«الأسر الحاضنة».. بيوت آمنة في وطن التسامح

  • 3/3/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

453 أسرة إماراتية اختارت الاحتضان العائلي سبيلاً لتحقيق السعادة وطريقاً للتسامح والتعايش والاستقرار عبر دمج طفل للعيش في كنفها كأسرة طبيعية، بحسب مؤسسات الرعاية الاجتماعية المعنية بشؤون الطفل في الدولة، إلا أن هذا التوجه المحمود تكتنفه بعض التحديات، يكمن أبرزها في تثقيف المجتمع بأهمية الاحتضان ودور الأسر الحاضنة في بناء شخصية الطفل بما يتماشى مع تعاليم ديننا الحنيف وثقافة وعادات مجتمع الإمارات، حتى يصبح الأبناء فاعلين لأنفسهم وخدمة وطنهم. تعد الأسر الحاضنة جزءاً من منظومة الرعاية الأسرية في المجتمع الإماراتي والتي تحظى باهتمام خاص من قبل سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، إذ تلعب دوراً مهماً في حياة الأطفال كأسر بديلة تحقق لهم الاستقرار النفسي والإشباع العاطفي وينعمون بكافة مقومات الحياة الكريمة، والتي تتضمن المعيشة في كنف أسرة إماراتية توفر لهم الدفء والمحبة والرعاية والتنشئة السليمة. وتختلف الأسر الحاضنة في دوافعها لمبادرة الاحتضان، فمنها من ترغب بتوسيع العائلة وتعزيز الحياة الزوجية أو تحقيق حلم الأمومة لمن لم ترزق بأبناء، وأخرى تربطهم علاقة قرابة أو دوافع إنسانية، إلا أنها تجتمع في تعزيز قيم التسامح وبث السعادة والدفء العائلي لفاقدي الرعاية الأسرية عبر تأمين نشأة مميزة لهم تساعدهم في تكوين شخصياتهم، ليتحولوا إلى كفاءات إيجابية في مسيرة بناء أرض الوطن بحسب ما وصفه عدد من الخبراء الاجتماعيين والنفسيين. تأمين بيئة تربوية اجتماعية يقول نبيل الظاهري، مدير عام دار زايد للرعاية الأسرية، إن الاحتضان العائلي في الدولة من المشاريع الناجحة عالمياً في مجال الرعاية الأسرية لاحتضان الأطفال في كنف أسر بديلة أقرب إلى جو الأسرة الطبيعية قادرة على تأمين بيئة تربوية اجتماعية تمكن الأطفال من تحقيق استقلاليتهم. وأشار إلى وجود 88 أسرة حاضنة حالياً ضمن مشروع الاحتضان العائلي الذي أطلقته الدار، موضحاً أن الفكرة الأساسية للمشروع هي أن يعيش الطفل فاقدُ الرعاية الأسرية داخل أسر تحميه وتعينه على تجاوز الحياة بالإضافة إلى دمج الطفل في المجتمع والعيش في أسرة طبيعية وتحقيق حلم الأمومة لأي أم إماراتية لم ترزق بأبناء. وأكد الظاهري أن دار زايد للرعاية الأسرية تحظى باهتمام خاص من قبل سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، وذلك منذ تأسيس الدار في عام 1988 في منطقة الخزنة، بأمر من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. وأشاد مدير عام الدار، بجهود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات» المتمثلة بالاهتمام بشباب وشابات وأطفال الدار من خلال متابعة سموها لمشاريع الدار ومناسباتها المختلفة، وحِرص سموها على المتابعة الدورية للدار للاطمئنان على معيشة الأبناء، وتقديم كافة الخدمات النفسية، والتربوية، والاجتماعية، وتوفير طاقم إداري من أعلى المستويات، سواء كانوا أخصائيين أو أخصائيات، أو مانحي رعاية متخصصين في مجال الرعاية الأسرية البديلة. وقال: إن الهدف الذي يسعى الجميع لتحقيقه هو دمج أبناء الدار في المجتمع من خلال البرامج المتوازنة فيما بينها، بناء