كذب في كذب

  • 3/3/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ابن الديرة الكلام في مروجي الإشاعات بقي، في الأغلب الأعم، محله، ولم يتحول إلى عقوبات فعلية، لأن التشريع، مهما كان رادعاً، يحتاج إلى تفعيل، ولا بد ممن يدعي أو يشكو، نحو قيد جناية أو إحالة إلى محكمة، وعلى المتضرر، فرداً أو مؤسسة، المبادرة إلى الشكوى حتى ينال المعتدي العقاب الذي يستحقه. أبعد من ذلك، تطورت الحالة إلى سهولة نشر الأخبار الكاذبة، فمن الأمور المعتادة اليوم، للأسف الشديد، أن يعيد البعض تغريدة تشتمل على خبر كاذب. هذا البعض الذي لم يعد قليلاً وأصبح كثيراً يعيد نشر، بل ويكتب الأكاذيب، وهو يعلم أنها أكاذيب، ثم لا يتورع عن المضي في تفاصيل وتعليقات من بنات خياله المريض، فهل يترك هؤلاء على هذه الحالة، من دون متابعة ومساءلة؟ السؤال، ابتداء، هل كتابة أو نشر الأخبار مهمة المغردين وأعضاء مجموعات الفيسبوك والواتس أب؟ ليس إلا تكريس العلم أداة جهل وتعمية، وليست إلا إساءة استخدام الوسائل الجديدة المفيدة في غير المفيد أو السار. طبعاً لا يمكن تحرك الجهات المعنية من دون متضرر مباشر يرفع قضية أو نحو ذلك، لكن إهمال الرصد والمتابعة في انتظار المتضرر المباشر يشير يقيناً إلى نوع بغيض من أنواع تعسف التبرير، والأصل اعتبار الضرر غير المباشر، ذلك الذي يصيب المجتمع كله. من حسن الحظ أن المشرع في الإمارات أولى هذا الجانب الاهتمام الذي يستحق، عبر قوانين عدة منها قانون المطبوعات بالنشر الذي هو، بالمناسبة، جدير بالتطوير نظراً لمواضع عوار فيه، ونظراً لمستجدات العصر، ولدينا قانون الجرائم الإلكترونية الرقم 5 لسنة 2012 المعدل بالقانون الرقم 12 لسنة 2016 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والمرسوم بقانون الرقم 2 لسنة 2016 في شأن مكافحة التمييز والعنصرية وازدراء الأديان. القصد أن البيئة القانونية حاضرة وخصبة وإن احتاج بعضها كقانون المطبوعات والنشر إلى تعديل وربما إلى إحلال كلي. هناك أيضا رقابة المحيط القريب، البيت والمدرسة والأقرباء والأقارب، حيث يملك هذا المحيط ميزة النصح وصولا إلى التأنيب والزجر بل والمنع بالتدريج. غير ذلك من غفلة أو تأجيل يسمى إهمالاً، وإذا افترضنا أن معظم أو بعض مروجي الإشاعات والأكاذيب، ففي التعميم ظلم أكيد، هم من اليافعين والشباب، نكون حددنا جهات المسؤولية وفي طليعتها الأسرة والمدرسة، أولياء الأمور والمعلمون. نريد أن نعود أولادنا على الصدق، ولا نريد أن ندخلهم في عالم زائف كله كذب في كذب، منطلقاته مغرية بالمعنى السلبي للكلمة، ودخوله يتحقق بمجرد كبسة زر، أما النتائج فوخيمة إلى أبعد الحدود، فقد تؤدي لعبة الإشاعة إلى لعبة القتل، وقد يؤدي إطلاق خبر كاذب إلى إخلال حقيقي بالأمن الذي هو خط أحمر، فلا بديل عن الردع وإنزال العقوبات الشديدة بحق من يروج الإشاعات أو يكذب، وفي وعيه أنه كذاب أشر. إن معظم النار، كما قال الشاعر العربي، من مستصغر الشرر، وللأخبار مؤسساتها الرسمية والمعتمدة، فلا يجوز التعدي على اختصاصها الحصري من قبل من يريد تحويل وسائل التواصل الاجتماعي إلى كذب في كذب. ebnaldeera@gmail.com

مشاركة :