قد يسمح بتحرير جزء من المخصصات العامة، حيث تتمثل النسبة الرقابية في الاحتفاظ بمخصص عام بنسبة %1 من التسهيلات النقدية و%0.5 من غير النقدية.