على خطط واستراتيجيات الدار، التي تسعى لتعارف أطفالها مع أقرانهم من الأطفال، وتواصلهم مع المجتمع، وتنمية نسبة الذكاء والإبداع والتميز والاعتماد على النفس والحرية، وتعلم مهارات وتجارب جديدة، ومتابعتهم من الناحية العلمية وإمدادهم بالدعم النفسي والاجتماعي والتعليمي. وقال الظاهري: إن المشروع يأتي سعياً نحو تطوير الخدمات الإنسانية التي تقدمها الدار للأبناء بما يتوافق مع المعايير العالمية ويحقق لهم الاستقرار الاجتماعي والنفسي، وإن الهدف الأساسي من تنفيذ مشروع الاحتضان العائلي والذي يكفل لهم نشأة متميزة تساعدهم في تكوين شخصياتهم ليتحولوا إلى كفاءات إيجابية مؤثرة في المجتمع تسهم بدور إيجابي في مسيرة البناء على أرض دولتنا. وأضاف أن الدار استبعدت بعض الطلبات لعدم استكمال الأوراق الثبوتية المطلوبة، أو لعدم استيفاء الشروط الخاصة بالاحتضان العائلي التي تؤهل الأسر لتنشئة الطفل في بيئة صالحة، فيما تم استبعاد بعضها الآخر لعدم اجتيازهم الاختبارات النفسية والصحية والاجتماعية والمقابلة الشخصية وعدم مطابقة الدراسة الاجتماعية. بيئة أسرية وأوضح الظاهري أن التعاون المشترك بين الدار وعدد من المؤسسات المحلية والحكومية وعلى رأسها جامعة الإمارات يصب في صالح فاقدي الرعاية الأسرية. وأضاف أن الهدف من الاختبار قياس درجة الاستعداد النفسي للأسرة الراغبة في احتضان طفل وقدرتها على الإيفاء باحتياجات ومتطلبات هذا الطفل من أجل ضمان بيئة أسرية آمنة وملائمة يعيش فيها باستقرار دائم. وأشار إلى أن الدار تنفذ سنوياً برامج تدريبية للأسر الحاضنة من مختلف إمارات الدولة، بالإضافة إلى تنظيم ملتقى الأسر الحاضنة السنوي كما يتم وضع البرنامج التدريبي للأسر الحاضنة بهدف الوصول بهم لأفضل المهارات والمعارف التي تدعم نمو الطفل من مختلف النواحي والتي تساعد الأسر الحاضنة على اجتياز العقبات التي قد تواجهها في تربية الطفل. 4 زيارات للأسر الحاضنة وحول الآليات التي تنتهجها الدار في متابعة الأطفال بعد احتضانهم، أضاف الظاهري أنه تتم متابعة الطفل داخل الأسرة من خلال اختصاصيين اجتماعيين ونفسيين، وذلك بأربع زيارات للطفل في السنة، وقد تكون أكثر من ذلك إذا ما احتاجت الأسرة والطفل، هذا بالإضافة إلى الزيارات الفجائية والتواصل الهاتفي مع الأسرة باستمرار والمشاركة في المناسبات الاجتماعية الخاصة بالطفل وأسرته. وتابع قائلاً: إنه من خلال المتابعة، يتم تطبيق مخطط الاحتضان العائلي لكل طفل باعتبار أنه حالة قائمة بذاتها، وهذا المخطط يطبق كل ستة أشهر من عمر الطفل إلى سن 18 عاماً، بحيث يوضح التطورات والتغيرات بالمراحل العمرية المختلفة للطفل عن طريق مؤشرات تم تحديدها بأحدث الطرق العلمية، تشمل المتابعة الأسرية والنفسية والاجتماعية والصحية والعقلية والتعليمية، وإدراك الواقع حتى بلوغ الطفل سن 18 عاماً، ويتم خلال هذه المتابعة وضع الخطط العلاجية والتحفيزية بين قسم الاحتضان العائلي والأسرة الحاضنة لتعزيز وصقل شخصية الطفل وتنمية مهاراته ومواهبة وإبداعاته وتخطي أزماته، ليصبح فرداً فاعلاً في المجتمع يخدم نفسه وأسرته ووطنه. برنامج «احتضان» يقول الدكتور عبدالعزيز الحمادي، رئيس لجنة اختيار الأسر الحاضنة في إمارة دبي، ومدير إدارة التلاحم الأسري في هيئة تنمية المجتمع: إن الهيئة تلعب دوراً مهماً في تشجيع الأسر الإماراتية على الاحتضان عبر برنامج «احتضان» الذي أطلقته مؤخراً إيماناً منها بأهمية الدور الإيجابي الذي تلعبه الأسر الحاضنة في حياة الأطفال ورعايتهم وتنشئتهم في كنفها نشأة طبيعية كأبناء لها. وذكر أن عدد الأسر الإماراتية الحاضنة والمسجلة لدى الهيئة بلغ 356 أسرة، وأن هناك 9 أسر راغبة بالاحتضان على قائمة الانتظار، إذ يتم تحديد دوافع الأسر الحاضنة عبر الدراسة الاجتماعية التي يتم إجراؤها لإبرازها والتعرف عليها كالرغبة الكبيرة في تحسين حياة طفل وتنشئته بشكل سليم ضمن أسرة محبة ومستقرة، وأضاف أنه يتم العمل حالياً على تطوير برامج اجتماعية ونفسية وتدريبية وتثقيفية لتفعيل مفهوم الأسرة ودورها الأساسي في بلورة شخصية الطفل بشكل إيجابي، مؤكداً أهمية تنشئتهم تنشئة سليمة متزنة والاهتمام بصحتهم وتعليمهم وفقاً للشروط التي تم تحديدها لإتمام إجراءات تقديم طلب الاحتضان، والتي من بينها أن تكون العائلة قادرة على إعالة أفرادها والطفل مادياً، وأن يتعهد المحتضنون بتربية الطفل تربية صالحة وبالاهتمام بصحته وتعليمه وحمايته وتنميته. وتبدأ عملية الاحتضان بإتمام إجراءات التقديم، حيث تتقدم الأسرة الراغبة في الاحتضان بطلب مدعم بالمستندات الرسمية، ويتم تقييم وضع الأسرة اجتماعياً ونفسياً من خلال مقابلات وزيارات ميدانية، وترفع نتائج التقييم إلى لجنة مكونة من أفراد من هيئة تنمية المجتمع بدبي ووزارة تنمية المجتمع وجهات أخرى مختصة، ويحق للأسرة اختيار الطفل الذي ترغب فيه من خلال تحديد جنس الطفل وعمره، حيث يتم تنسيق مقابلة أولية بين الأسرة والطفل لقياس مدى التوافق والارتباط بينهما، ومن ثم إعطاء الأسرة فرصة للتفكير أو القيام بمقابلة أخرى للتأكد من القرار المعطى. خبراء: قياس درجة الاستعداد النفسي للأسرة الراغبة بالاحتضان أكد خبراء في علم النفس أن الاحتضان العائلي ثقافة الرُّحَماء ويحقق السعادة للأسرة ويلعب دوراً مهماً في التماسك والترابط والبناء النفسي السليم، سواء على أفراد الأسرة أو على الطفل المحضون، مؤكدين على أهمية قياس درجة الاستعداد النفسي للأسرة الراغبة في الاحتضان. وأوضحوا أن من المواقف الصعبة التي تواجهها الأسر الحاضنة مصارحةَ الطفل المحتضن بواقعه، وقد يؤثر على استقرار الطفل مع الأسرة من النواحي النفسية والاجتماعية والعقلية إلا أن مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالدولة بادرت بإشراك أخصائيين اجتماعيين ونفسيين لمتابعة الطفل داخل الأسرة خلال مراحله العمرية المختلفة، لتأمين حياة اجتماعية ونفسية آمنة ومستقرة. وقال الدكتور جاسم المرزوقي خبير علم النفس إن الحضانة لها أهمية بالغة في زرع وغرس قيم التسامح في نفوس أفراد الأسرة الحاضنة، كما أنه يحقق حلم كثير من الأزواج الذين لم يحظوا بنعمة الإنجاب أو النساء اللواتي لم تتح لهن فرص الزواج، كما يحقق السعادة للأسر الإماراتية الراغبة في فعل الخير وبناء مجتمع متماسك. وبين أن الأسر الحاضنة تلعب دوراً كبيراً في بناء شخصية الطفل فاقد الرعاية الأسرية، إذ إن السنوات الأولى من حياة الطفل هي الأساس الذي تبنى عليه شخصيته في المستقبل، فالرعاية التي تحيط بها الأسرة الطفل هي السند الأكبر لنموه واكتمال كل وظائفه النفسية والجسمية والعقلية، فمن خلال الأسرة يحصل الطفل على أهم احتياجاته النفسية وهي الشعور بالحب والأمان وبأنه مقبول ومرغوب فيه. وأضاف: كي يتمتع الطفل بصحة نفسية وعقلية سليمة وشخصية سوية متزنة فإنه من الضروري أن يمارس علاقة مستمرة مليئة بالدفء والألفة من خلال الرعاية، فهي الأساس في تشكيل الشخصية السليمة والعقل السليم الواعي، لافتاً إلى أهمية توعية الأسر الحاضنة، بضرورة اتباع الطرق المثلى في المصارحة، وعدم اللجوء إلى تزييف المعلومات، أو التستر عليها كي لا تنعكس سلباً على الطفل. وتقول الدكتورة دوللي حبال أخصائية تشخيص ومعالجة الأمراض النفسية إن الاحتضان يبعث الفخر والشعور بالسعادة ويعزز قيم التسامح لدى جميع أفراد الأسرة، مشيرة إلى المسؤوليات التي تقع على عاتق العائلة تجاه المحضون من توفير رعاية سليمة مليئة بالفرص والمحبة حتى يصبح قادراً على مواجه صعوبات الحياة. وأكدت أن تجربة الاحتضان مجزية ومرضية للجميع، وأن المحضونين أمانة في أعناق الأسر الحاضنة، وعليهم أن يكونوا قيمين على هذه الأمانة من توفير كافة أنواع الدعم المعنوي المادي كي لا يشعر الطفل بالنقص عن غيره من الأطفال ويصبح عنصراً فعالاً في المجتمع. استثمار بشري يؤكد الدكتور أحمد الحداد عضو في مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن الأسر لها دور كبير في استقرار المجتمعات إذا قامت بواجبها نحو الأيتام واللقطاء والعاجزين عن كسب أقواتهم ورعاية أطفالهم، فالمجتمع الذي يقوم بدور الأب الحاني والأم العطوفة فيسد حاجة هذه الشريحة التي قد تكون كبيرة في بعض المجتمعات -وإن كانت قليلة في مجتمعنا الإماراتي المبارك- هو مجتمع فاضل راق، يبني المجتمع بناشئة تكون عامل استقرار وبناء، ومجتمع يخلو من هذه المهمة الأسرية الاجتماعية هو مجتمع متفكك يكون وقوده ذلكم النشء الضائع فينتقم من المجتمع شر انتقام. وأضاف: كان الإسلام سباقاً لدعوة المجتمعات للقيام بهذه المهمة المثالية كما دلت عليه نصوصه المتكاثرة، كنصوصه في كفالة الأيتام منها قوله سبحانه {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} وقوله تعالى في الحث على إيوائهم وإطعامهم {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} وقوله صلى الله عليه وسلم «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئاً. واليتيم هو من مات أبوه ولو كان غنياً، ولعل من فقد أبويه لكونه لقيطاً أو منبوذاً أو عجز أبواه عن إعالته فأسلماه للجهل أو الموت؛ لعل هذا النوع هو أشد حاجة لعطف المجتمع ممن لديه أم حانية وأقارب أوفياء، وسيكون له من الأجر مثل ذلك وأفضل، لأنه يحييه بالعلم والصحة والإعاشة فيكون كمن أحيا الناس جميعاً. وبين أن الأسرة التي تحتضن هذا الطفل لتكسب أجره في الدنيا والآخرة هي أيضاً إحدى مؤسسات الدولة والمجتمع لقيامها بخدمته بهذا النشء الذي سيكون كما ربته الأسرة من الصلاح والعمل المفيد. وما تقوم به الدولة عموماً والمحسنون خصوصاً وعلى رأسهم سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، فهي التي تولي هذه الشريحة رعايتها المثلى، وهذا العمل هو في الحقيقة عمل كبير، قد لا يدرك أثره في بادئ الأمر، لكنه سرعان ما يدرك حينما يكبر ويعرف لهذه الأسرة فضلها فيكون ابناً باراً ومعيناً راشداً، ويكون جندياً في خدمة الوطن أو عضواً فاعلاً في مؤسساته العامة أو الخاصة، وعندئذ تدرك تلك الأسرة أن احتضانها له كان في الحقيقة استثماراً بشرياً مباركاً، هو خير من استثمار مادي مباشر الذي قد يخسر فيه كثيراً، وعندئذ «يحمد القوم السُّرى»، فمن ذا الذي لا يريد نجاحاً لاستثماراته، فإنه استثمار عند الله تعالى أولاً الذي لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وفي الوطن الذي يحتاج إلى سواعد بانية، وعند ذلكم الذي كان صغيراً فقيراً محتاجاً فأصبح معطاء روحياً ومادياً. ودعا كل من تتاح له الفرصة ألا يضيع فرصة لهذا الاستثمار المبارك، فإنه إن فوته فإنما يفوت الخير الكبير الكثير عن نفسه، وذلك هو الخسران المبين، ولعله لا يخلو من المساءلة الربانية لأن الله تعالى أوجب على المجتمعات القيام بذوي الحاجات وفرض لهم الصدقات وأوجب لهم الرعاية المادية والاجتماعية، وقد ورد أن «الخلق كلهم عيال الله، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله» أي فقرائه. مشروع القصة «مشروع القصة» إحدى المبادرات الجديدة الخاصة بالتهيئة النفسية لأطفال الاحتضان والأسر الحاضنة، وهو مشروع المصارحة والمصالحة مع النفس، وتبدأ من سن 3 سنوات من خلال قصص تتناول مفهوم اليتم وفي سن السابعة بشكل مباشر مع دعم الأسرة لاحتواء الطفل خلال فترة المصارحة تجنباً لأي ردة فعل سلبية قد تؤثر في مجرى حياته. وذكرت دار زايد للرعاية الأسرية أن مشروع القصة، الذي قامت به الدار، يعد الأول على مستوى الوطن العربي، حيث يهدف إلى تعريف الطفل المحتضن أنه ليس الطفل البيولوجي للأسرة الحاضنة مهما كانت الحقيقة قاسية، وبما يضمن عدم تعرضه في الكبر لصدمات نفسية يصعب علاجها. وأوضحت أنه تم تخصيص قصص موجهة لفئة فاقدي الرعاية الأسرية وفق مراحل عمرية متدرجة بحيث تستخدم القصة وسيلة تأثير غير مباشرة لمصارحة الطفل بوضعه، ورسم الواقع التربوي المراد غرسه في نفس الطفل، حيث يتم تزويد الأسر بالقصص تمهيداً لمصارحة الطفل اليتيم أو فاقد الرعاية الأسرية بواقعه الاجتماعي، بعد تأهيل الأسر الحاضنة بدورات تربوية، تساعدهم على سرد أسلوب القصة في المنزل وتزويدهم بالقصص المناسبة لأطفال الاحتضان حسب مستوياتهم وأعمارهم وميولهم. وأكدت أنه تم إصدار عدد من القصص المتخصصة بمصارحة الأطفال بواقعهم الاجتماعي، وذلك من خلال التعاون مع مؤلف متخصص في قصص الأطفال، ومع أحد الرسامين المتخصصين في رسم الأطفال، لافتاً إلى أن هناك تنويعاً في وسائل تقديم القصة، فهناك القصة المسموعة المصورة، وهناك القصة المسموعة المرئية على الموقع الخاص على الإنترنت. اختيار الأسرة الحاضنة تتولى وزارة تنمية المجتمع التنسيق مع الجهات المعنية بمتابعة التدابير المتخذة في شأن الأطفال وفقاً لقرار مجلس الوزراء رقم (52) لسنة 2018 بشأن اللائحة التنفيذية لقانون حقوق الطفل «وديمة» ومراجعتها بصورة دورية بما يضمن المصلحة الفضلى للطفل، واختيار الأسرة الحاضنة، وفقاً للضوابط والشروط المحددة في هذا القرار، ووضع نموذج لمتابعة الأطفال المودعين في مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو الصحة أو الأسرة الحاضنة. وحددت اللائحة التنفيذية «شروط الأسرة الحاضنة» والتي يجب أن تتكون من زوجين لا يقل عمر كل منهما عن (25) سنة ميلادية، وأن يكون الزوجان حسني السمعة والسلوك، وأن يتوافق دين الزوجين مع دين الطفل، وألا يكون قد سبق الحكم على أي من الزوجين في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ولو رد إليه اعتباره، وأن يثبت خلوّهما من الأمراض المعدية والنفسية والاضطرابات العقلية التي تؤثر في صحة الطفل وسلامته، وذلك من خلال تقرير صادر من جهة طبية رسمية. كما يجب أن تكون الأسرة الحاضنة قادرة على إعالة أفرادها والطفل مادياً، وأن تتعهد بحُسن معاملة الطفل وتربيته تربيةً صالحة، والاهتمام بصحته وتعليمه وحمايته وتنميته وفق نموذج التعهد المعتمد، علاوة على أي شروط أخرى يقررها وزير تنمية المجتمع بناءً على توصية وحدة حماية الطفل بما لا يتعارض مع أحكام القانون وهذا القرار. ونصت اللائحة التنفيذية على ضوابط إيداع الطفل لدى أسرة حاضنة أو جهة أخرى، مشيرة إلى أنه في حال عدم توافر شروط إبقاء الطفل لدى عائلته الواردة في المادة (47) من القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 2016 في شأن قانون حقوق الطفل «وديمة»، يتم إيداع الطفل لدى أسرة حاضنة أو هيئة أو مؤسسة اجتماعية أو تربوية أو صحية ملائمة عامة كانت أو خاصة وفقاً لضوابط الحصول على إذن من النيابة العامة، وتوفر الاشتراطات الواردة في القانون والقرار لدى الأسرة الحاضنة لرعاية الطفل، وأن تلتزم الأسرة الحاضنة أو الجهة التي يودع الطفل لديها بالالتزامات الواردة في القانون والقرار، وأن تكون الأسرة الحاضنة أو الجهات التي يودع الطفل لديها معتمدة لدى وزارة تنمية المجتمع. وبينت اللائحة التزامات الأسرة الحاضنة أو الجهة التي يودع الطفل لديها، وهي: الاعتناء بالطفل، وتوفير كافة الحاجات الأساسية اللازمة له، من مأكل وملبس ومشرب ومأوى، وحسن معاملة الطفل، ورعايته تربوياً وصحياً ونفسياً وجسدياً وأخلاقياً، وعدم التخلي عن رعاية الطفل أو تسليمه لأسرة حاضنة أخرى أو والديه أو أحدهما ولو لفترة مؤقتة إلا بعد موافقة الجهة القائمة على متابعة الطفل، وإبلاغ وزارة تنمية المجتمع عن أي تغيير يطرأ على حالة الأسرة، كطلاق أو وفاة أحد الزوجين أو زواج أحد أبناء الأسرة، أو تغيير محل إقامتها، وإبلاغ وزارة تنمية المجتمع عند إلحاق الطفل بالمدرسة، أو تغيبه عن المنزل، أو هروبه، أو وفاته، أو انقطاعه عن الدراسة، واستشارة الجهة القائمة على متابعة الطفل عند الرغبة في السفر للخارج بصحبة الطفل أو من دونه، كما تكون واجبات الرعاية للطفل من الأسرة الحاضنة دون مقابل. وشددت المادة على أنه يجب إبلاغ الأسرة الطبيعية للطفل بأي من الجهات المحددة والتي أودع لديها الطفل، إلا إذا اقتضت المصلحة الفضلى للطفل عدم الإبلاغ. أمومة اختيارية.. في كنف عائشة «أمومة اختيارية» أحد النماذج الناجحة في الاحتضان العائلي بالمجتمع الإماراتي لأم وفرت الدفء والحنان الأسري لطفلتين هما ريم وحصة، فليس بالضرورة أن تكون الأم بيولوجية كي تشعر بسعادة الأمومة، بحسب ما ذكرته الدكتورة عائشة البوسميط في تجربتها مع الاحتضان. وقالت إن حياتها قبل الاحتضان كانت مختلفة تماماً عما هي عليه الآن، وكان الكثير من حولها يشكك في قدرتها على أن تخوض تجربة الاحتضان بحكم عملها وانشغالها وسفرها وأنشطتها الاجتماعية وما يتطلبه الأمر من الاهتمام والوقت خاصة في العمر الصغير لبناتها المحتضنات، لكن بالتحدي الكبير لذاتها ولمن حولها غيرت هذه التجربة الرائعة مجرى حياتها وكذلك أولوياتها في الحياة وحتى شخصيتها التي أصبحت أكثر هدوءاً وسكينة وعرفت معنى السعادة الحقيقية في رعاية طفلتين (ريم وحصة). وذكرت أن فكرة الاحتضان بدأت معها منذ أكثر من ست سنوات قائلة: كانت البداية مع أميرتي الكبيرة ريم وبعدها أميرتي الصغيرة حصة، واليوم أطفأت ريم تسع شمعات من عمرها بالفرح والسعادة، فحياتي اختلفت من منطلق المسؤولية لاحتضان طفلتين هما بالفعل ابنتاي وشعرت بهذا حقيقة أمامي هو أن الأمومة ليست فقط في إنجاب الأطفال وإنما في رعايتهم وتربيتهم والسهر على راحتهم وتنشئة جيل قادر على تحمل المسؤولية، فالتربية لها عامل كبير في صياغة الشخصية، فليس بالضرورة ألا يكون لدى الشخص أطفال كي يصبح أباً أو أماً، فكل إنسان يحمل مثل هذه المشاعر تهيئه بأن يكون أباً حاضناً أو أماً حاضنة، ونصيحتي هي أن يبادروا بالاحتضان لأنه سيغير حياتهم، وهناك بركة إلهية لا يشعر بها إلا من يخوض هذه التجربة. وأضافت: ابنتي ريم شخصية مختلفة وجميلة أرى فيها الذكاء والشخصية المبدعة ولديها شيء ما مختلف ومميز وأنمي في شخصيتها الاستقلالية وأن تكون قيادية صغيرة، وهدفي هو أن أوصل لها خلاصة تجربتي في الحياة، وأما أختها حصة فكانت برغبة من ريم التي طلبت مني احتضانها واحتواءها كأخت لها، فشعرت بأهمية وجود الأخت لدى ريم وأن تكونا سنداً لبعضهما بعضاً، ولله الحمد تحقق ذلك، وبوجود أميرتي الصغيرة الشقية والمرحة اكتملت عائلتي الصغيرة حفظهما الله. وذكرت أن «الاحتضان نعمة كبيرة وأتمنى ممن حرموا من الأطفال لأي سبب كان والذين لديهم إمكانيات مادية ونفسية وقدرة على العطاء بحب ألا يترددوا في احتضان طفل، وأن يخوضوا التجربة ويذوقوا بركة الاحتضان لما لها من أثر إيجابي على الأسرة، فالأطفال نعمة لا تقدر بثمن، فليس بالضرورة أن تكون الأم أو الأب بيولوجيين لكي يشعرا بسعادة الاحتضان، فهما بالفعل جزء مني وأشعر بذلك في ابتسامتهما فهما ابنتاي بالفعل، وكلي وليس جزءاً مني». وبينت أنه من المهم تثقيف المجتمع بموضوع الاحتضان وتوعية الصغار أيضاً قبل الكبار، فهناك أسر حاضنة وأطفال محتضنون ومجتمعاتنا واعية لذلك، لكن من المهم القيام بذلك لأن هناك عقليات تنظر بنظرة ناقصة، لذلك لا تتحدث الكثير من الأسر عن أطفالها المحتضنين وتبقي الأمر سراً لينجر ذلك على عدم مصارحة الطفل نفسه، مما يسبب آثاراً سلبية عليه في المستقبل ولا يكون متصالحاً مع ذاته، لذا أخذت على نفسي تحمل مسؤولية التوعية بالاحتضان من خلال الحديث عنه ودعم المؤسسات والأسر الحاضنة والأطفال المحتضنين من خلال مشاركتهم تجربتي والحديث عنها والمشاركة في الفعاليات المختلفة وكذلك إدارة حساب #أسر_حاضنة osar_hadinah@ على الإنستغرام للتوعية بكافة الأمور المتعلقة بالاحتضان. ويقول رب إحدى الأسر الإماراتية الحاضنة الذي فضل أن يتم ذكر اسمه «أبو سلطان» إن الاحتضان هو باب من أبواب السعادة والأجر العظيم، وخاصة إذا كان فئة (احتضان الأقارب) وتربطهم به علاقة قرابة قد تؤهل الطفل للاندماج مع الأسرة بشكل يسير، مشيراً إلى تجربته في الاحتضان لطفل تربطه به علاقة قرابة بعد أن فقد والديه بالإضافة إلى طفلة أخرى فاقدة للرعاية الأسرية.

مشاركة :